الحراك الإخباري - صندوق النقد الدولي: الوجه الخفي للتحكم في اقتصادات الدول الافريقية
إعلان
إعلان

صندوق النقد الدولي: الوجه الخفي للتحكم في اقتصادات الدول الافريقية

منذ شهر|رأي من الحراك


تأسيس صندوق النقد الدولي

تم تأسيس صندوق النقد الدولي سنة 1944 لتعزيز الاستقرار المالي العالمي من خلال تقديم المساعدة المالية للدول التي تعاني من صعوبات اقتصادية مؤقتة. كان من المتوقع أن يساعد الصندوق الدول على التغلب على الأزمات المالية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. كان من بين الأعضاء المؤسسين الرئيسيين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ويقع مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة. 

مجلس الإدارة واتخاذ القرار

يتكون مجلس إدارة صندوق النقد الدولي من ممثلين عن الدول الأعضاء، وتتمتع الولايات المتحدة بأكبر حصة من حقوق التصويت مما يمنحها نفوذاً كبيراً في اتخاذ القرار. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدول الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة تتمتع أيضاً بسلطة كبيرة في توجيه سياسات الصندوق. 

التأثير السلبي على الدول النامية

على الرغم من المهمة الأصلية التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي ودعم الدول خلال الأزمات الاقتصادية، إلا أن الواقع يكشف عن تأثيرات سلبية كبيرة على الدول التي تتلقى مساعدات من صندوق النقد الدولي. بدلاً من تحقيق التنمية المستدامة، غالباً ما تجد هذه الدول نفسها محاصرة في دائرة الديون والركود الاقتصادي.

أمثلة حقيقية من أفريقيا:

مصر: أزمة متفاقمة

في السنوات الأخيرة، أصبحت مصر مثالاً رئيسياً على التأثيرات السلبية لتدخلات صندوق النقد الدولي في الاقتصادات النامية. منذ بدء التعاون مع الصندوق في عام 2016، حصلت مصر على حزمة قروض بقيمة 12 مليار دولار مقابل تنفيذ إصلاحات اقتصادية صارمة. ومع ذلك، كانت النتائج كارثية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. 

الإصلاحات المطلوبة والتأثير الاجتماعي

تضمنت الإصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي تقليص دعم الحكومة للوقود والغذاء وزيادة الضرائب وتعويم الجنيه المصري. أدت هذه الإجراءات إلى تضخم شديد حيث تجاوز معدل التضخم 41% في يونيو 2023. هذا الارتفاع الحاد في الأسعار أدى إلى تدهور كبير في مستويات المعيشة للعديد من المصريين وزاد من معاناة الفئات الأفقر في المجتمع. 

وفقاً لتقرير البنك الدولي، يعيش حوالي 32% من سكان مصر تحت خط الفقر. زادت هذه النسبة بشكل ملحوظ منذ بدء الإصلاحات الاقتصادية، مما وسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وزاد من معدل الفقر المدقع. 

تدمير الطبقة المتوسطة

واحدة من أكثر التأثيرات السلبية لسياسات صندوق النقد الدولي في مصر هي تدمير الطبقة المتوسطة. التي كانت تاريخياً دعامة أساسية للاقتصاد والمجتمع المصري، واجهت ضغوطاً مالية شديدة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية. 

تشير تقديرات وزارة المالية المصرية إلى أن الدعم الحكومي قد تم تخفيضه بنسبة تقارب 50% منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي. أدى هذا التخفيض إلى زيادة كبيرة في أسعار الوقود والسلع الأساسية مما وضع عبئاً مالياً ثقيلاً على الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض. 

زيادة الدين العام

على الرغم من الأهداف المعلنة للإصلاحات الاقتصادية التي تروج لها الحكومة وصندوق النقد الدولي، استمر الدين العام في مصر في الارتفاع. بلغ الدين الخارجي لمصر حوالي 168 مليار دولار بنهاية عام2023، مقارنة بحوالي 55 مليار دولار في عام 2016. هذه الزيادة الكبيرة في الدين العام تضيف ضغوطاً إضافية على الاقتصاد المصري، مما يزيد من تكلفة خدمة الدين التي تستهلك جزءاً كبيراً من الميزانية الوطنية. بلغت خدمة الدين 60.3 في المائة من إجمالي الإنفاق خلال الربع الأول من السنة المالية 2024 وهي في تزايد مستمر بمعدل مقلق. 

اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء

أدت الإصلاحات الاقتصادية أيضاً إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء في مصر. في حين استفادت النخبة الاقتصادية من السياسات التي تشجع الاستثمار الأجنبي والتحرير الاقتصادي، تحمل الفقراء والطبقة المتوسطة عبء التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. 

يشير تقرير صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن معدل الفقر في مصر ارتفع من 27.8% في عام 2015 إلى 32.5% في عام 2018 وما زال يزداد. يعكس هذا الوضع الفشل الواضح للسياسات الاقتصادية في تحقيق التنمية الشاملة وتقليل الفجوة الاقتصادية بين مختلف فئات المجتمع. 

نيجيريا: الخطة الشيطانية

على الرغم من ثروتها النفطية، تواجه نيجيريا تحديات اقتصادية كبيرة. لقد طلبت الحكومة النيجيرية مساعدة صندوق النقد الدولي عدة مرات، لكن بدلاً من تحقيق النمو الاقتصادي، ارتفعت معدلات الفقر والبطالة ووصلت مستويات الدين في البلاد إلى أرقام قياسية. 

مؤخراً، أخذت نيجيريا قرضاً آخر من صندوق النقد الدولي، هذه المرة بقيمة 2.5 مليار دولار، مما رفع إجمالي التزامات ديون نيجيريا إلى أكثر من 110 مليارات دولار. يبدو أن هذا الاتفاق ضار لنيجيريا. ليس من المبالغة وصفه بأنه خطوة من نوع "ضربات اقتصادية". قد تبدو شروط هذا القرض عادلة للوهلة الأولى - قرض بقيمة 2.5 مليار دولار بسعر فائدة قدره واحد بالمائة يتم سداده على مدار 40 عاماً دون أي دفعة مستحقة لأكثر من 10 سنوات. ومع ذلك، يجب سداد القرض بالعملات الغربية، وفقدت نيرة نيجيريا قيمة كبيرة كل عام. وهذا يعني أن القرض سيكلف نيجيريا عشرات المليارات من الدولارات في غضون عقد. 

اقتصادياً، سيكون سعر الفائدة الفعلي واحد بالمائة بالإضافة إلى انخفاض قيمة النيرة بالنسبة للدولار الأمريكي. في العام الماضي، انخفضت قيمة النيرة بنسبة 50%، مما يعني سعر فائدة فعلي بنسبة 51% إذا استمر الانخفاض. هذا دين مدمر للاقتصاد. لا تبدأ الدفعات حتى عام 2034، بحلول ذلك الوقت سيكون جميع السياسيين الحاليين قد غادروا. حتى إذا انخفضت قيمة النيرة بنسبة 10% فقط سنوياً، وهو أمر متفائل، سينمو أصل هذا القرض فعلياً من 2.5 مليار دولار إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 2034. ستكون الدفعة بعد ذلك معادلة لمليار دولار سنوياً وتستمر لمدة 30 عاماً، مما يعني أن نيجيريا ستدفع 30 مليار دولار مقابل 2.5 مليار دولار اليوم بمعدل تضخم 10%. 

علاوة على ذلك، يأتي القرض مع تنازلات يجب أن تثير قلق النيجيريين. يجب أن تحتفظ نيجيريا بجزء كبير من هذا المال في الاحتياطيات، مما يجعله غير متاح للاستخدام الفوري. بالإضافة إلى ذلك، يجب على البلاد إنهاء الدعم على النفط الذي سيضر الاقتصاد وتنفيذ إصلاحات تجعل من السهل على البنوك الغربية المنافسة مع البنوك المحلية. ستساهم شروط هذا القرض في إفلاس طويل الأمد حيث ترتفع تكاليف خدمة الدين الخارجي لنيجيريا بنسبة 96% إلى 2.19 مليار دولار بحلول مايو 2024. لدى نيجيريا الكثير من الأصول بما في ذلك الموارد الخام (النفط، الجرانيت، البيتومين، الطين، الذهب، الزنك) وقوى عاملة موهوبة لتكون محاصرة في هذه الدوامة الدينية. كلما اعتمدت نيجيريا على البنوك الغربية، كلما عملت بأقل من إمكاناتها الاقتصادية.

