الحراك الإخباري - ضرورة توسيع شبكة الصراف الآلي في الجزائر
إعلان
إعلان

ضرورة توسيع شبكة الصراف الآلي في الجزائر

منذ 6 أشهر|الأخبار

 

في اقتصاد اليوم المتسارع، ليس الوصول إلى الخدمات المالية مجرد راحة، بل هو ضرورة. تلعب أجهزة الصراف الآلي وبطاقات الخصم دورًا حيويًا في تعزيز الشمول المالي، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتحسين جودة حياة المواطنين. الجزائر، وهي دولة يبلغ عدد سكانها حوالي 47 مليون نسمة، تقف عند مفترق طرق حيث يمكن لتوسيع شبكة الصراف الآلي أن يؤثر بشكل كبير على تنميتها الاقتصادية ورفاهية مجتمعها. 

نقص الصراف الآلي في الجزائر بالأرقام 

اعتبارًا من أغسطس 2024، تمتلك الجزائر فقط 3,896 جهاز صراف آلي، ما يعادل جهازًا واحدًا لكل 12,063 جزائري. هذا المعدل يتناقض بشكل صارخ مع نظيراتها من الدول المجاورة والمماثلة: 

مصر: بعدد سكان حوالي 115 مليون نسمة و23,275 جهاز صراف آلي في عام 2023، تمتلك مصر جهاز صراف آلي واحد لكل 4,970 شخصًا.

نيجيريا: بتعداد 230 مليون شخص و22,600 جهاز صراف آلي في عام 2023، تمتلك نيجيريا جهازًا واحدًا لكل 10,176 فردًا.

المملكة العربية السعودية: لسكانها البالغ عددهم 36 مليونًا، كان لدى المملكة 18,000 جهاز صراف آلي في عام 2024، ما يوفر جهازًا واحدًا لكل 2,000 شخص.

جنوب أفريقيا: بقيادة القارة، كان لدى جنوب أفريقيا 35,791 جهاز صراف آلي في عام 2023 لسكانها البالغ عددهم 63 مليونًا، ما يؤدي إلى جهاز صراف آلي واحد لكل 1,760 فردًا.

الدول المتقدمة: الدول مثل ألمانيا، النمسا، الولايات المتحدة، واليابان تمتلك معدلًا متوسطًا جهاز صراف آلي واحد لكل 1,800 شخص. 

تسلط هذه الإحصاءات الضوء على التأخر الكبير للجزائر في توفر أجهزة الصراف الآلي، حتى عند مقارنتها بدول أفريقية أخرى. لمطابقة نسبة جنوب أفريقيا، ستحتاج الجزائر إلى تركيب حوالي 22,750 جهاز صراف آلي إضافي.

- الضرورات الاقتصادية والاجتماعية

تعزيز الشمول المالي 

من خلال توسيع شبكة الصراف الآلي، يمكن للجزائر توفير الخدمات المصرفية الأساسية للمناطق المحرومة. يتيح الوصول السهل إلى أجهزة الصراف الآلي للمواطنين المشاركة في الاقتصاد الرسمي، ويعزز الادخار، ويسهل المعاملات. إنه يجسر الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، مما يعزز التماسك الاقتصادي على مستوى البلاد. 

تحسين الحياة اليومية وإدارة الوقت 

تؤدي الطوابير الطويلة في البنوك وأجهزة الصراف الآلي الحالية إلى إهدار ساعات لا تحصى للجزائريين. من خلال زيادة عدد الأجهزة، خاصة في المواقع الاستراتيجية مثل السوبرماركت والأحياء ، والأسواق، والمراكز الإدارية، يمكن للجزائر تخفيف هذه الازدحامات. سيقضي المواطنون وقتًا أقل في الوصول إلى النقد ووقتًا أكثر في الأنشطة الإنتاجية. 

تشجيع اعتماد بطاقات الخصم والائتمان 

تشجع شبكة الصراف الآلي القوية الناس على الحصول على البطاقات المصرفية واستخدامها. هذا التحول يقلل الاعتماد على النقد، ويعزز المعاملات الآمنة، ويُدمج المزيد من المواطنين في النظام المصرفي. مع ارتفاع استخدام البطاقات، يزداد أيضًا الإمكانات للخدمات المالية الأخرى مثل المدفوعات عبر الإنترنت والقروض والاستثمارات.

