الحراك الإخباري - إبراهيم بيوض... مصلح ثوريّ أجهض فصل فرنسا لصحراء الجزائر
إعلان
إعلان

إبراهيم بيوض... مصلح ثوريّ أجهض فصل فرنسا لصحراء الجزائر

منذ 3 سنوات|روبرتاج

تستوقفنا في هذه الحلقة الممتعة من رحلتنا التاريخية في أعلام الجزائر شخصية الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض، المولود سنة 1313هـ / 1899 م، في أحضان والدة من عائلة الحكم بالقرارة بولاية غرداية، و والده يعد من أعيان البلد.

دخل الشيخ بيوض كتاب القرية فاستظهر القرآن قبل سن البلوغ، ثم أخذ مبادئ العلوم الشرعية واللغوية على يد مشايخ القرارة المشهورين آنئذ، الحاج ابراهيم لبريكي (ت:1911م)، الحاج عمر بن يحي أمليكي (ت:1921م)، أبو العلا عبد الله (ت:1960م).

حباه الله منذ الصغر مواهب جمة منها الذكاء الوقاد، والحافظة القوية، و الفصاحة والبيان، وهو ما أهله رغم صغر سنه ليخلف شيخه الحاج عمر بن يحي في التدريس، ويتبنى الحركة العلمية، والنهضة الإصلاحية في القرارة.

 أصبح الشيخ بيوض عضوا في حلقة العزابة، و هي الهيئة الدينية العليا في القرارة، و ما لبث أن اعتلى منبر الوعظ بمسجدها، ثم انتحب رئيسا لحلقتها و هو في الأربعين من عمره في 18 شوال 1343هـ/ 21 ماي 1925 م.

 أسس معهد الشباب للتعليم الثانوي، و هو المعروف بمعهد الحياة ، واتخذ له شعارا "'الدين و الخلق قبل الثقافة، ومصلحة الجماعة قبل مصلحة الفرد"' و أصبح قبلة للطلاب من داخل الجزائر و خارجها، حيث تخرج منه المئات من طلاب العلم المتخصصين في العلوم الشرعية و اللغوية.

 في سنة 1931 م، شارك في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، و ساهم في صياغة قانونها الأساسي، وانتخب عضوا في إدارتها الأولى، إذ أسندت إليه نيابة أمين المال 
كما أسس جمعية الحياة بالقرارة في سنة 1937 م، وهي المشرفة على التعليم الابتدائي و الثانوي، والمنتظمة والمشرفة على الحركة الفنية والرياضية، و الجمعيات الأدبية بها، و ما تزال تؤدي رسالتها تلك حتى يومنا هذا.

حكمت عليه الإدارة الاستعمارية في سنة 1940 م بالإقامة الجبرية داخل القرارة لا يبرحها، لمدة أربع سنوات، تفرغ خلالها لتكوين ثلة من الطلاب المتفوقين، أصبحوا من رجالات الأمة المحليين، وقادة الحركة الإصلاحية بالجنوب الجزائري.

ثم دخل معترك الحياة السياسية في سنة 1947 م، فطالب برفع حكم الإدارة العسكرية عن الصحراء و إلحاقها بالشمال، لينتخب بالأغلبية الساحقة يوم 20 أفريل ممثلا لوادي ميزاب في المجلس الجزائري، و أعيد انتخابه سنة 1951 م، فكان الصوت المدوي دفاعا عن مقومات الشخصية الجزائرية دينا و لغة.

وأصبح ما بين 1954 و 1962 م محور النشاط الثوري في ميزاب بعامة، و القرارة بخاصة، يعاونه في ذلك زملاؤه في الحركة الإصلاحية، و أبناؤه الطلبة، إذ وقف وقفة بطولية ضد مؤامرة فصل الصحراء عن الجزائر، ليعيّن في مارس 1962 م عضوا في اللجنة التنفيذية المؤقتة ، و أسندت إليه مهمة الشؤون الثقافية إلى يوم تسليم السلطة لأول حكومة جزائرية في سبتمبر من سنة 1962 م .

في سنة 1963 م أحيى نشاط (مجلس عمي سعيد) الهيئة العليا لمجالس عزابة وادي ميزاب و وارجلان ، فانتخب رئيسا له إلى يوم وفاته.