كينيا: معاناة لا تنتهي

تسلط تجربة كينيا مع صندوق النقد الدولي الضوء على التأثيرات الضارة لهذه القروض على الدول النامية. في السنوات الأخيرة، أخذت كينيا عدة قروض من الصندوق مما أدى إلى زيادة الدين وتطبيق إجراءات التقشف. آخر اتفاق قرض بقيمة 681 مليون دولار يهدف إلى دعم الإصلاحات الاقتصادية في البلاد، ولكنه يأتي بشروط صارمة. 

وصل دين كينيا لصندوق النقد الدولي إلى 3.5 مليار دولار، مما يزيد من الأعباء المالية للبلاد. أدت إجراءات التقشف التي فرضها الصندوق، مثل مضاعفة ضريبة القيمة المضافة على الوقود وتخفيض الدعم، إلى زيادة الأعباء على الفقراء وتباطؤ النشاط الاقتصادي العام. على سبيل المثال، أدى زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود، مما أدى إلى تقليل الاستهلاك والنشاط الاقتصادي. 

كان التأثير على الكينيين العاديين شديداً. أدت تكلفة المعيشة العالية إلى انتشار الجوع، حيث تكافح العديد من الأسر لتوفير وجبة واحدة في اليوم. في عام 2023، اندلعت أربعة احتجاجات ضخمة في نيروبي رداً على هذه الإجراءات التقشفية، مما أسفر عن مقتل ثلاثين شخصاً على الأقل واعتقال المئات. أثارت إصرار صندوق النقد الدولي على هذه السياسات انتقادات حادة لأنها أدت إلى تفاقم الوضع الاقتصادي لغالبية الكينيين بينما استفاد المقرضون الغربيون. 

تواجه كينيا بطالة عالية بين الشباب، وازدياد الفقر، وفجوة كبيرة بين النخبة والفقراء في المناطق الحضرية. أسهمت سياسات صندوق النقد الدولي في تفاقم هذه المشكلات، مما أدى إلى اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار اقتصادي. بلغ الدين الإجمالي للأمة الآن 80 مليار دولار، وهو ما يعادل حوالي 70% من ناتجها المحلي الإجمالي. تستهلك دفعات الدين ما يقرب من نصف ميزانية الحكومة، مما يحد من قدرتها على الاستثمار في المشاريع التنموية الضرورية. عبء الدين، إلى جانب الفساد المستشري، أضعف النمو الاقتصادي وزاد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. 

جمهورية الكونغو الديمقراطية: أغنى دولة وأفقر شعب

تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أغنى دول العالم من حيث الموارد، حيث تحتوي على

كميات هائلة من المعادن مثل الكوبالت، والنحاس، والذهبوالألماس. على الرغم من هذه الثروة، تظل جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أفقر دول العالم، ويرجع ذلك أساساً إلى سوء الإدارة والفساد والسياسات الاستغلالية للمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

موارد بلا حدود

الكوبالت: تنتج جمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر من 70% من الكوبالت العالمي، بإنتاج يقدر بـ130000 طن متري سنوياً.

النحاس: تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية من بين أكبر خمسة منتجين للنحاس عالمياً، حيث وصل إنتاجها من النحاس إلى 1.6 مليون طن متري.

الألماس: تساهم جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل كبير في إمدادات الألماس العالمية، حيث تنتج أكثر من 25 مليون قيراط سنوياً.

الذهب: تزايد إنتاج الذهب في جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل مستمر، مع إنتاج يقدر بـ34 طن متري سنوياً.

الأخشاب: تتمتع جمهورية الكونغو الديمقراطية بموارد خشبية واسعة، حيث تبلغ صادراتها حوالي 500 مليون دولار سنوياً. 

