مراهقون يبحثون عن إعادة بناء شخصيتهم في ظل فراغ ثقافي و علمي و فني وادبي داخل المدارس
صنع الروائي السعودي أسامة المسلم قبل ايام، الحدث في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر، بسبب الإقبال الكبير إلى حد التدافع ، من قبل المراهقين على توقيع روايته " الخوف".
و أظهرت مقاطع الفيديوهات، الكاتب السعودي، و هو محاط برجال الامن، حيث وجد صعوبة في الدخول إلى جناح المعرض، بسبب " جيوش" المراهقين الذين حاولوا الاقتراب منه، في لوحة رسمت جيلا جديدا من القراء المتعطشين لنوع الفانتازيا الذي يكتبه أسامة مسلم.
و بين موجة الانتقادات التي دق اصحابها ناقوس الخطر، كون الكاتب السعودي في نظرهم، يقدم نوعا ادبيا يتميز ب " الاحتيال" للترويج لمنتوجه، لان معظم رواياته، تحكي عن العالم الاخر، و بين فئة اخرى، ترى بان ظاهرة التدافع التي شهدها بيع الكتاب بالتوقيع، " أدبية صحية"، بامتياز، لأنها كشفت عن ميلاد جيل جديد من القراء المراهقين.
***هذه المظاهر موجودة في جميع دول العالم..
و في هذا الاطار، و من الناحية النفسية، يرى الاخصائي النفساني، خالد كداد، بان كل مراهق يعيش ازمة هوية ، و هذه الازمة، حسبه، تتطلب اعادة بناء، حيث يبحث المراهق، في عملية البناء ، على التماهيات التي تساعده في تشكيل هويته و شخصيته.
و يقول محدثنا، أن هذه التماهيات، يمكن أن يجدها المراهق، في العالم الواقعي، أو العوالم الخيالية الافتراضية، و من كل شخص يحيط به الغموض، و هذا الكتاب،يضيف، ربما أعطاه فرصة، للبحث عن هذه التماهيات ما دام صادر عن شخص، لا يعرفونه في بيئتهم الاجتماعية.
و بصفة عامة، حسب كداد، فان هذه المظاهر موجودة في جميع دول العالم.
****لا بد من تفعيل حقيقي للنوادي الثقافية والعلمية والفنية والادبية داخل المدارس...
اما الأستاذ و البيداغوجي، الأستاذ مسعود بوديبة، فاعتبر ما حدث، " ضجة" كاتب أقام الدنيا ،فى المعرض الدولي للكتاب - سيلا2024- في طبعته 27 ولم يقعدها، حيث "حج لرواقه مئات إن لم نقل الالاف، من الشباب والمراهقين والفتيات على وجه التحديد ..أي تلك الشريحة العمرية التي نتهمها بأنها عازفة عن القراءة و المطالعة ..".
و تساءل محدثنا، ان كان هؤلاء، هم أبناء عالم "الديجيتال "،والثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، "....اليس هذا الاقبال يدفعنا كبيداغوجيين ومثقفين الى البحث عن الاسباب التي جعلت من رواية الخوف للكاتب السعودي مصدر هوس لابنائنا.. خاصة ونحن ندرك ميولات هذه الفئة للعالم المادي الملموس..".
و ببحث بسيط ، يضيف، نجد أن اعمال هذا الكاتب، يتم الترويج والتسويق لها، عبر تطبيق" التيكتوك" باشراف، عميل تقني مختص، يمتلك قناة عبر اليوتيوب مخصصة لمحتوي، يهتم بمواضيع، السحر والشعودة والجن، و مواضيع الرعب والخوف والخيال، حيث يحوّل روايات وكتابات هذا الاديب، الى اشرطة صوتية، مسموعة باسلوب اقرب ما يكون، الى أسلوب الحكواتي والحلقة.
فانطلاقا من هذا السياق ، أكد بوديبة، بان الامر يتعلق بواقع ،تصبح محاولة تجاهله سذاجة ، حسبه، قد تصل الى الغباء، "..و هو واقع يفرض علينا كبيداغوجيين ومثقفين أن نتفاعل معه تفاعلا بما يليق وتداعياته الخطيرة على افكار وتوجهات وميولات ابنائنا..".
