بقلم الدكتور جاب الله جمال الدين
دبلوماسي سابق
انتهت أشغال القمتين العربيتين: القمة العادية و القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية في بغداد، ليتأكد للجميع التوهان (التوهان بالتعريف هو تغير في الحالة العقلية، فالشخص الذي يعاني من التوهان قد لا يعرف مكانه او هويته، أو الزمان، والمكان)
العربي الذي اصبح نهج متبع في القمم العربية، ويتضح ذلك من الكم الهائل من القرارات والمبادرات وتكرار الكثير منها وكأن الأمر أصبح سباق و منافسة لمن يطرح أكثر المبادرات من اجل ان يذكر اسمه في الاعلام. وهذا كله نتيجة غياب العقلانية في ترشيد جدول اعمال القمم العربية التي اصبحت تتسم بحشو للمواضيع دون وضع ادوات المتابعة والاليات المالية والادارية للتجسيد والرصد والتقييم مما يعني انها قرارات ومبادرات تولد ميتة و ينتهي مفعولها و تحقق هدفها الاعلامي الظرفي و فقط. وخير دليل على ذلك هو ان جميع القرارات والمبادرات ليست ملزمة ماليا لاصحابها و دام الأمر كذلك يمكن لدولة ما ان تطرح عشرات المبادرات دون ان يكون لها تبعات او مسوؤلية اي ان المبادرة هي مبادرة من اجل المبادرة لا من اجل تجسيدها. وهذا يرجع بالأساس الى التوهان المنظم لأن كل دولة عربية انطوت على نفسها وفضلت التعاون مع الدول الاجنبية على التعاون مع الدول العربية لانها لا تؤمن بالعمل العربي المشترك أصلا وتفضل العمل الفردي على العمل الجماعي العربي. ضف إلى ذلك تحولت بعض الدول العربية إلى دول تنفذ اجندات خارجية داخل الجامعة العربية. وهذه الدول حسمت امرها وحولت اجتماعات الجامعة العربية لتمرير ما يريده الاجنبي. وهذا ما اوصل القمم العربية الى هذه الفوضى في جداول أعمالها. في حين أن العقل و المنطق يقولان بضرورة التركيز على عدد قليل من الموضوعات وتوفير الادوات التنفيذية لهذه المبادرات و رصد الاموال لضمان تجسيدها.
وفي هذا "التوهان" تجد الجامعة العربية نفسها قاصرة على فعل أي شئ لانها اصبحت مكبلة لأنها في العشرين سنة الاخيرة ظهرت دول لم تكن بالامس فاعلة داخل اروقة الجامعة العربية وتصدرت الموقف بالتنسيق مع دول اجنبية لها مصالحها في المنطقة العربية لتدمير الدول الوطنية التي كانت تقود الجامعة العربية.
ولكي تبعث الجامعة العربية من جديد فهي بحاجة ماسة إلى اصلاح جذري للجامعة العربية وهياكلها لتتعامل مع المستجدات الجديدة والنوازل، وفي هذا السياق فإن الجزائر باعتبارها الدولة الوطنية الأكثر بروزا في الوطن العربي يمكنها ان تطرح وثيقة لإصلاح جامعة الدول العربية حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود و تظهر مواقف الدول العربية على حقيقتها: من يريد الاصلاح فعلا ويؤمن بالعمل العربي المشترك حقيقة و بين من يريد الاستمرار في التوهان و التركيز على الشكل دون المحتوى.