في السنوات الأخيرة، ارتفع الدين العام لجمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل حاد، متجاوزاً حاجز الـ10 مليارات دولار في غضون خمس سنوات. يعزى هذا الارتفاع الكبير في الدين إلى نفقات الإدارة المركزية التي تتجاوز الإيرادات، مما يتطلب الاعتماد على القروض الخارجية من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. تم تخفيض الدين بشكل كبير إلى 3 مليارات دولار في عام 2010، لكنه تضخم مرة أخرى، مما يثقل كاهل الأمة بجزء كبير من ميزانيتها يذهب نحو خدمة الدين. 

كان صندوق النقد الدولي لاعباً رئيسياً في المشهد المالي لجمهورية الكونغو الديمقراطية، مع اتفاقيات حديثة تشمل قرضاً بقيمة 1.5 مليار دولار لدعم الإصلاحات الاقتصادية. ومع ذلك، تأتي هذه القروض بشروط صارمة غالباً ما تفاقم الأزمات الاقتصادية في البلاد. يركز صندوق النقد الدولي على إجراءات التقشف مثل تقليص الإنفاق العام وزيادة الضرائب، مما أدى إلى ركود اقتصادي وزيادة الفقر. يشكل الدين الخارجي لجمهورية الكونغو الديمقراطية، الذي يمثل 59% من إجمالي دينها، عبئاً كبيراً على اقتصادها، مما يمنعها من الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية. 

علاوة على ذلك، جذبت الموارد الطبيعية الوفيرة لجمهورية الكونغو الديمقراطية اهتماماً دولياً، مما أدى إلى الاستغلال والفساد. على الرغم من ثروتها المعدنية، لم تصل الفوائد إلى غالبية السكان. بدلاً من ذلك، غالباً ما تُستخرج موارد البلاد دون مراعاة المجتمعات المحلية، مما يساهم في استمرار النزاعات وعدم الاستقرار. 

تُبرز تجربة جمهورية الكونغو الديمقراطية مع صندوق النقد الدولي التأثير المدمر لهذه القروض على الاقتصادات النامية. تسببت مجموعة من مستويات الدين العالية والشروط القاسية للقروض واستغلال الموارد الطبيعية في محاصرة البلاد في دائرة من الفقر والاعتماد.

المغرب: الديون وخيبة الأمل

لجأ المغرب إلى صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى للحصول على الدعم المالي

مثل العديد من الدول النامية،. كان هذا القرار، الذي يهدف في البداية إلى استقرار الاقتصاد وتعزيز النمو، قد أدى إلى تراكم ديون كبيرة وتعميق المشكلات الاقتصادية و تفقير مروع للشعب. 

التفاعل الأولي مع صندوق النقد الدولي

تعود علاقة المغرب بصندوق النقد الدولي إلى الثمانينيات، عندما واجهت البلاد صعوبات اقتصادية حادة. لاستقرار الاقتصاد، نفذت المغرب برامج التكيف الهيكلي التي أوصى بها صندوق النقد الدولي، والتي شملت إجراءات التقشف والليبرالية الاقتصادية وخصخصة المؤسسات المملوكة للدولة. كانت هذه التدابير تهدف إلى تقليل العجز المالي وتعزيز النمو الاقتصادي. 

التعاملات المالية الحديثة

في السنوات الأخيرة، واصل المغرب التفاعل مع صندوق النقد الدولي لمواجهة التحديات الاقتصادية. في أبريل 2023، وافق صندوق النقد الدولي على خط ائتمان مرن بقيمة 5 مليارات دولار للمغرب، مصمم لتوفير الحماية ضد الصدمات الاقتصادية ودعم الإصلاحات الجارية. ومع ذلك، جاءت هذه التعاملات بتكلفة. 

ارتفاع مستويات الدين

ارتفع الدين العام للمغرب بشكل كبير على مدى العقد الماضي. وفقاً للبيانات، بلغ الدين الخارجي للمغرب حوالي 75.3 مليار دولار في عام 2022، وهو ما يمثل حوالي 66% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. هذا المستوى من الدين هو واحد من أعلى المعدلات في أفريقيا، وقد أثار مخاوف بشأن الاستدامة والاستقرار المالي للبلاد. 

