الحراك الإخباري - إبراهيم أطفيّش...علاّمة جزائري أبهر المصريين في الأزهر!
إعلان
إعلان

إبراهيم أطفيّش...علاّمة جزائري أبهر المصريين في الأزهر!

منذ 3 سنوات|دين

في رحلتنا التاريخية الشيقة بين أقطاب التصوف والمعرفة من أعلام الجزائر، تستوقفنا اليوم شخصية أخرى انتشر صداها مدويّا خارج ربوع البلاد، ليشع نورا في جامع الأزهر الشريف، إنه إبراهيم بن امحمد بن إبراهيم بن يوسف اطفيش، علامة وطني، فقيه، ولد ببلدة بني يزقن من قرى وادي ميزاب جنوب الجزائر، في أحضان عائلة كريمة متدينة، أنجبت للعالم الإسلامي عالما فذا من علماء الجزائر، و هو عمه قطب الأئمة الحاج أمحمد بن يوسف اطفيش (ت:1914م).

أتم إبراهيم حفظ القرآن في الحادية عشرة من عمره، ثم أخذ مبادئ العلوم العربية و الشرعية على يد عمه القطب أمحمد بن يوسف اطفيش في مسقط رأسه، ثم عن المصلح العالم عبد القادر المجاوي بالجزائر العاصمة .

في سنة 1917م يمم تونس ضمن بعثة علمية، فالتحق بجامع الزيتونة ، و كان مثار إعجاب مشايخه، ذكاء و أخلاقا و سعة علم. و ما لبث أن استهوته السياسة بأجوائها الحماسية الوطنية، فأصبح عضوا بارزا في حزب الدستور التونسي بزعامة الشيخ عبد العزيز الثعالبي صحبة زملائه في البعثة أبي اليقظان، و محمد الثميني، و الشيخ صالح بن يحي.

 عُرف أبو إسحاق في الأوساط السياسية والثقافية بكرهه الشديد للاستعمار الفرنسي الذي نفاه من الجزائر إلى تونس، و عرف بنشاطه ذاك في الأوساط التونسية، و ما لبث أن جاءه قرار النفي والإبعاد من السلطات الفرنسية على أن يختار أي بلد يشاء، فاختار مصر التي وصلها في 23 فبراير 1923م، و هي نفس الفترة التي نفي فيها كل من الأمير خالد بن عبد القادر الجزائري، وعبد العزيز الثعالبي اللذين تربطهما بأبي إسحاق روابط العمل الوطني.

 و في القاهرة وجد المجال واسعا للعمل الوطني، فنشط في ميدان السياسة والفكر و قام بأعمال جليلة في الصحافة، وتحقيق التراث، و التأليف، إلى جانب نشاطه الاجتماعي مع الجمعيات الخيرية ذات التوجه الإصلاحي الإسلامي.

اعماله و نشاطاته

أصدر وترأس تحرير مجلة المنهاج ما بين 1344هـ/1925م- 1349هـ/1930م، التي عرفت بتوجهها السياسي والاجتماعي القويين، فكانت تنشر مقالات لكتاب عرفوا بعدائهم الصريح للاستعمار الغربي، تكشف عن مخططات الإنجليز والفرنسيين الاستيطانية في الحجاز و الشام والمغرب العربي بأسلوب تحليلي عميق.

وفي الميدان الديني والاجتماعي كانت ترد على مقالات التغريبيين المعجبين بالمدنية الغربية، المشككين في ثراء الحضارة الإسلامية، و قدرتها على التطور، ومن ثم فإنها منعت من دخول كثير من البلاد العربية و الإسلامية. و ما لبثت بعد مضايقات سياسية، و متاعب مالية أن توقفت، فأسند الشيخ اطفيش رخصة صدورها إلى زميله في الكفاح الوطني محب الدين الخطيب، و كان ذلك سنة 1931م، فأخذت تصدر في شكل جريدة محتفظة بالعنوان نفسه (المنهاج) .

