عجيب امر بعض المحللين الفرنسيين و حتى الجزائريين الذين يعتقدون بانه لا يمكن للجزائر ان تتخلى عن فرنسا لانها توفر لنا القمح و الدواء و قطع الغيار و السيارات و أشياء أخرى!
هذا الكلام بالإضافة إلى كونه غير صحيح فانه يغذي في الواقع الانهزامية و يشجع على رفع الراية البيضاء امام اليمين الفرنسي المتصهين عدو الشعب الجزائري.
اما بخصوص القمح فيعلم القاصي والداني بان الجزائر فتحت قائمة مصدري هذا المادة لتشمل دول اخرى غير فرنسا التي كانت زمن العصابة انفردت ببيع القمح للجزائر لاكثر من عشريتين، فقد دخلت روسيا و أوكرانيا و المانيا و غيرها من الدول في قائمة الدول المصدرة للقمح و تراجعت صادرات فرنسا الى الجزائر من هذه المادة بشكل ملفت بعد ان راجعت السلطات الجزائرية دفتر الشروط الذي كان على مقاس فرنسا. و يبدو ان نجاح الجزائر في تنويع مصادر التموين و خروجها من قبضة فرنسا بخصوص القمح لم يحظى باهتمام كبير و لا بترويج إعلامي يستحق الذكر إلى درجة ان بعض السياسيين في فرنسا ذهبوا بعيدا في قضية سيطرة بلدهم على خبز الجزائريين.
و قالت فرنسا ايضا بان الجزائر لا يمكنها الاستغناء عن الدواء الفرنسي و هذا ادعاء لا اساس له من الصحة لان الصناعة المحلية تغطي جزءا من الاحتياجات و جزء آخر تتكفل به المخابر الدولية التي تعمل في الجزائر و الباقي يستورد من دول كثيرة و المؤكد انه لم تعد فرنسا تحظى بمكانة استثنائية بخصوص تصدير الدواء الى الجزائر، ربما من المفيد التذكير بان الجزائر في زمن جائحة كورونا استوردت اللقاح من الصين و ليس من فرنسا. لا بد ايضا من التذكير بان الرئيس عبد المجيد تبون عندما اصيب بكورونا انتقل الى مستشفى في المانيا للعلاج و ليس إلى مستشفى فرنسي واضعا حدا لتقليد مخزي دام عدة عشريات. و ما لا تقوله فرنسا ان قضية علاج الجزائريين في المستشفيات الفرنسية لم يكن يوما بالمجان بل كانت الدولة الجزائرية تدفع ثمنه غاليا.
و لكن الملفت ان قرار بناء مستشفى قطري الماني بسعة 400 سرير في العاصمة و ارسال المرضى الذين يحتاجون الى علاج في الخارج إلى مستشفيات غير فرنسية إلى حين دخول هذا المستشفى الخدمة قد صدم السلطات الفرنسية لانها فقدت موردا هاما من العملة الصعبة.
يمكن ايضا ان نذكر قضية الاطباء الجزائريين الذين ينتقلون بالمئات للعمل في فرنسا، من يستعل من في هذه القضية؟ من يُكَوِنْ هولاء الاطباء و من يستفيد منهم؟
و يمكن ان يقال نفس الكلام بخصوص حاجة الجزائر إلى قطع الغيار و إلى السيارات، العلامات التي حصلت على ترخيص لفتح مصانع و تصدير السيارات هي علامات إيطالية و صينية و جنوب كورية و لم تحصل لاول مرة منذ استقلال الجزائر العلامات الفرنسية على رخص التصدير او فتح وحدات تركيب و انتاج في الجزائر.
من يعتقد بان الجزائر لا يمكنها الاستغناء عن فرنسا في كل شيء جاهل لا يفقه في السياسة و الاقتصاد و الجيواستراتيجية، بل يعمل من حيث يدري او لا يدري لصالح مصالح فرنسا و ليس لصالح مصالح الجزائر. فان السؤال الحقيقي ليس هل يمكن للجزائر ان تستغني عن فرنسا بل السؤال هو هل يمكن لفرنسا ان تستغني عن الجزائر!
احمد العلوي