بقلم زهير شيخي
مهندس مختص في الاقتصاد و النفط
انهارت عقود خام برنت الآجلة دون 60 دولارًا للبرميل اليوم الأربعاء، للمرة الأولى منذ فيفري 2021، في امتداد لموجة بيع حادة استمرت خمسة أيام، وهي الأكبر منذ 2022. جاء الانهيار مدفوعًا بصدمات جيوسياسية واقتصادية متشابكة، هزت أسواق الطاقة العالمية وأجبرت المنتجين وصناع السياسات على إعادة حساباتهم.
1. تعريفات ترامب تثير مخاوف تراجع الطلب
كانت الشرارة المباشرة للانهيار هي فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية بنسبة 104% على الواردات الصينية، وهو إجراء يحذر محللون من أنه قد يعرقل النمو الاقتصادي العالمي. و تقول **كلوديا بيرجر**، كبيرة استراتيجيي السلع الأساسية في مجموعة ماكواري: "هذه التعريفات ستُدمر الطلب.. الاقتصاد الصيني كان هشًا بالفعل، وهذا التصعيد قد يطلق حربًا تجارية أوسع، مما يخنق النشاط الصناعي واستهلاك النفط".
وهوت أسواق الأسهم الصينية، أكبر مستورد للخام عالميًا، بنسبة 6%، مما عمق مخاوف تباطؤ الطلب. وتستهدف التعريفات قطاعات مثل التكنولوجيا والمعادن النادرة، في خطوة يُنظر إليها كرد انتقامي بعد سنوات من التوترات الأمريكية-الصينية.
2. أوبك+ تدرس إجراءات طارئة
كشفت مصادر داخل تحالف "أوبك+" لرويترز أن بعض الأعضاء، بينهم السعودية والإمارات، يجرون مناقشات سرية لوقف الزيادات المخطط لها في الإنتاج. وكان التحالف قد وافق سابقًا على رفع تخفيضات الإنتاج تدريجيًا لتحقيق استقرار الأسعار، لكن صدمة الطلب الناتجة عن التعريفات قلبَت تلك الخطة.
تقول أمينة بكر من "إينرجي إنتليجنس": "أوبك في مأزق.. عليها الاختيار بين الدفاع عن حصتها السوقية أو عن الأسعار. تجميد الإنتاج قد يصبح خيارًا إذا انخفضت الأسعار إلى 55 دولارًا".
3. الدبلوماسية الأمريكية تعمل بوتيرة متسارعة
توجد وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر جرانهولم حاليًا في الرياض، كجزء من جولة خليجية مُستعجلة شملت الإمارات وقطر. ورغم نفي مسؤولين أي ارتباط مباشر بالانهيار، يرى محللون أن واشنطن تضغط على "أوبك+" للحفاظ على الانضباط في المعروض وتفادي مزيد من الاضطرابات.
يعلق كيفن بوك من "كليرفيو إنرجي بارتنرز": "إدارة بايدن تريد نفطًا بأسعار معقولة قبل انتخابات 2026 النصفية، لكن دون تدمير منتجي الصخر الزيتي الأمريكيين".
4. إيران... ورقة مفاجئة تلوح في الأفق
تتواتر تقارير غير مؤكدة عن استعداد إيران لضخ 500 ألف برميل يوميًا من الخام إذا توجت مفاوضاتها النووية مع الغرب باتفاق هذا الشهر. ورغم نفي طهران، يخشى المتعاملون من أن تضخيم المعروض سيفاقم الفائض.
تقول هليما كروفت من "آر بي سي كابيتال": "عودة إيران هي الفيل في الغرفة.. حتى اتفاق جزئي لرفع العقوبات سيزيد الضغط الهبوطي في أسوأ توقيت".
5. مبيعات فنية وتداول انفعالي
تسارع الانهيار بعد أن تسببت خوارزميات التداول في تفعيل أوامر "وقف الخسارة" عقب اختراق الأسعار مستويات دعم حرجة. كما ينهي صناديق التحوط، التي كانت قد عززت مراكز شرائية مطلع 2025، استثماراتها بوتيرة قياسية.
توقعات السوق
خفضت "غولدمان ساكس" توقعاتها لسعر برنت في الربع الثاني من 2025 إلى 65 دولارًا، من 85 دولارًا، بسبب "تدمير مستمر للطلب". لكن بعض المحللين يرون فرصة في الأزمة، يقول بيير أندوران من "أندوران كابيتال": "هذا رد فعل مبالغ فيه.. الاستثمار المنخفض في الوقود الأحفوري سيعيد تشديد الأسواق أواخر 2025".
في الوقت الحالي، تتركز الأنظار على "أوبك+" وواشنطن. ومع عدم تحديد موعد اجتماع التحالف القادم، قد تشهد الأيام المقبلة محادثات طارئة إذا استمرت الأسعار في الهبوط.