الحراك الإخباري - قل لي ماذا تشاهد، أقل لك من أنت
إعلان
إعلان

قل لي ماذا تشاهد، أقل لك من أنت

منذ 4 ساعات|رأي من الحراك


من باريس: سهيلة باتو 

صحفية و سينمائية 


حرب الشاشات: من يملك الحقيقة في زمن الانقسام؟

في عالم تتسارع فيه الأحداث وتختلط أصوات المدافع بضجيج الأخبار المتناقضة، يبرز سؤالٌ واحد بإلحاح: مَن نصدق؟ شاشاتنا العربية تشتعل بالصور، لكن القصة التي تُروى ليست دائماً قصتنا المشتركة. بل باتت تلك الشاشات مرآة لصدع عميق في وعينا، تكشف من هو "الصديق" ومن هو "العدو".

المنصات الكبرى: بين التأطير والأجندة

كل قناة، وإن بدت مختلفة، تعمل كآلة توجيه. هي تبث ما يُملى عليها، لا ما يجب أن يُنقل. كل منها تحمل راية، تُلوّن الخبر، وتُقدمه بزاوية تخدم أجندتها وأجندة من يمولها. ليست مرايا صافية للحقيقة، بل عدسات تُكبّر وتُصغر، تُخفي وتُظهر، لتُشكّل وعينا العربي الممزق.

الجزيرة: من قطر، غالباً ما تُعتبر صوتاً مؤثراً وداعماً لقضايا الشعوب والتحرر، بتغطيتها القوية للقضية الفلسطينية. تُقدم خطاباً ناقداً لبعض الأنظمة، مما يجذب جمهوراً واسعاً، وإن لم تخلُ من انتقادات توجهاتها.

العربية: من دبي، بتمويل سعودي، تمثل خطاً محافظاً ومقرباً من سياسات الرياض وأبو ظبي. تركز على نقد إيران ومحور المقاومة، وتقدم رؤية مختلفة تماماً للأحداث الإقليمية.

سكاي نيوز عربية: أيضاً من الإمارات، وبإدارة شخصيات مثل اللبناني نديم قطيش، تُساهم في تقديم رواية تتماشى مع توجهات الخليج. تساؤلات كثيرة تُطرح حول مدى استقلاليتها، لدرجة أن البعض يهمس: "أعربية أم عبرية؟".

الميادين: من بيروت، تُقدم نفسها كصوت "محور المقاومة"، فتدعم الخط الإيراني وحلفائه (حزب الله، سوريا)، وتقدم رواية معاكسة تماماً لما تبثه قنوات الخليج.

آر تي العربية: النسخة الناطقة بالعربية لقناة "روسيا اليوم" الحكومية. تُقدم وجهة نظر روسية للعالم، وغالباً ما تكون ناقدة بحدة للسياسات الغربية.

بي بي سي عربي وفرانس 24 عربي: ذراعا الإعلام الغربي الناطق بالعربية. تُقدمان رؤية دولية للأحداث، لكنهما لا تسلمان من شبهات الانحياز لسياسات بلديهما الأم، خاصة في الملفات الحساسة.

هذه التعددية الظاهرية للقنوات، تخفي في جوهرها معركة ضارية للسيطرة على العقل العربي، حيث تُصاغ الروايات لا لِتُخبر الواقع، بل لِتُقنع وتُوجّه.

الصدع الرقمي: انقسام عربي حول الصراع

الصراع الأخير بين إيران والاحتلال لم يكتفِ بإشعال النيران في المنطقة، بل كشف عن صدع رقمي عميق في الشارع العربي. هذا الانقسام الحاد في الرأي حول من هو الصديق ومن هو العدو، ليس وليد اللحظة؛ إنه انعكاس لأزمات داخلية تعيشها كل دولة عربية، ولذاكرة جماعية مثقلة بخيبات الأمل وانعدام الثقة.

هنا، تتشكل جبهتان رئيسيتان على وسائل التواصل الاجتماعي:

المعسكر "المؤيد لإيران / للمقاومة": يرى في الرد الإيراني "كسراً لاحتكار" الاحتلال و"إجراء تأديبياً" ضد حصانته المزعومة. يُحتفل بهذا الرد كحدث نوعي غيّر ميزان الردع بضربه لأهداف استراتيجية. هذا المعسكر يجد صدى واسعاً في اليمن، لبنان، العراق، دول المغرب العربي، وبين الدوائر الداعمة للقضية الفلسطينية، مرددين شعارات تؤكد أن طهران تدافع عن القدس.

المعسكر "المناهض لإيران / للسيادة": يُظهر عداءً ورفضاً قاطعاً لإيران، ويعتبرها خصماً لا يقل خطورة عن الاحتلال الإسرائيلي، بل ربما أخطر. يصل الأمر ببعض المؤثرين ووسائل الإعلام في الخليج العربي إلى الترحيب بل وتبادل الفرحة بالضربات الإسرائيلية ضد طهران. دافع هذا التوجه هو الحفاظ على السيادة الوطنية، وغالباً ما يتغذى من استقطاب طائفي حاد.

صدى أورويل: معركة الحقيقة

إن ما يحدث اليوم يصدح بصدى كلمات جورج أورويل: "في زمن الخداع الشامل، قول الحقيقة هو عمل ثوري." هذه المعركة ليست مجرد نقل للأخبار، بل هي صياغة للواقع نفسه. من يتحكم في الإعلام، يتحكم في العقل، ويتحكم في الماضي والمستقبل. ومهمتنا اليوم ألا نصبح أداة لهذه السيطرة.

خاتمة: وعي المشاهد واجب الوقت

أيها المشاهد العربي، في بحر هذه الفوضى الإعلامية وهذا الانقسام الحاد، وعيك هو بوصلتك الأقوى. لا تقبل الرواية الواحدة. ابحث، قارن، شكّك، وتمحص. ففي كل زاوية من هذا العالم المتوحش، تكمن حقيقة تنتظر من يكشفها. النصر ليس فقط في الميدان، بل في عقولنا أيضاً.

وفي عالم تتلاعب فيه الشاشات بالوعي وتتسابق الروايات لفرض سيطرتها، تبقى الحقيقة عملة نادرة، تتطلب منك أيها المشاهد العربي أن تكون صرافها الأخير. فلا تدع ضجيج الأجندات يحجب عنك صوت البصيرة. إنها ليست مجرد حرب على الأرض، بل صراع على الروح، حيث وعيك هو خط دفاعك الأخير.

تاريخ Jun 17, 2025