من واشنطن: محمود بلحيمر
شرخٌ في معسكر "ماغا" للرئيس دونالد ترامب. هكذا علّقت بعض وسائل الإعلام الأميركية على استقالة عضو مجلس النواب الأميركي عن الحزب الجمهوري، مارجوري تايلور غرين، نهاية نوفمبر الماضي. ترى مالذي حوّل هذه النائبة عن ولاية جورجيا منذ عام 2021، من مدافعة شرسة عن ترامب إلى أكبر منتقديه، حتى وصفها بـ"الخائنة"؟ وهل نحن أمام انقسامات ستؤدي إلى هشاشة المعسكر الجمهوري في المواعيد الانتخابية الحاسمة، ومنها انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر من العام المقبل؟.
"ماغا" (التي تعني لنجعل أميركا عظيمة مجددا)، هي تيار سياسي هيمن على الحزب الجمهوري منذ ولاية ترامب الأولى، إلتف حول شخصية ترامب وشكّل القاعدة الصلبة التي ساهمت في عودته "فاتحا" للولاية الثانية في البيت الأبيض بعد نجاحه الباهر في سحق الديمقراطيين في انتخابات نوفمبر 2024.
رضخت المؤسسة السياسية التقليدية للحزب الجمهوري أمام هذا التحالف الجديد، الذي إلتقى حول جملة من العناوين السياسية رددها ترامب في خطاباته العديدة، من ذلك تبني سياسات محافظة لاسيما فيما يتعلق بالمثلية الجنسية والإجهاض وقطيعة مع ثقافة "الووك" (ًWoke) المرتبطة بالسياسات الليبرالية التي كرسها الديمقراطيون ومنها تهميش دور الدين في الحياة العامة ودعم حقوق المثليين والمهاجرين، تأمين الحدود وتنفيذ سياسة متشددة إزلء الهجرة، إصلاح الحكومة الفدرالية ومحاربة الفساد، إعطاء الأولية لبناء الاقتصاد الأميركي والاعتناء بالأميركيين، والقطيعة مع سياسة الحروب الخارجية التي كلفت أميركا تريليونات الدولارات خلال العقود الثلاثة الأخيرة...
أصل الانقسام في تيار "ماغا" له علاقة بأداء ترامب في البيت الأبيض. هناك رؤية تشكلت لدى قطاع واسع من قاعدة ترامب الانتخابية بأن السياسات التي تنتهجها الإدارة حاليا لا تنسجم تماما مع الأجندة المعلنة والوعود الانتخابية السابقة. بمعنى أنها لا ترى شيئا من "أميركا أولا" في الميدان، بل وعلى العكس من ذلك ترى استمرار السياسات القديمة المنسجمة مع المؤسسة السياسية في واشنطن وحلفائها لاسيما الأثرياء، بدلا من تلك التي تعود بالنفع على الأميركيين، الذين يعانون أصلا من تدهور أوضاعهم المعيشة.
هذا التوجه عبّرت عنه مرارا عضو الكونغرس المستقيلة، مارجوري تايلور غرين، التي قالت في إعلان استقالتها: "إن أميركا أولاً يجب أن تعني أميركا أولاً، والأميركيون أولاً فقط من دون أي دولة أجنبية أخرى مرتبطة بأميركا أولاً في أروقة حكومتنا كافة، والدفاع عن النساء الأميركيات اللائي تعرضن للاغتصاب في سن 14 عاما وتم الاتجار بهن واستغلالهن من قبل رجال أثرياء وأقوياء لا ينبغي أن يتسبب في وصفي بالخائنة وأتعرض للتهديد من قبل رئيس الولايات المتحدة الذي قاتلت من أجله".
وقد سبق لعضوة مجلس النواب، تايلور غرين، أن جاهرت بمواقفها المعارضة لسياسة ترامب وحلفائه في الكونغرس، من ذلك رفضها تقديم الدعم العسكري والمالي لإسرائيل وأوكرانيا، وبدلا من ذلك تطالب بصرف أموال دافعي الضرائب لمساعدة ملايين الأميركيين، وبدلت جهودا مضنية من أجل التصويت على تشريع في الكونغرس لكشف مستندات قضية جيفري إبستين، المتهم بإدارة شبكة للاتجار الجنسي بمئات القاصرات تورط فيها سياسيون كبار وأثرياء، كما تبنّت موقف الديمقراطيين الداعي لتمديد إعانات قانون الرعاية الصحية، المعروف باسم أوباماركيير"، لتفادي ارتفاع تكاليف التغطية الصحية لملايين الأميركيين، إضافة إلى موقفها المناقض لموقف البيت الأبيض بخصوص ملف الذكاء الاصطناعي.