الإصلاحات الاقتصادية والتأثير الاجتماعي

كانت نتائج الإصلاحات الاقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي متباينة. في حين أن بعض الإجراءات أدت إلى تحسين الانضباط المالي، فإن أخرى أدت إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية والتحديات الاقتصادية. على سبيل المثال، أدت إزالة الدعم على السلع والخدمات الأساسية إلى زيادة تكاليف المعيشة، مما أثر بشكل غير متناسب على الفئات الأفقر من السكان. 

تأثير صندوق النقد الدولي واضح في قرارات السياسة النقدية للمغرب. في مارس 2024، قرر البنك المركزي المغربي الإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة بعد تحذيرات من صندوق النقد الدولي بشأن الضغوط التضخمية المحتملة. يعكس هذا القرار التوازن الهش الذي يجب على المغرب الحفاظ عليه بين السيطرة على التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي. 

أدى تعامل المغرب مع صندوق النقد الدولي إلى تراكم ديون كبيرة وتحديات اقتصادية. في حين أن الدعم المالي قدم راحة قصيرة الأجل، كانت الآثار طويلة الأجل أكثر تعقيداً، مما ساهم في التفاوتات الاجتماعية والضغوط المالية. مع استمرار المغرب في شق طريقه الاقتصادي، يجب عليه النظر بعناية في التوازن بين الدعم المالي الخارجي والسياسات الاقتصادية المستدامة التي تعطي الأولوية للنمو الشامل والاستقرار الاجتماعي.

إحصائيات رئيسية

الدين الخارجي (2022): 75.3 مليار دولار

نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي (2022): 66%

خط الائتمان المرن لصندوق النقد الدولي (2023): 5 مليارات دولار 

صندوق النقد الدولي: الذئب في ثياب الحمل

يبدو أن الهدف الأساسي لصندوق النقد الدولي لم يكن أبداً تحقيق التنمية المستدامة للدول النامية، بل إبقائها محاصرة في دائرة من الديون والاعتماد الدائم على القروض. تستخدم الدول الغربية الكبرى مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية صندوق النقد الدولي كأداة لفرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية، مما يتيح لها استغلال موارد هذه الدول الطبيعية مقابل ديون طويلة الأجل.

في هذا السياق، يصبح دور القيادة النزيهة والنظيفة والبصيرة بالغ الأهمية. يحتاج القادة الذين يهتمون حقاً برفاهية شعوبهم ويدعمهم شعبهم بشكل لا يتزعزع لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي واستقلال. يجب على هؤلاء القادة أن يعطوا الأولوية لازدهار دولهم على المدى الطويل بدلاً من المكاسب المالية قصيرة الأجل، ويرفضوا الانصياع لتغيير رؤاهم السياسية والاقتصادية لتتناسب مع المنظور المنحرف للمؤسسات البيروقراطية في العواصم الغربية.

عندما يمتلك القادة النزاهة والرؤية، يمكنهم إلهام دولهم لتحرر من قيود الاعتماد على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المماثلة الأخرى. يتيح هذا الاستقلال للدول اتباع سياسات اقتصادية تتناسب مع احتياجاتها وسياقاتها الفريدة بدلاً من الاضطرار إلى تنفيذ إجراءات مفروضة من الخارج غالباً ما تزيد من حدة الفقر وعدم المساواة.

الجزائر: الاستثناء

تعد الجزائر مثالاً بارزاً على الصمود الاقتصادي والنمو في أفريقيا، بعد أن سددت ديونها الخارجية وامتنعت عن طلب القروض من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. مع معدل نمو اقتصادي متوقع يبلغ 4.2% لعام 2024، تحتل الجزائر المرتبة الثالثة كأكبر اقتصاد في القارة، مما يثبت فعالية الحوكمة الجيدة والسياسات الاقتصادية الاستراتيجية.

