الحراك الإخباري - الحد من استهلاك السكر .. خطوة حاسمة نحو صحة مستدامة في الجزائر
إعلان
إعلان

الحد من استهلاك السكر .. خطوة حاسمة نحو صحة مستدامة في الجزائر

منذ شهرين|رأي من الحراك

ليس السكر مجرد محلي للقهوة أو الشاي، بل يتخذ أشكالًا عديدة بما في ذلك الفركتوز، الجلوكوز، شراب الذرة، العسل، والسكروز. كل السكريات، بغض النظر عن اسمها، هي كربوهيدرات توفر الطاقة. يُربط السكر غالبًا بالحلوى، المشروبات الغازية، والمخبوزات، لكنه يمكن أن يوجد في أي طعام. التحكم في استهلاك السكر يعد تحديًا لأن صناعة الأغذية غالبًا ما تضيفه إلى المنتجات حيث قد لا يتوقع المستهلكون وجوده. الحد اليومي الموصى به من السكر لتحسين الصحة هو حوالي 11 جرامًا أو لا يزيد عن 5% من إجمالي السعرات الحرارية اليومية. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لا ينبغي أن يتجاوز هذا الرقم 25 جرامًا. ومع ذلك، يستهلك الكثير من الناس أكثر بكثير من هذا الحد الموصى به.

الاستمرار في استهلاك كميات كبيرة من السكر يمثل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة. يرتبط النظام الغذائي الغني بالسكر بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب، السكري، سوء صحة الأسنان، ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع الكوليسترول، والسمنة. يتطلب تقليل استهلاك السكر تغييرًا في نمط الحياة، لكنه ضروري للحفاظ على الصحة الجيدة والوقاية من المشاكل الصحية المستقبلية.

استهلاك السكر: عبء صحي واقتصادي

يشتهر الجزائري منذ الأزل بذوقه الحلو، فهو يحب الأشياء الحلوة ويستهلكها على مدار العام، وخاصة في شهر رمضان مع الحلويات والأطباق الحلوة..

يبلغ استهلاك السكر في الجزائر معدلًا مذهلًا يصل إلى 42 كيلوغرامًا للفرد سنويًا مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 23 كيلوغرامًا في السنة. توصي منظمة الصحة العالمية بألا يتجاوز استهلاك السكر 10 كيلوغرامات للفرد سنويًا. هذا الإفراط في الاستهلاك لا يشكل فقط مخاطر صحية كبيرة، حيث يسهم في زيادة حالات الإصابة بالسكري والأمراض الأخرى المرتبطة بالسكر، بل يؤدي أيضًا إلى تكاليف مالية كبيرة. إن الإفراط في استخدام السكر يعكس قضايا أوسع في أنماط الاستهلاك التي تتطلب اهتمامًا عاجلًا.

توضح الديناميكيات

الاقتصادية للسكر في الجزائر حجم المشكلة بشكل أكبر. في عام 2022، صدرت الجزائر سكر خام بقيمة 139 مليون دولار، وكانت الوجهات الرئيسية هي الأردن (49.3 مليون دولار)، تونس (25.6 مليون دولار)، موريتانيا (22.7 مليون دولار)، لبنان (12.1 مليون دولار)، وإسبانيا (4.76 مليون دولار). في المقابل، استوردت الجزائر سكر خام بقيمة 774 مليون دولار في نفس العام، وكان المصدر الرئيسي هو البرازيل (773 مليون دولار)، تليها فرنسا (268000 دولار)، الصين (119000 دولار)، إسبانيا (41000 دولار)، وبلجيكا (40500 دولار). يمثل هذا انخفاضًا في الواردات مقارنة بعام 2017 عندما استوردت الجزائر سكر خام بقيمة 972 مليون دولار. يشير هذا الانخفاض إلى اتجاه نحو تقليل الواردات وزيادة الإنتاج المحلي لبنجر السكر لإنتاج السكر محليًا.

مبادرة حديثة من الحكومة الجزائرية تهدف إلى معالجة هذه المشكلة من خلال تشجيع منتجي المشروبات على تقليل محتوى السكر في منتجاتهم. من المتوقع أن يساعد هذا التنظيم الجديد في خفض استهلاك السكر الكلي في البلاد، وبالتالي تقليل المخاطر الصحية والأعباء المالية المرتبطة بارتفاع استهلاك السكر.

