يفتح وزير الداخلية الأسبق دحو لود قابلية في مذكراته الصادرة عن منشورات القصبة بعنوان" بوصوف والمالغ: الوجه الخفي للثورة" ملفا من أعقد الملفات في ثورة التحرير و هو مخابرات الثورة و دور رجال عبد الحفيظ بوصوف في الكثير من المحطات التي اجتازها الثوار منذ تاريخ إنشاء هذا الجهاز إلى استقلال البلاد.
يتحدث ولد قابلية في كتابه الذي خرج إلى المكتبات في 24 من هذا الشهر وجاء في 446 صفحة عن الكثير من القضايا و الملفات منها خلافات قادة الثورة و مؤتمر الصومام و دور ضباط فرنسا في الحرب و بعدها.
يذكر صاحب الكتاب بالدور الأساسي لرجال بوصوف في حماية الثورة و الثوار لكنه أيضا يتوقف عند أهم الملفات التي شارك هذا الجهاز في إعدادها منها ملف الصحراء و البترول في مفاوضات افيان التي أفضت إلى استقلال البلاد. حيث شارك رفقاء ولد قابلية كخبراء و مستشارين و معاونين و قد قاموا بمهامهم " بفعالية و سرية".
من بين الملفات التي توقف عندها وزير الداخلية الأسبق في كتابه خلافات قادة الثورة و الصراعات من أجل الزعامة منها معارضة أحمد محساس لقرارات مؤتمر الصومام .و هذت بعد تعيين الكولونيل عمار بن عودة كمسؤول للتسليح في تونس و الشرق الأوسط مكان بن بلة الذي تم توقيفه. هذا التعيين لم يعجب أحمد محساس النائب السابق لبن بلة.و رفض كل قرارات مؤتمر الصومام الذي حكم عليه بعدم التمثيلية و بالتالي غير شرعي".
موقف محساس كانت نتيجته إعدام عدد من إطارات الثورة مثلما حدث مع عباس لغرور بعد ان حصل محساس على دعم عدد من الاطارات في منطقة الاوراس و اوشكت الامور ان تتحول الى مواجهة مباشرة بين الفرقاء قبل ان يتدخل العقيد أعمر اوعمران وبالتعاون مع الحرس الوطني التونسي لشن حملة توقيفات في أوساطهم .فتم عزل محساس الذي غادر تونس و فر إلى أروبا .
في الكتاب ذاته عاد ولد قابلية الى قضية تصفية مهندس مؤتمر الصومام حيث وقف في فصل تحت عنوان "رجل، رؤية واستراتيجية" لمسار رجل لعب دورا محورا في الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي و كان ضحية خلافات الإخوة الفرقاء حيث كتب ولد قابلية في هذه القضية يقول "لقد هز الموت البشع لعبان رمضان أركان السلطة الذي كان لا يزال هشا على رأس الثورة بشكل خطير. من المؤكد أن شخصيته القوية وعمق أفكاره المبتكرة والشجاعة، قد أثرت في طريقة حل الأزمات التي هزت جبهة التحرير الوطني بعد ذلك" .
لم يبرئ ولد قابلية بوصوف من مقتل عبان لكنه أقر في مذكراته انه لم يكن المسؤول الوحيد عن تصفيته" مما لا شك فيه أن المسؤولية المادية عن اغتياله تقع على عاتق العقيد بوصوف لأنها حدثت في منطقة تحت وصايته وأعدمه رجال كان هو من أحضرهم. لم ينكر بوصوف الحقائق ولم يحاول التملص مبررا ذلك بأسباب كان من الممكن أن تظهر دوره نسبيًا في القضية. والذين يعرفونه جيدًا يدركون أنه لم يكن ليقدم على مثل هذا العمل الجسيم في حق قائد من طينة عبان رمضان، بحضور عضوين من لجنة التنسيق والتنفيذ، دون قرار جماعي فُرض عليه".
في ذات الكتاب يستعيد وزير داخلية بوتفليقة صراع بومدين مع رفاقه في الحكومة المؤقتة و فصل في المعارك التي قادها بومدين على الحدود حيث وصفها بال" الحرب الحقيقة كانت حربا داخل حرب".