طلاق عضو الكونغرس، تايلور غرين، مع حركة "ماغا" هو عيّنة لتذمر في قاعدة هذا التيار بسبب شعوره بتنكر ترامب وإدارته للكثير من الوعود الانتخابية التي احتشدت للدفاع عنها في المواعيد الانتخابية، ويمكن أن نجمل أهم الاختلافات مع ترامب فيما يلي:
أميركا أولا: يرى قطاع من أتباع حركة "ماغا" أنه ينبغي الكف عن توجيه أموال دافعي الضرائب إلى دول أجنبية وبدلا من ذلك يجب صرفها لتحسين معيشة الأميركيين، ويشعرون بالغضب إزاء صرف مليارات الدولارات في تمويل حرب أوكرانيا وحرب إسرائيل في غزة. وعكست هذا الموقف عضو الكونغرس، تايلور غرين، التي وصفت حرب إسرائيل في غزة بـ"الإبادة"، وأبدت اعتراضها على المساعدات الأميركية لإسرائيل والمقدرة بـ 3.5 مليار دولار سنويا، مشيرة، في مقابلة مع الصحفية ميغن كيلي، إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي في وضع جيد والإسرائيليون يستفيذون من الرعاية الصحية والتعليم الجامعي مجانا في حين أن الأميركيين محرومون من ذلك ومدانون بـ 37 تريليون دولار، وهو حجم ديون الحكومة الفدرالية.
هذا التصور إزاء إسرائيل بات يتقاسمه قطاع واسع من قاعدة "ماغا"، لاسيما بعد صور المجازر الرهيبة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة منذ أكثر من عامين. لقد فقدت إسرائيل الإجماع الذي كانت تحظى به داخل الحزب الجمهوري، وصار الجيل الجديد من الأميركيين ينتقدون هيمنة لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC).
السياسة الخارجية: يرى أتباع "ماغا" أن ترامب لم يتخل بالفعل عن سياسة الحروب الخارجية التي تبنّاها المحافظون الجدد في عهد الرئيس السابق جورج بوش الإبن، الذين زجّوا بأميركا في حروب باسم الديمقراطية و"تغيير النظام" وحماية الأمن القومي، وينظر أتباع "ماغا" إلى الدور الأميركي في حرب غزة وفي الشرق الأوسط عموما، لاسيما قصف المنشآت النووية الإيرانية، وحرب أوكرانيا، وأخيرا الحرب المرتقبة ضد فنزويلا،، ينظرون إلى ذلك كله كمؤشرات واضحة على سير ترامب على نهج سالفيه في سياسة "الحروب التي لا تنتهي"، التي سينجر عنها، حسبهم، تبخر مئات المليارات من الدولارات في حروب خارجية وتأجيل الاعتناء بالبنية التحتية وبالاقتصاد لفائدة الأميركيين.
ركود الاقتصاد: علّق أتباع هذا التيار الأمل على ترامب لتحسين الاقتصاد لفائدة الطبقة العاملة من الأميركيين لاسيما في الأرياف، غير أن أداء الاقتصاد بعد نحو 11 شهرا قضاها ترامب في البيت الأبيض لا يبشر بأي تحسن على المدى القصير. فمعدل التضخم عاد إلى 3 % وهو نفس الرقم المسجل في جانفي الماضي عند استلام ترامب السلطة من بايدن، ومعدل البطالة ارتفع إلى 4.4 % في شهر سبتمبر الأخير، علما أنه كان في حدود 4 % في جانفي 2025.
فالأجندة الاقتصادية لترامب القائمة على فرض رسوم جمركية على منافسي أميركا كالصين وأوروبا وكندا والمكسيك، وعلى حمائية تجارية، وتقليص موظفي الحكومة الفدرالية، وخفض الضرائب لاسيما للأثرياء،، هذه الأجندة قد لا تثمر بنتائج إيجابية سريعا لقاعدة انتخابية سئمت الانتظار. ولما شعر ترامب بغضبها أدرج مؤخرا مسألة تكاليف المعيشة الباهضة ضمن خطبه.
غير أن الخبير الاستراتيجي في الحزب الجمهوري، سكوت جينينغس، يعتبر أن مقولة موت حركة "ماغا" مغلوطة، وبرّر موقفه في برنامج مع شبكة "سي أن أن" باستطلاع للرأي أجرته نفس الشبكة يفيد بأن ترامب يحظى بدعم 87 % من الجمهوريين، وهو معدل أكبر مما كان يتمتع به الرئيسان باراك أوباما وجورج بوش الإبن.
ونذكر هنا بآخر استطلاعات الرأي التي تؤكد انخفاض شعبية الرئيس إلى أدنى المستويات، حيث كشف استطلاع نشره معهد "غالوب" (GALLUP) في 28 نوفمبر الأخير أن 36 % فقط من الأميركيين راضون على أداء ترامب.
م. ب