أظهر الاقتصاد الجزائري أداءً قوياً عبر مختلف القطاعات. يظل قطاع الهيدروكربونات حجر الزاوية، حيث تعد الجزائر واحدة من أكبر عشر دول مصدرة للغاز في العالم وتحتل المرتبة 16 في احتياطات النفط. في عام 2023، شكل قطاع النفط والغاز أكثر من 90% من دخل الصادرات في البلاد، مدعوماً بأسعار نفط برنت المواتية. كان مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي كبيرة، وتوقعت الحكومة استمرار النمو مع سعر مرجعي للنفط الخام يبلغ 60 دولاراً للبرميل للأعوام المقبلة بالإضافة إلى النفط والغاز، حققت الجزائر تقدماً كبيراً في الزراعة والصناعة. تساهم الزراعة بنسبة 11.6% في الناتج المحلي الإجمالي وتشغل 10% من القوة العاملة. على الرغم من التحديات مثل الظروف الجوية غير المواتية التي أدت إلى انخفاض إنتاج الحبوب، تهدف الخطة الاستراتيجية للحكومة لتطوير إنتاج الحبوب إلى تعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات. كما شهدت الصناعة نمواً مع تسجيل القطاع الصناعي العام معدلات نمو تجاوزت 5.6% في أوائل 2023 مدفوعاً بتحسن مناخ الأعمال والإصلاحات الاستراتيجية.

،.زاد الاستثمار الأجنبي المباشر شهدت البلاد زيادة كبيرة في مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة في الطاقة المتجددة والكيماويات وقطاع النفط والغاز. لم تؤد هذه الطفرة في الاستثمار إلى التنازل عن السيادة الوطنية أو فرض تعديلات اقتصادية مؤلمة على السكان. بل على العكس، دعمت التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة زيادات في رواتب عمال مختلف القطاعات.  

حققت هذه الإنجازات الاقتصادية تأثيرات إيجابية على السكان الجزائريين، مما ساهم في توسيع الطبقة المتوسطة وتقليل مستويات الفقر. سمحت التزام الجزائر بالحفاظ على السيادة الاقتصادية وتجنب الاعتماد على الديون الخارجية بتنفيذ سياسات تعطي الأولوية لرفاهية مواطنيها، مما يجعلها نموذجاً رائداً في أفريقيا. 

بشكل عام، تبرز تجربة الجزائر أهمية القيادة البصيرة والإدارة الاقتصادية الجيدة. من خلال استخدام مواردها الطبيعية بحكمة وجذب استثمارات أجنبية كبيرة دون ضغوط مالية خارجية، تواصل الجزائر إثبات كيف يمكن للحوكمة الجيدة أن تؤدي إلى نمو اقتصادي مستدام وتقدم اجتماعي.

الخاتمة

الجزائر بمواقفها السيادية تعتبر دولة نموذجية نجحت في اجتياز مسارها نحو التنمية والتحول لتصبح دولة بمستقبل اقتصادي واجتماعي واعد. تُبرز إنجازات الجزائر أهمية الحوكمة الجيدة والسياسات الاقتصادية الاستراتيجية والالتزام القوي بالسيادة الوطنية. من خلال تجنب الوقوع في فخاخ التشابكات المالية الخارجية، أظهرت الجزائر أنه من الممكن تحقيق نمو اقتصادي كبير وتقدم اجتماعي دون الاستسلام للضغوط التي تمارسها المؤسسات النقدية الدولية.

يجب أن تستلهم الدول الأفريقية من نجاح الجزائر وتتعاون عن كثب لتنفيذ سياسات تعطي الأولوية لاحتياجاتها الاقتصادية والاجتماعية الفريدة. يُعد هذا الجهد الجماعي أساسياً لإنشاء مستقبل يمكن فيه للدول الأفريقية أن تتحرر من تلاعب المؤسسات المالية الدولية وتزدهر كاقتصادات مستقلة ومزدهرة. معاً، يمكن للدول الأفريقية تمهيد الطريق لعصر جديد من الاعتماد على الذات والتنمية المستدامة بعيداً عن قيود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. 

يعتمد بقاء ووجود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على فشل أفريقيا.


زهير شيخي 

مهندس مختص في الطاقة و الاقتصاد

تاريخ Jul 13, 2024