تقليل تداول النقد والاحتيال 

يزيد التعامل المفرط بالنقد من مخاطر السرقة والاحتيال وغسيل الأموال. من خلال تعزيز المعاملات الإلكترونية عبر الاستخدام الواسع للصراف الآلي والبطاقات، يمكن للجزائر تعزيز الأمن المالي. تجعل السجلات الإلكترونية تتبع وتنظيم المعاملات أسهل، مما يقلل من الأنشطة غير المشروعة.

- النشر الاستراتيجي: نهج مدروس علميًا

لتحقيق أقصى تأثير، يجب على الجزائر اعتماد خطة استراتيجية لنشر أجهزة الصراف الآلي: 

تحديد المواقع بناءً على البيانات: استخدام التحليل الجغرافي المكاني لتحديد المناطق ذات الطلب العالي والتي تفتقر إلى خدمات الصراف الآلي. يجب أن توجه عوامل مثل كثافة السكان، والنشاط الاقتصادي، والبنية التحتية الحالية عملية التركيب.

التوازن بين المناطق الحضرية والريفية: بينما تتطلب المراكز الحضرية المزيد من أجهزة الصراف الآلي بسبب الكثافة السكانية العالية، لا يجب إهمال المناطق الريفية. نشر الأجهزة في المجتمعات الريفية يعزز النمو الشامل ويمنع تعميق الفجوات بين الحضر والريف.

الشراكات التعاونية: التعاون مع الشركات المحلية والوكالات الحكومية والمنظمات المجتمعية لاستضافة أجهزة الصراف الآلي. يزيد تركيب الأجهزة في المواقع الميسرة من الراحة والأمان.

الابتكار التكنولوجي: الاستثمار في أجهزة الصراف الآلي الحديثة المجهزة بميزات أمان متقدمة وواجهات متعددة اللغات (العربية، الفرنسية، الإنجليزية)، وخدمات إضافية مثل دفع الفواتير وشحن الهواتف المحمولة. 

تحليل التكلفة والفائدة: استثمار يستحق العناء 

الإنفاق المالي لتوسيع شبكة الصراف الآلي متواضع مقارنة بالمزايا المحتملة:

التكاليف المقدرة: قد يكلف شراء 20,000 جهاز صراف آلي بين 80 مليون و160 مليون دولار. مع التركيب والصيانة والأمان، قد يصل إجمالي الاستثمار إلى 200 مليون دولار.

المبرر الاقتصادي: بالنسبة لبلد مثل الجزائر، يمثل هذا الاستثمار خطوة استراتيجية نحو التحديث الاقتصادي. ستعمل شبكة الصراف الآلي المحسنة على تحفيز الأنشطة الاقتصادية، وزيادة عائدات البنوك، وتحسين الكفاءة العامة.

المكاسب طويلة الأجل: تؤدي الخدمات المالية المحسنة إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي، وتحسين عمليات الأعمال، وزيادة عائدات الضرائب، مما يساهم في اقتصاد أقوى.

التأثير على السكان والاقتصاد

تحفيز النمو الاقتصادي

مع زيادة عدد أجهزة الصراف الآلي، يتدفق النقد بحرية أكبر، مما يحفز التجارة والأعمال. تستفيد الشركات من زيادة الإنفاق الاستهلاكي، ويمكن لسهولة المعاملات جذب الاستثمار الأجنبي. 

تحسين جودة الحياة

يؤدي الوصول السهل إلى الخدمات المالية إلى تحسين الحياة اليومية. يمكن للمواطنين سحب النقود، ودفع الفواتير، وإجراء أنشطة مصرفية أخرى في وقتهم المناسب، مما يقلل من التوتر ويحسن الرفاهية العامة. 

تعزيز الثقافة المالية والشمول

مع مشاركة المزيد من الناس في الخدمات المصرفية، تتحسن الثقافة المالية. يصبح المواطنون أكثر مهارة في إدارة الأموال والادخار والاستثمار، مما يمكن أن يكون له فوائد على مدى الأجيال. 

تقليل الاقتصاد غير الرسمي

يجلب المزيد من المعاملات إلى النظام المصرفي الرسمي زيادة في الشفافية. هذا التحول يمكن أن يقلل من حجم الاقتصاد غير الرسمي، ويزيد من عائدات الضرائب، ويسمح بتخطيط اقتصادي أفضل. 

