الحراك الإخباري - مستقبل خطة ترامب 2025 على ضوء اتفاق أوسلو 1993
إعلان
إعلانات الصفقات العمومية - ANEP
إعلان

مستقبل خطة ترامب 2025 على ضوء اتفاق أوسلو 1993

منذ 5 ساعات|الأخبار

د . محمد عبد الستار

عندما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلن عن "خطته للسلام" بتاريخ 29 سبتمبر 2025، كانت 32 سنة كاملة قد مرت عن اتفاق أوسلو الشهير بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ذلك الاتفاق توج بموجبه كل من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين ووزير خارجيته شيمون بيريز بجائزة نوبل للسلام. بعد كل ذلك عرف الإسرائيليون كيف ينقلبون على "اتفاق أوسلو" بعدما حققوا بموجبه عدة مكاسب، ثم أحالوه إلى العدم، بينما خسر الفلسطينيون ما لم يخسروه منذ 1948. لذلك بات اليوم التساؤل مشروعا عن مصير "خطة ترامب" على ضوء اتفاق أوسلو.
من مدريد إلى أوسلو: سلب الحقوق عبر التفاوض
في 30 أكتوبر وإلى الفاتح من نوفمبر 1991 انعقد مؤتمر مدريد للسلام ، برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا بهدف إقامة السلام بين العرب وإسرائيل. والحقيقة لم يكن ذلك المؤتمر سوى مراوغة من واشنطن لتقديم "شيء وهمي" للعرب والمسلمين الذين شاركوا في الحلف الدولي لضرب العراق بعد اجتياح قواتها لدولة الكويت بتاريخ 2 أوت 1990.
وبسبب الخلافات العميقة بين العرب وإسرائيل، انعقدت 11 جولة مفاوضات ثنائية لمؤتمر مدريد بين 1991 و1993 دون الوصول إلى نتائج. وفي خضم ذلك نجح الإسرائيليون في بناء علاقات سرية مع الطرف الفلسطيني، انتهت إلى اتفاق أوسلو، وبدأت سياسة سلب الحقوق الفلسطينية عبر التفاوض.
أوسلو: دبلوماسية الصدمة
يسوق كل من الإسرائيليين والفلسطينيين أن اتفاق أوسلو الذي تم التوصل إليه بالنرويج، تم بسرية تامة بين حركة فتح والحكومة الإسرائيلية، ويقال إن البيت الأبيض نفسه لم يكن على دراية بمسار تلك المفاوضات، وذات الشيء ينطبق على الدول العربية بل حتى الفصائل الفلسطينية، التي أصيبت بالذهول عندما أعلن الخبر، فأطلق على العملية اسم "دبلوماسية الصدمة"، ولإرضاء الولايات المتحدة تم توقيع الاتفاق بواشنطن برعاية أمريكية بتاريخ 13 سبتمبر 1993.
وكمكافأة لهم على "تحقيق السلام" و"رفع غصن الزيتون"، تم منح جائزة نوبل للسلام لعام 1994 لكل من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، ورئيس وزراء إسرائيل اسحاق رابين ووزير خارجية إسرائيل شيمون بيريز.
وبعد عام من تسليم الجائزة قتل إسحاق رابين على يد شاب يهودي متطرف اسمه إيجال عامير بعد نهاية مظاهرة ضد اتفاق أوسلو في تل أبيب يوم 4 نوفمبر 1995. أما ياسر عرفات الذي تعانق مع المسؤولين الإسرائيليين في أوسلو والبيت الأبيض فقد حاصرته إسرائيل في بيته حتى مات عام 2004 بعد 10 سنوات فقط من توقيع اتفاق أوسلو.
أما محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، الذي افتخر بكونه أحد الفاعلين في أوسلو بنشر كتاب "طريق أوسلو"، فبعد مرور 32 سنة عن ذلك الاتفاق أصبح منبوذا إسرائيليا وأمريكيا، حيث لم تمنح له حتى تأشيرة الدخول لأمريكا للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة شهر سبتمبر 2025، وتمت دعوته كأي "صحفي" للجلوس في القاعة خلال التوقيع على خطة "ترامب" في شرم الشيخ يوم 13 أكتوبر 2025.
كذلك، منح (بضم الميم) الرئيس المصري أنور السادات جائزة نوبل للسلام مناصفة مع رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغين عام 1978 بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، وبعد ثلاث سنوات من ذلك الاتفاق، وخلال استعراض عسكري في ذكرى حرب أكتوبر 1973 تم اغتيال الرئيس المصري أنور السادات بتاريخ 6 أكتوبر 1981، فيما يعرف بحادثة المنصة من طرف الملازم خالد اسلامبولي الذي حكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص عام 1982.
اتفاق أوسلو: أين هي غزة أريحا أولا؟
يعرف إعلاميا "اتفاق أوسلو" أيضا بتسمية "غزة أريحا أولا" بمعنى إقامة حكم ذاتي فلسطيني في غزة وأريحا أولا قبل إقامة الدولة الفلسطينية التي تأتي لاحقا. ونص الاتفاق على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير، ووضع أسس الحكم الذاتي الفلسطيني كمرحلة انتقالية أقصاها خمس سنوات، كتمهيد لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة بحلول عام 1999 الأمر الذي لم يتم إلى يومنا هذا، بل حتى فكرة حل الدولتين تم تجاهلها في "خطة ترامب 2025".