تعزيز الإنتاج المحلي للسكر

حققت الجزائر تقدمًا كبيرًا نحو زيادة إنتاجها المحلي من السكر، وهو عنصر حاسم في تقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز الاكتفاء الذاتي الاقتصادي. بقدرات إنتاج ومعالجة تقدر بحوالي 10000 طن يوميًا و3.5 مليون طن سنويًا، الجزائر مهيأة بشكل جيد لتلبية الطلب المحلي الذي يبلغ حوالي 2.1 مليون طن سنويًا.

يلعب المنتجون الرئيسيون مثل سيفيتالCevital، مجمع برحال، ومصفاة لربعطاش دورًا حاسمًا في هذا المشهد. تمتلك سيفيتال، اللاعب الأكبر، قدرة إنتاجية تصل إلى 2 مليون طن متري سنويًا. يتمتع مجمع برحال بقدرة إنتاجية تقارب 700000 طن متري سنويًا، في حين تنتج مصفاة لربعطاش حوالي 2000 طن يوميًا، أي ما يعادل تقريبًا 750000 طن متري سنويًا. تجتمع هذه المنشآت لتجلب القدرة الإنتاجية الوطنية إلى حوالي 3.5 مليون طن متري سنويًا، مما يتجاوز الطلب الوطني البالغ حوالي 2.1 مليون طن متري. يشير هذا إلى أنه بحلول نهاية عام 2024، ستكون الجزائر تنتج وتكرر السكر أكثر مما تحتاج، مما يضع البلاد في موقف الاكتفاء الذاتي في إنتاج السكر.

الاستثمارات في التقنيات الزراعية الحديثة وتكنولوجيا المعالجة ضرورية لتحقيق الإمكانيات الكاملة لصناعة السكر في الجزائر. بالإضافة إلى ذلك، السياسات التي تشجع المزارعين المحليين على زراعة بنجر السكر وتزويدهم بالدعم والموارد اللازمة يمكن أن تعزز بشكل كبير كفاءة الإنتاج.

تتماشى التدابير الاستباقية للحكومة، مثل التنظيم الأخير الذي يحث منتجي المشروبات على تقليل محتوى السكر، مع الأهداف الأوسع لتقليل استهلاك السكر بشكل عام وتعزيز أنماط الحياة الصحية. هذا النهج الشامل، الذي يشمل كل من الإنتاج والاستهلاك، ضروري لتحقيق الاستدامة على المدى الطويل والاستقرار الاقتصادي.

ماذا يمكن أن يُفعل لتقليل استهلاك السكر في الجزائر

لتقليل استهلاك السكر من المستوى الحالي البالغ 42 كيلوغرامًا في السنة إلى المتوسط العالمي البالغ 23 كيلوغرامًا في السنة على مدى السنوات الخمس المقبلة، هناك حاجة إلى استراتيجية شاملة وقابلة للقياس. فيما يلي بعض المقترحات:

حملات التوعية العامة: إطلاق حملات وطنية لتوعية الجمهور بمخاطر الصحة المرتبطة بارتفاع استهلاك السكر. استخدام مختلف المنصات الإعلامية للوصول إلى الفئات الديموغرافية المختلفة والتأكيد على فوائد تقليل تناول السكر.

التدابير التنظيمية: تنفيذ لوائح صارمة بشأن وضع العلامات الغذائية لضمان الشفافية حول محتوى السكر. إدخال ضرائب على المشروبات السكرية والأطعمة عالية السكر لتثبيط الاستهلاك المفرط. فرض تخفيضات في محتوى السكر للأطعمة والمشروبات المصنعة.

برامج المدارس: دمج التعليم الغذائي في المناهج المدرسية لتعليم الأطفال عادات الأكل الصحية منذ الصغر. تنفيذ سياسات مدرسية تحد من توفر الوجبات الخفيفة والمشروبات السكرية في المقاصف.