أسس مع صديقه الشيخ الخضر حسين جمعية الهداية الإسلامية، في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات أصبح عضوا فعالا في جمعية تعاون جاليات شمال افريقية، والمؤتمر الإسلامي المنعقد بالقدس سنة 1350هـ/1930 م، كان عضوا نشيطا في جمعية الشبان المسلمين الذي تربطه بزعيمها حسن البنا صداقة حميمة. كما كان عضوا نشيطا في مكتب إمامة عمان بالقاهرة، إذ أسند إليه الإمام غالب بن علي التعريف بقضية عمان في المحافل الدولية، والجامعة العربية، و سافر من أجل ذلك إلى عمان وإلى أمريكا ناطقا رسميا في الأمم المتحدة. في جوان 1359هـ/1940 م أسندت إليه وزارة الداخلية المصرية مهمة الإشراف على قسم التصحيح بدار الكتب المصرية، و كان من أجل أعماله فيها:

- تحقيق و تصحيح أجزاء من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.

- تصحيح كتاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، من تأليف محمد فؤاد عبد الباقي .

- تصحيح و تحقيق أجزاء من كتاب نهاية الأرب، و غيرها.

    و كان و هو بدار الكتب المصرية مرجع الفتوى في العلوم الشرعية و اللغوية، شارك مشاركة فعالة في تحرير مادة الموسوعة الفقهية، ولا سيما فيما يتعلق بالمذهب الإباضي . و هكذا تألق أبو إسحاق بين زملائه، و عرف بينهم بغزارة العلم، و دقة التحقيق، و الإخلاص في العمل، كما اشتهر بينهم بقوة عارضته إذا حاجج، و رحابة صدره إذا نوقش، و رسوخ قدمه في مجالي الشريعة و علوم اللغة إذا استفتي أو استشير.

و لعل ما بهر به المصريين فعلا هو إخلاصه النادر لعمله ما يقرب لأربعين سنة كان فيها مثالا للجد و المثابرة و التفاني، واكتسب من أجل ذلك صداقة فطاحل علماء مصر، من أمثال الشيخ مصطفى المراغي شيخ جامع الأزهر، و محمد أبو زهرة ، و محمد علي النجار ، و محمد سلام مذكور ، و مصطفى عبد الرزاق ، و منصور فهمي ، و غيرهم.

إن وجود أبي إسحاق في مصر أفاد القضية الجزائرية إفادة كبرى، فقد كان يقف لمؤامرات الاستعمار الفرنسي بالمرصاد، كشفا و فضحا، لا يكتفي بما يكتبه بقلمه في مجلته المنهاج، بل كان يستنهض للكتابة أشهر الأقلام الوطنية المصرية، من أمثال أحمد زكي باشا، ومحب الدين الخطيب، و محمد علي الطاهر، وغيرهم. كما كان له الفضل العظيم في إزالة الكثير من الأخطاء التي كانت عالقة بأذهان بعض الباحثين عن الإباضية ، وصحح الكثير من المعلومات التي نقلتها المصادر التاريخية التي ألفت في عصور التفرق و الفتنة.

 آثاره و مكانته العلمية

كان أبو إسحاق يملك قلما سيالا، وأفقا واسعا، تجود عليه بعطاء فكري ثري، والذي يبدو من خلال مراسلاته أنه ألف في مواضيع شتى، و لا سيما فيما يتعلق بالمذهب الإباضي تاريخا وفقها، ولكننا لم نستطع الوصول إلى هذه الآثار رغم البحث عنها، أما في ميدان التأليف و التحقيق فنجد له ما يلي:

- مقالات كثيرة في مجلة الفتح و الزهراء لصاحبهما محب الدين الخطيب ، و هو من أعز أصدقائه و المتعاونين معه.