 الشيخ بيوض مصلحا في الميدان الاجتماعي

كان المجتمع الميزابي في أوائل القرن العشرين يعيش تحت وطأة الحكم الاستعماري العسكري، ووطأة الفقهاء الجامدين أولئك يرهقونه بحكم مستبد وهؤلاء يعرقلون مسيرته بفكر متزمت، مما أدى إلى ظهور سلبيات عديدة في جميع مجالات الحياة .

وكان على العالم المصلح أن يواجه كل ذلك بحكمة وصبر، فالناس أو بالأحرى العامة غير مؤهلة لتقاوم الحاكم الاستعماري، ولا أن تجابه النفوذ الديني، وكان الشيخ بيوض، العالم اليقظ، المتفتح على العالم الإسلامي من حوله يتابع بحرص دعوات الإصلاح التي أخذت ترتفع من هنا وهناك من أطراف العالم العربي ولا سيما حركة العلماء المصلحين في الشرق من أمثال الشيخ محمد عبده ،و جمال الدين الأفغاني، و رشيد رضا، والكواكبي ، وشكيب أرسلان، وغيرهم ممن أعجب الشيخ بيوض بمنهجهم، وتشرب أفكارهم من خلال آثارهم وكتبهم وقد جمعته الصدف ببعضهم مثل شكيب أرسلان الذي التقى به في الحج سنة 1929 فكان دائم الإشادة بفكره ومواقفه. وكان قد أحكم الصلات بينه وبين العلماء المصلحين الآخرين في محيط القطر الجزائري من أمثال المشايخ عبد الحميد بن باديس ، و البشير الإبراهيمي، و الطيب العقبي ، وغيرهم. وكانت خطته في هذا السبيل واضحة وهي التعاون الجاد لإحياء اللغة العربية لغة القرآن ، وتربية الناشئة الجزائرية تربية إسلامية صحيحة والوقوف صفا واحداً أمام مخططات الاستعمار الفرنسي الرامية إلى تفريق الشعب الجزائري على أساس المذهبية ،أو الطائفية، أو الجهوية . وقد برز هذا التعاون في إطار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مدارس تنتشر في كل أنحاء القطر الجزائري وتجلى دروس وعظ وإرشاد، وخطط تفكير وتوجيه خطى المصلحين حولها كلما دعت الضرورة إلى ذلك .

 نشاطه في في الميدان السياسي

نشأ الشيخ بيوض في عهد كانت الصحراء الجزائرية فيه تخضع لنير حكم عسكري فرنسي عتيد يعرقل أو يقضي علنا على كل ما من شأنه تقوية روح الدين الإسلامي، ومقومات حضارته في النفوس.

وباعتباره عضوا في الحلقة الدينية ثم رئيسا لها، وباعتباره رئيس الحركة العلمية الرافعة راية لغة القرآن الكريم، كان لابد أن تكثر بينه وبين الحكام العسكريين المواجهات والاستجوابات والمضايقات، وسجل في تقارير أولئك الحكام أن هذا الشاب مشاغب. ثم تطورت الأحداث ليصبح عندهم عدواً لدوداً بل أصبح أثناء الحرب العالمية الثانية وما قبلها وما بعدها العدو رقم واحد لفرنسا، هكذا كان يسمى لديهم.

نشاط بيوض الثوري

شارك الشيخ بيوض مشاركة فعالة في الثورة التحريرية الجزائرية ، بما قام به من خدمات جليلة سواء في إطار الحركة في الصحراء أم في اتصالاته المباشرة مع الحكومة المؤقتة في المنفى بواسطة تلامذته وإخوانه . أما المجال الذي برز فيه الشيخ بيوض سياسيا محنكا، ومفاوضا لبقا، ووطنيا ثابتا فهو موقفه الذي يشهد به الخاص والعام من القضية الصحراوية إذ حاولت فرنسا حين علمت أن الجزائر مستقلة لا محالة أن تمكر بالجزائريين بفصل الصحراء عن الشمال لما في الصحراء من خيرات أهمها البترول و الغاز الطبيعي ، وقد حاولت السلطات الفرنسية سواء على مستوى الجزائر أم على مستوى فرنسا أن تستميل الشيخ بيوض لعلمها بمنزلته العظيمة ولتيقنها بالدور العظيم الذي يقوم به الميزابيون في الاقتصاد الجزائري، ولكن الشيخ بيوض الذي رفض هذه المحاولات، وأفشل هذه الخطط قبل الثورة، ما كان له أن يتلجلج أو يتردد في قول كلمة لا قوية صارخة في وجه الاستعمار الفرنسي إيمانا منه بأن الصحراء أرض جزائرية، وجزأ لا يتجزأ منها. وكان الشيخ بيوض على صلة وثيقة بالحكومة المؤقتة الجزائرية في تونس ينسق معها الخطط ويطلعها على مؤامرات الفرنسيين أولا بأول ،ويتبادل مع بعض أعضاء الحكومة الرسائل والمعلومات.