مبادرات الرعاية الصحية: تدريب المهنيين الصحيين على تقديم المشورة بشأن تقليل تناول السكر خلال الفحوصات الروتينية. إنشاء برامج صحية مجتمعية تقدم ورش عمل عن الطهي الصحي وعادات الأكل.

الإعانات والحوافز: توفير إعانات لإنتاج وتسويق البدائل الغذائية الصحية مثل الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة. تقديم حوافز للشركات المصنعة للأغذية التي تعيد صياغة منتجاتها لتحتوي على نسبة أقل من السكر.

التعاون مع صناعة الأغذية: العمل مع الشركات المصنعة للأغذية لإعادة صياغة المنتجات بمحتوى أقل من السكر. تشجيع الابتكار في خلق بدائل صحية دون المساس بالطعم والجودة.

الرصد والتقييم: إنشاء نظام رصد لتتبع اتجاهات استهلاك السكر وفعالية التدابير المنفذة. استخدام البيانات لتعديل الاستراتيجيات وضمان تحقيق الأهداف.

بتنفيذ هذه الاستراتيجيات، يمكن للجزائر تقليل استهلاك السكر بشكل كبير على مدى السنوات الخمس المقبلة، مما يحسن الصحة العامة ويقلل من العبء الاقتصادي المرتبط بارتفاع استهلاك السكر. سيساعد هذا التخفيض في استهلاك السكر على تقليل المخاطر الصحية، لا سيما مرض السكري، الذي يصيب حوالي 15% من السكان الذين تتجاوز أعمارهم 18 عامًا، أو ما يقرب من 2.8 مليون شخص. بدون تدابير وقائية، يمكن أن يصل هذا العدد إلى 5 ملايين مريض بالسكري بحلول عام 2030. بالإضافة إلى ذلك، من خلال تقليل استهلاك السكر، سيكون لدى الجزائر القدرة على تصدير ما لا يقل عن 2 مليون طن سنويًا، مما يدر إيرادات من العملة الأجنبية تتجاوز 780 مليون دولار. سيساهم هذا التخفيض أيضًا في تحقيق وفورات كبيرة على الأنسولين والأدوية الأخرى لمرض السكري. في عام 2022، كانت رعاية مرضى السكري تمثل 28% من نفقات صندوق الضمان الاجتماعي الوطني، حيث بلغت أكثر من 54 مليار دينار، بما في ذلك 29 مليار دينار للأنسولين، 14 مليار دينار لشريط الاختبار الجلوكوز، و8 مليار دينار للعلاجات الفموية. يمكن بعد ذلك استثمار هذه الأموال في قطاعات أخرى مثل الصحة والتعليم، مما يفيد التنمية العامة للأمة..

وعليه، فإن تغيير ثقافة الاستهلاك في الجزائر يعتبر أمرا ضروريا لتحقيق التنمية المستدامة. من خلال تبني نموذج استهلاك حديث يقلل من الاستهلاك.

 ولتمكين الببلاد من توفير موارد مالية كبيرة، وتحسين جودة حياة المواطنين. يجب على الحكومة اتخاذ خطوات استباقية لتنفيذ هذه الاستراتيجيات، مستفيدة من أمثلة ناجحة من بلدان أخرى لتعزيز ثقافة استهلاك أكثر استدامة ومسؤولية.

سيكون لسياسة تقليل استهلاك السكر بشكل جذري تأثير عميق على الأجيال المقبلة من خلال تعزيز صحة أفضل، مما سيزيد من العمر المتوقع، ويقلل من انتشار الأمراض المزمنة. علاوة على ذلك، سيكون للسكان الأكثر صحة إنتاجية أكبر، مما يقلل من تكاليف الرعاية الصحية ويزيد من الادخارات التي يمكن إنفاقها على احتياجات أكثر أهمية. ستعالج هذه التحول ليس فقط القضايا الفورية للاستهلاك المفرط، بل أيضًا تمهد الطريق لجزائر أكثر صحة وازدهارًا. يمكن توجيه التوفير المالي من تقليل الاستهلاك نحو مجالات حيوية مثل التعليم والرعاية الصحية، مما يبني أساسًا أقوى للمستقبل.

زهير شيخي 

مهندس مختص في الطاقة والاقتصاد 

تاريخ Jul 3, 2024