وجهات نظر عالمية: التعلم من الآخرين

الدول التي استثمرت في توسيع شبكات الصراف الآلي الخاصة بها شهدت فوائد ملموسة: 

قصة نجاح مصر: بزيادة أجهزة الصراف الآلي إلى أكثر من 23,000، حسّنت مصر الشمول المالي، مع وصول المزيد من المواطنين إلى الخدمات المصرفية أكثر من أي وقت مضى.

قيادة جنوب أفريقيا: مع أعلى كثافة لأجهزة الصراف الآلي في أفريقيا جهاز واحد لكل 1,760 شخصًا**—لدى جنوب أفريقيا قطاع مصرفي قوي يدعم اقتصادها المتنوع.

الدول المتقدمة: الدول التي تمتلك معدلًا متوسطًا جهاز صراف آلي واحد لكل 1,800 شخص تتمتع بأنظمة مالية فعالة تدعم الاستقرار والنمو الاقتصادي.

توضح هذه الأمثلة أن الاستثمار في البنية التحتية للصراف الآلي هو استراتيجية مثبتة للتنمية الاقتصادية.

الطريق إلى الأمام: تحديث القطاع المصرفي الجزائري 

التزام الحكومة

تعد توجيهات السياسة الواضحة من الحكومة الجزائرية أمرًا أساسيًا. من خلال إعطاء الأولوية للبنية التحتية المالية، يمكن للحكومة تمهيد الطريق للفوائد الاقتصادية على مستوى البلاد.

الشراكات بين القطاعين العام والخاص

يمكن للتعاون بين البنوك ومقدمي التكنولوجيا والكيانات الحكومية تحسين الموارد والخبرات. تقلل الاستثمارات المشتركة من الأعباء الفردية وتعزز الابتكار. 

إشراك المجتمع

يضمن إشراك المجتمعات المحلية أن تلبي شبكة الصراف الآلي الموسعة الاحتياجات الفعلية. يمكن لردود فعل المواطنين توجيه استراتيجيات النشر وتحسين جودة الخدمة. 

تبني التكنولوجيا

يُكمل الاستثمار في التقنيات المصرفية الحديثة مثل تطبيقات الهواتف المحمولة للمعاملات المصرفية، ومنصات الدفع عبر الإنترنت، وأنظمة المعاملات الآمنة شبكة الصراف الآلي المادية. هذا النهج الشامل يحدّث القطاع المصرفي ويتماشى مع الاتجاهات العالمية.

 الخلاصة: ضرورة استراتيجية 

إن توسيع شبكة الصراف الآلي في الجزائر هو أكثر من مجرد مبادرة مالية؛ إنه ضرورة استراتيجية للتنمية الوطنية. إن الاستثمار بحوالي مليون دولار يتضاءل مقارنة بالمزايا الاقتصادية والاجتماعية التي ستتحقق: 

التمكين الاقتصادي: يحفز التجارة، يدعم الأعمال التجارية، ويقود النمو.

الشمول الاجتماعي: يجسر الفجوات بين الحضر والريف، ويوفر وصولاً متساويًا إلى الخدمات المالية.

التقدم التكنولوجي: يضع الأساس لاقتصاد رقمي، ويعزز الابتكار.

تعزيز الأمن: يقلل من الجرائم المرتبطة بالنقد ويزيد من أمان المعاملات. 

من خلال اتخاذ إجراء حاسم لتوسيع وتحديث شبكة الصراف الآلي، يمكن للجزائر معالجة التحديات الحالية مثل الاكتظاظ في البنوك والوصول المحدود إلى الخدمات المالية. لا يحسن هذا التحرك الحياة اليومية لملايين الجزائريين فحسب، بل يضع الأمة أيضًا في طريق الازدهار الاقتصادي المستدام. 

تقف الجزائر على أعتاب فرصة كبيرة. من خلال الاستثمار الاستراتيجي في البنية التحتية المالية، يمكن للأمة أن تحفز التغيير الإيجابي عبر جميع قطاعات المجتمع. يتطلب الطريق إلى الأمام التزامًا وتعاونًا ورؤية لمستقبل أكثر شمولاً وديناميكية. 

احتضان هذه الفرصة ليس مجرد خيار, إنه أمر حتمي لرحلة الجزائر نحو التحديث الاقتصادي وتحسين جودة الحياة لجميع مواطنيها


زهير شيخي 

مهندس مختص في الاقتصاد و النفط

تاريخ Oct 11, 2024