وفاته وآثاره الفكرية

توفي الشيخ إبراهيم ربيوض رحمه الله تعالى سنة 1401هـ / 1981 م ، غير أنّ الشيخ مثل غيره من رجال الإصلاح الذين كان أغلب وقتهم ينقضي في تكوين الرجال، والاعتناء بمشاكل المجتمع مما لا يبقى معه وقت كثير للانكباب على الكتابة والتأليف، ومع ذلك فقد كتب بعض المقالات الاجتماعية ذات الطابع التحليلي في العشرينيات والثلاثينيات نشرت في صحافة أبي اليقظان، كما ترك فتاوى كثيرة، ومراسلات ذات أهمية قصوى طبع بعضها ونشر وبعضها الآخر ما يزال مخطوطا .

إنّ أهم ما ترك الشيخ بيوض هو تفسيره القيم لكتاب الله مستخدما المنهج الإصلاحي الذي عرفت به المدرسة الإصلاحية العبدوية فكان يعرض المجتمع على كتاب الله تربية وتوجيها، وقد استمر مواظبا حريصا على تلك الدروس لا يتخلف عنها إلا لمرض أو سفر . وكانت الآثار التي تركتها دروسه التي غطت قرابة خمسين سنة عميقة عظيمة، فبفضلها عمت الثقافة الإسلامية البيوت وعرف المجتمع وجه الإسلام الحقيقي ،وبفضل دروس الشيخ التي تمتاز بالتحليل والتبسيط في آن واحد ،وتملك المستمع بما فيها من فصاحة، وعقل، وأدب وتراث، ومعاصرة .

ولذلك نجد من آثاره الفكرية: "تفسير كامل للقرآن الكريم"، المسجل منه يبدأ من سورة الإسراء إلى سورة الناس، يقع في حوالي 1500 ساعة، حررت في 12497 صفحة.

  وكذا "مئات الأشرطة لدروس في الدين، والتربية، والاجتماع، والسياسة، و الثقافة"، وكان يلقيها في المسجد أو في المناسبات و الحفلات، وقد نشر بعض منها بعد تحريرها و تحقيقها، من ذلك.

   وأيضا "المجتمع المسجدي"، من تحرير الدكتور محمد ناصر بوحجام، صدرت الطبعة الثانية عن دار أبي الشعتاء، عمان، 1409هـ/ 1988م (المقدمة)

    إضافة إلى "حديث الشيخ الإمام"، في جزأين، من تحرير الشيخ محمد سعيد كعباش، المطبعة العربية، غرداية، الجزائر، 1996م، وكتاب "البدعة مفهومها و أنواعها و شروطها"، تحرير الطالب ابراهيم أبو الأرواح، (مرقون) معهد الحياة، 1998م.

    "فضل الصحابة و الرضا عنهم"، تحرير الطالب بهون حميد أوجانة، مطبوع، المطبعة العربية، غرداية، 2000م.

    "فتاوى الإمام الشيخ بيوض"، يقع في جزأين، جمعه و حققه و قدم له الأستاذ الشيخ بالحاج بكير، طبع مرتين في كل من الجزائر و عمان، ينظر دار الضامري للنشر و التوزيع، سلطنة عمان، 1990م

  وحرر له عمر اسماعيل "ثبوت الهلال بين الرؤية البصرية والمراصد الفلكية"، صدر بسلطنة عمان، عام 1992م، زيادة على مقالات كثيرة في موضوعات مختلفة نشرت بصحف الشيخ أبي اليقظان، دون نسيان مذكرات الشيخ بيوض التي صدر منها "أعمالي في الثورة". من مطبوعات جمعية التراث، بالقرارة، عام 1990م



نقلاً عن مصادر الدكتور محمد صالح ناصر

تاريخ Feb 11, 2021