و اشار في هذا الاطار، الى ان ظاهرة الكاتب السعودي، تحيل الى الحديث عن اهتمام المدرسة، والمؤسسات الثقافية والاعلامية، بأدب الطفل وبالكتابة المتخصصة للطفل، وبالمقابل عن موقع ومكانة الادباء الجزائريين، ضمن المنظومة التعليمية، أولا والثقافية المجتمعية ثانيا.
كما تجر ايضا، الى الواقع التكنولوجي، الذي اصبح يتحكم فى ابسط تفاصيل حياتنا وسلوكاتنا، حيث أبدع فى الغاء جميع الحواجز المتعارف عليها كمسلمات، والاشكالية التي تفرض نفسها اليوم، يقول،
كيف يمكن لنا التعامل مع هذا الواقع؟ هل بالتغافل او
بالاقصاء أو بالتجريم، وهي اساليب اثبثت فشلها فى
الميدان، حسبه، ام بمحاولة إيجاد ٱليات تطبيقية
للتفاعل الايجابي، مع مثل هذه الظواهر، من خلال
التوظيف الانجع ،والاسلم لهاته التطبيقات المختلفة
واستغلالها استغلالا، مثمرا ، مع الحرص على عدم الاستهانة بما تملكه الاجيال "الحديثة" ، من ذكاء
وطاقة خارقة ، فى التعبير عن طموحاتها المستقبلية
، وفي رغبتها فى الإطلاع على العالم الخارجي ومعرفة
كل ماهو جديد..
" لابد لنا كبيداغوجيين من منح المدرسة حياة لمرافقة
ابنائنا المتمدرسين من خلال تفعيل حقيقي للنوادي
الثقافية والعلمية والفنية والادبية.. يجب أن نؤسس
لهاته الفضاءات بشكل جدي، يجعل من التلميذ
مشروع كاتب، عالم، مهندس، روائي، طبيب،فنان،
رياضي ..."
و شدد بوديبة، على ضرورة إعادة الاعتبار لعلمائنا وادبائنا " كونهم مرجعية اساسية يقتدي بها.."
***الظاهرة نابعة من الفراغ الفكري والثقافي الذي يعيشه الشباب...
اما الاخصائي و رئيس لجنة التربية بالمجلس الشعبي الوطني، سابقا، عمر معمر، فيعتقد ان هناك حالة فراغ فكري وثقافي، يعيشه الشباب ، وولعهم بكتاب الخيال والميل الى التمرد على الواقع والمعقول، هي ظاهرة عمقتها "السوشل ميديا" في الناشئة والشباب عموما ،
"الى درجة اننا اصبحنا نرى كل انواع الغرائب في عالم الوسائط الاجتماعية..".
و قال معمر عمر، بان هذا المؤلف" المغمور"، استغل ما مايستثير الشباب، " بالرغم من البيئة الدينية التي نشا فيها باعتبار السعودية هي ارض العقيدة وموطن التدين .."، محذرا، من خطر هذه الظاهرة، حيث من شانها التشويش على افكار المجتمع المسلم ، الذي
يعتبر الشعوذة وعالم الخيال ، مجرد اوهام لا اصل لها في الدين الحنيف.
اضافة الى ذلك ، أشار محدثنا، الى الاثر النفسي والاضطراب، الذي يتركه هذا النوع من الرواية، على نفسيات الشباب ، ومايخلقه من انطواء وخوف، بل وحتى مايغذيه من عنف ، كما كان الحال، ما احدثته بعض الالعاب من اثار خطيرة على أطفالنا ، في سنوات سابقة.
فحالة نقص الوعي، يضيف، جعلت الكثير من اعلام الفكر" الايجابي "، مهجورين في اروقة المعرض، رغم حجم الاضافة، التي تقدمها جهودهم لخدمة الإنسانية.
سيد علي مداني