من لبنان: منى غندور
صحفية و مخرجة سينمائية
في مقالها الجديد، تأخذنا الصحفية والمخرجة اللبنانية منى غندور في رحلة عبر «مدلين» ورفاقها الاثني عشر، حيث يعيد هذا القارب إلى ذاكرتها نضالات حدثت قبل سبعة وثلاثين عامًا، مصحوبة بذكريات أصدقاء غابوا مثل المخرج الكبير يوسف شاهين والناقد السينمائي خميس خياطي وغيرهم، الذين تركوا بصمة لا تمحى في مسيرة الكفاح. عبر هذا الاستدعاء الحي للماضي، تبرز قوة المقاومة المستمرة، وتجدد العهد مع روح الصمود التي لا تعرف الزوال.
باخرة العودة كانت مشروع عودة رمزي للمبعدين الفلسطينيين، نظمته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988، وضمّ شخصيات ثقافية وسياسية من أنحاء العالم. جئنا من جهات الأرض الأربع، لنلوّح لفلسطين من البحر، ونقرؤها السلام.
من مصر، كان معنا يوسف شاهين، وتحية كاريوكا، وعلي بدرخان، وبهجت الخولي. ومن الوفد التروتسكي المناصر للقضية الفلسطينية والمعادي للصهيونية، جاءت المخرجة سيمون بيتون، وإيال سيفان، ولا يزالان حتى اليوم يسبحان عكس التيار الصهيوني بثبات وشجاعة.
وفي الوفد الإعلامي، حضر رغم الغياب جوزيف سماحة، وصديقة عمره رشا الأمير، وخميس خياطي، وإيلي صنبر.
هذا ما تحتفظ به الذاكرة من أصدقاء أعزاء، وكان بيننا من كنت أسمّيه "خرزتي الزرقاء" — المونسنيور جايو، أسقف أبرشية إيفرو في النورماندي، الذي كان يوصينا بالصبر ويهمس: «قد يتحوّل البحر من ضدّكم إلى معكم». حاولنا أن نصدّقه.
قضينا أسبوعًا في أثينا، بين مؤتمرات وآمال معلّقة، وتهديدات صريحة من إسرائيل للبحارة اليونانيين وقائدهم بالقتل. ومع ذلك، لم يتراجعوا.
وفي صباح يوم الإبحار المنتظر، استيقظنا على خبر نسف السفينة وهي راسية في المرفأ. ومن الثقوب التي نخرت جسدها، تسلّلت آمالنا، ووأد الحلم قبل أن يولد.
كثيرون سألوني بعد عودتي: «هل كنتِ فعلًا مقتنعة بأن السفينة ستنطلق؟»
أجبتهم: «هذه إسرائيل، حبيبتي… ألا تعرفون من هي إسرائيل؟»
كيف أشرح لهم أننا عشنا أسبوعًا من الحلم الجماعي، على هيئة مركب وبحر، كأننا أطفال يناديهم السفر؟
في انتظار "سفينة العودة"، كنّا جميعًا فلسطينيين. وطننا حقيبة على رصيف المرفأ، تلوّح لفكرة يتيمة، كما أسماها درويش.
البحر خلفكم، البحر أمامكم، البحر عن يمينكم ويساركم، ولا يابسة سوى يد تمسك بحجر — هو الأرض.
ذاك النشيد خرج من حنجرة فلسطيني، لم يُكتب إلا لعينيها.
كانت تلك الأيام واحدة من حكايات كثيرة عن فلسطين، وعن ذكرياتي مع من آمنوا بها وبقدرها المستحيل.
النص مهدى إلى خميس خياطي، الذي حلم أن نحتفل بعيد الحب في فلسطين. ولم يحدث.