في الكتاب أيضا نجد مساحة مهمة خصصها ولد قابلية لقضية " الفارين من الجيش الفرنسي" حيث يقول صاحب الكتاب أنهم قدموا خدمات للثورة بحيث وضعوا خبرتهم و تكوينهم في خدمة جيش الحدود و الإشراف على مراكز التدريب. و بعضهم سقط في ميدان الشرف بالنسبة لولد قابلية لا يمكن أيدا التشكيك في وطنيتهم فقد اظهروا التزاما وانضباطا إلى جانب إخوانهم من الجنود و الضباط التاريخين.
حسب شهادة ولد قابلية كان كريم بلقاسم هو من استعان بخبرة ضباط فرنسا في عصرنة و إعادة هيكلة مراكز التدريب على الحدود، قبل أن يعزز بومدين من مكانتهم في إعادة بناء جيش عصري بإمكانه" قيادة المعارك الميدانية".
استعانة بومدين بالضباط الفارين من الجيش الفرنسي خلقت حساسية لدى رفقاء السلاح و لقب هؤلاء بالطابور الخامس و قد امتدت هذه التسمية لتقلي بضلالها على توزيع المناصب و تولي المسؤوليات داخل أجهزة الجيش الوطني الشعبي بعد الاستقلال . لكن بومدين عمد إلى فرض نوع من التوازن بإسناد المهام الميدانية و العملياتية للقادة التاريخين بينما تولي ضباط فرنسا المهام التقنية و قد ظل هذا التوازن قائما إلى غاية محاولة الانقلاب التي قادها الطاهر الزبيري في 1967
و استنادا إلى شهادة ولد قابلية فان مهام ضباط فرنسا تعززت بعد مجيئ الشاذلي بن جديد الذي فتح لهم المجال لتولي مناصب المسؤولية و هذا في إطار انتهاجه سياسية مخالفة لسلفه قائمة على الانفتاح في كل المجالات.
في الكتاب أيضا خصص ولد قابلية فصلا كاملا" الثورة المصادرة" تحدث فيها عن خيارات جزائر الاستقلال متوقفا عن سياسية الرؤساء الذين عبروا على الجزائر حيث وصف بوتفليقة بالمتعطش للسلطة. في هذا الجانب يقر صاحب الكتاب أن بوتفليقة الذي حصل على دعم الجيش لتولي رئاسة البلاد اعتمد أيضا على ماضيه الثوري و قدرته على لخطابة و الاتصال لكن لم يحدد الكثير في مجال الحريات و انتقد صاحب الكتاب دستور 2008 حيث وصف قرار بوتفليقة بتعديل الدستور ب "غير المحسوب والذي أثار البلبلة" مثله مثل العهدة الثالثة للرئيس و التي لم تحقق الكثير حسب ولد قابلية" لم يلاحظ أي تغيير في أسلوبه في الحكم. المجال السياسي ظل مغلقا، وحريات وحقوق المواطنين مكتومة، والتمثيل الشعبي والنقابة الرسمية مجبرة على الخضوع الطوعي".. و يواصل قائلا""غيابه خارج البلاد وإعاقته المستديمة لم تمنعه من تحريك أتباعه، الطامعين هم أيضا، لترشيحه لعهدة رابعة في عام 2014، الأمر الذي يؤكد انجذابه المرضي للسلطة".
في ذات الكتاب حاول ولد قابلية أن يناقش من يعتبر أن جهاز الأمن العسكري الذي أنشاه قاصدي مباح بعد الاستقلال هو امتداد " للمالق " التاريخي" حيث قال أن مهمة الملق تختلف عن مهام الأمن العسكري بعد الاستقلال لان الأول كان خلال الثورة يتولى مهمة جمع المعلومات الخارجية لصالح قادة الثورة و لم يكن يتدخل في القرارات السياسية بينما الأمن العسكري تركزت مهمته على تحييد الخصوم " لان النظام لم يكن يقبل المعارضة أو الأصوات المخالفة ".
نعيمة.م