لقد حمل اتفاق أوسلو العديد من نقاط الضعف، حيث لم يتطرق للقضايا الجوهرية التي يتوقف عليها السلام وإقامة الدولة الفلسطينية، مثل الحدود النهائية للأراضي الإسرائيلية والفلسطينية ومصير القدس الشرقية ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين المهجرين منذ 1948 ومسألة المستوطنات الإسرائيلية التي اجتاحت الأراضي الفلسطينية.
وبموجب اتفاق أوسلو تخلت منظمة التحرير عن المقاومة وتبنت المفاوضات كسبيل وحيد لقيام الدولة الفلسطينية، واعترفت بدولة إسرائيل على نحو 78 بالمئة من الأراضي الفلسطينية.
وبسبب قبول المنظمة بالحكم الذاتي في غزة – أريحا أولا، فقد أسست للانقسام الفلسطيني الذي ينخر القضية الفلسطينية حاليا وأثر على التعاطف الدولي ولاسيما العربي والإسلامي.
ومنذ ذلك التاريخ مرت 32 سنة ولم يحدث شيء، بل زاد الوضع سوءا. حيث لم تتخل إسرائيل عن تنفيذ استراتيجيتها عبر سياسات مختلفة ومتنوعة، فاستمرت في سياسة الاعتقال إذ يرزح حاليا نحو 10 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، وتضاعف الاستيطان 4 مرات وربما أكثر، إلى درجة قال فيها محمود عباس نفسه "لم أعد أعرف أين هو الاستيطان"، وتمكنت إسرائيل أيضا من بناء جدار الفصل العنصري الذي يعزل 12 بالمئة من أراضي الضفة الغربية، وتسيطر إسرائيل على نحو 60 بالمئة من الضفة، كذلك تضاعفت عملية تهويد القدس وتراجعت نسبة الفلسطينيين فيها، وما إلى ذلك من النتائج الوخيمة التي أدت إلى العديد من الانتفاضات حتى وصلت إلى "طوفان الأقصى" بتاريخ 7 أكتوبر 2023.
رغم كل هذه الكوارث، ما تزال السلطة الفلسطينية متمسكة بأوسلو، بينما تخلت عنها إسرائيل عمليا، وقد وصفها ناتنياهو بـ "الكارثة" وقال إنه لن يسمح بتكرار خطأ أوسلو في أي اتفاق بخصوص غزة، مثلما قال أريال شارون عن المبادرة العربية للسلام عام 2002 بأنها لا تصلح سوى لسلة المهملات.
أين دور الولايات المتحدة الراعية لأوسلو؟
رغم أن واشنطن هي الدولة الراعية لأوسلو، بوصفها اللاعب الوحيد على الصعيد الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 ودخول العالم مرحلة الأحادية القطبية، فإنها سواء في ظل الجمهوريين أو الديمقراطيين، تنحاز دائما للطرح الإسرائيلي. وتدعمها سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا ضد الفلسطينيين، بل إن الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الأولى هو الذي قرر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وظل يفتخر بذلك في كل المناسبات، بل أنه خلال كلمته بالكنيست الإسرائيلي قال بالحرف الواحد: "لقد منحنا إسرائيل السلاح المتطور وهي عرفت كيف تستخدمه". وتحاول الإدارة الأمريكية حاليا تصفية القضية الفلسطينية باللجوء إلى توسيع التطبيع مع إسرائيل بدون دولة فلسطينية فيما يعرف باتفاقيات "أبراهام".
ما هو مستقبل خطة ترامب للسلام؟
مثل اتفاق أوسلو، فقد جاءت خطة ترامب للسلام غير واضحة ولا تتضمن آليات دقيقة لتنفيذ بنودها، ما يعني استغراق وقت أطول للتفاوض حولها.
وقد حرص ترامب على الإعلان عن الخطة التي حملت "اسمه" قربانا للحصول على جائزة نوبل للسلام التي منحت لمناضلة فنزويلية قبل يومين من قمة شرم الشيخ، وقامت هذه الأخيرة بإهدائها للرئيس ترامب.
وفي كلمته بالكنيست كما في شرم الشيخ وفي نفس اليوم استعرض ترامب عضلاته ونرجسيته وعضلات أمريكا، بفرض وقف الحرب في غزة والتوقيع على اتفاق بين إسرائيل وحماس. لكن العجيب أن الاتفاق لم يوقع عليه المعنيون وهم حماس وإسرائيل، ولم يوقع عليه أي فلسطيني رغم حضور محمود عباس مراسم التوقيع. والأعجب أن لا كلام ترامب ولا الاتفاق يتكلم عن الدولة الفلسطينية، باستثناء ما ورد في كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وركز كل من ترامب وناتنياهو على سلاح المقاومة.
وعلى ضوء ما سبق، يمكن التأكيد أن خطة ترامب لا تختلف عن سابقتها أوسلو، سوف تبدأ تفاصيل التطبيق بين خط أصفر وأحمر وأزرق، ونقطة أ ونقطة ب ونقطة ج، وكيف يتم تسليم السلاح ولمن؟ ومن يحكم غزة؟ وما هي القوات المتوقع إرسالها؟ ومن يحكم حتى الضفة الغربية في ظل رفض إسرائيل وأمريكا التعامل مع السلطة؟ ومن هم أعضاء مجلس السلام الذي نصب ترامب نفسه رئيسا له؟ وغيرها من التفاصيل.
عندما تنتهي ولاية ترامب عام 2028 سوف تنتهي خطته، كما انتهى مسار مدريد للسلام مباشرة بعد انهزام الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في انتخابات 1992.
لكن السؤال المهم: هل يرضى الفلسطينيون أن يخسروا المزيد كما حصل لهم بموجب اتفاق أوسلو، أم أنهم تعلموا ممارسة السياسة كما تفعل إسرائيل؟

 

تاريخ Oct 15, 2025