- ألف كتاب الدعاية إلى سبيل المؤمنين، يطرح فيها نظرته إلى تطوير التعليم العربي الإسلامي، ويرد على خصومه من المحافظين، و قد صدر عن المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1923 م.

- شرح كتاب الملاحن لابن دريد، وطبع عدة مرات في كل من مصر و عمان .

- النقد الجليل للعتب الجميل (رد فيه على محمد بن عقيل العلوي الذي طعن في مذهب أهل الحق و الاستقامة)، و قد صدر بالقاهرة لأول مرة سنة 1924 م، ثم أعيد طبعه بعمان عن مكتبة الضامري للنشر و التوزيع سنة 1414هـ/ 1993 م

- الفرق بين الإباضية و الخوارج، طبع عدة مرات في الجزائر، و مصر، و عمان .
و قد أشار أبو اسحاق في مراسلاته للشيخ أبي اليقظان إلى عدة مؤلفات أنجزها أو هو في صدد إنجازها و ظلت مخطوطات لم تر النور، و لم يعثر عليها إلى حد الساعة، و هي: موجز تاريخ الإباضية، المحكم و المتشابه، عصمة الأنبياء و الرسل، الأقوال السنية في أحوال قطب الأئمة ، أشار إليه في هامش كتاب الدعاية إلى سبيل المؤمنين، ص109، القطب اطْفَيَّش، صلاة السفر، منهاج السلامة فيما عليه أهل الإستقامة، تفسير سورة الفاتحة، الفنون الحربية في الكتاب و السنة، مختصر الأصول و الفقه للمدارس، كتاب النقض.

و في ميدان تحقيق التراث نجد له ما يلي:

- تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان للشيخ السالمي في جزأين، مطبوع عدة مرات بعمان

- شرح النيل و شفاء العليل ، معتمد الإباضية في الفقه، الأجزاء الثامن و التاسع و العاشر، مطبوع عدة مرات في مصر، و الجزائر ، و لبنان، و السعودية، و إيران.

- جامع أركان الإسلام، من تأليف سيف بن ناصر الخروصي العماني، مطبوع عدة مرات بمصر، و عمان.

- شامل الأصل و الفرع ، من تأليف القطب اطفيش، طبع عدة مرات بمصر، و الجزائر، و عمان.

- مسند الإمام الربيع بن حبيب في الحديث، طبع عدة مرات في مصر، و الجزائر، و عمان.

- الذهب الخالص ، من تأليف القطب اطفيش، طبع عدة مرات في مصر، و الجزائر، و عمان.

- كتاب الرسم ، من تأليف القطب، و من شرحه و تحقيقه، طبع عدة مرات في مصر، و الجزائر، و عمان.

- كتاب الوضع (مختصر في الأصول و العقيدة) من تأليف أبي زكريا يحي الجناوي، طبع بالجزائر، و مصر، و عمان عدة مرات.

 يمتاز أبو اسحاق في كتاباته بشخصية قوية، ويدل في تحليلاته للأوضاع و القضايا السياسية والاجتماعية والدينية على سعة في المعرفة، واطلاع جم على الأحداث، و مواكبة حية لتطوراتها، وثبات راسخ في الموقف و التوجه.

 وفاته

في أخريات حياته اشتد عليه مرض في '"البروستاتا"' استدعى إجراء عملية جراحية عاجلة، غير أن القدر كان أسبق، فوافته منيته بعد أيام قليلة من اشتداد المرض، فانتقل إلى رحمة الله، و ذلك سحر يوم 20 شعبان 1385هـ الموافق لـ 13 ديسمبر 1965م، و صلى عليه في جامع المطرية الشيخ محمد المدني عميد كلية أصول الدين بالأزهر الشريف ، و شيعت جنازته بحضور كثير من العلماء و رجال الفكر في مصر، و ووري جثمانه في مقبرة آل الشماخي، كما أوصى.

للترجمة عدة مراجع جمعها محمد صالح ناصر

تاريخ Feb 5, 2021