الحراك الإخباري - هل نتفاءل بخطة ترامب للسلام في غزة والشرق الأوسط؟
إعلان
إعلانات الصفقات العمومية - ANEP
إعلان

هل نتفاءل بخطة ترامب للسلام في غزة والشرق الأوسط؟

منذ 6 ساعات|الأخبار

 من واشنطن: محمود بلحيمر


أراد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يجعل من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حدثا كبيرا للغاية. قدّمه كإنجاز تاريخي له لم يقدر على تحقيقه من سبقوه من الرؤساء الأميركيين، وزعم أنه نجح في حلحلة نزاع مستعصي يعود لثلاثة آلاف عام. وكما يشتهي دائما، نال ترامب كمًا هائلا من عبارات التبجيل والمدح في إسرائيل، حيث خطب أمام الكنيست، وفي شرم الشيخ بمصر، حيث وقع اتفاق إنهاء الحرب في غزة أمام عدد من قادة العالم.

ترامب تحدث عن "الفجر التاريخي للشرق الأوسط الجديد" و "تحقيق السلام والازدهار لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها".. إلخ، لكن هل هذا كاف لكي نتفاءل بانطلاقة فعلية لإطار عملي يضمن السلام الدائم في المنطقة؟

وقف حرب الإبادة وعودة الرهائن.. أهم إنجازات خطة ترامب

عمليا، مكّن اتفاق غزة من وقف آلة الحرب الإسرائلية التي انخرطت منذ عامين في حرب إبادة ضد الفسطينيين، وفق الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية وخبراء الإبادة، والتي خلّفت لحد الآن أكثر من 60 ألف قتيل في صفوف الفلسطينيين وعشرات الآلاف من الجرحى وتدمير شبه كامل للبنية التحتية بغزة ومأساة إنسانية لم نشهد مثلها حرب فيتنام. كما سمح الاتفاق بإنهاء كابوس الرهائن الإسرائليين الذين يحتجزهم مسلحو حماس، والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائلية. وهذا في حد ذاته يعتبر إيجابيا للغاية بعد عامين من الحرب.

كان بإمكان ترامب أن يوقف الحرب في الأسابيع الأولى لتسلمه السلطة في البيت الأبيض، لكنه انتظر سبعة شهور كاملة شعر خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه مطلق اليدين في حربه المدمرة على غزة. نتنياهو سلك منذ بداية الحرب نهج "القوة المفرطة" لتحقيق ما يريده على الأرض، وواشنطن لم تعترض على ذلك. غير أن التداعيات الكارثية للحرب والضغوط الدولية، ومنها اعتراف حلفاء أميركا بالدولة الفلسطينية، وبقاء واشنطن معزولة في هذا الموضوع، حفّز ترامب للضغط على نتنياهو لكي يقبل بخطته لوقف الحرب، علما أن تلك الخطة صاغها حلفاء نتنياهو (كوشنر وويتكوف وبلير)، وأدخل عليها نتنياهو تعديلات خلال تواجده بواشنطن قبل الإعلان الرسمي عنها برفقة ترامب، وفق ما كشف عنه موقع "أوكسيوس" الإخباري الأميركي، وهو ما أثار غضب مسؤولين من الدول العربية والإسلامية التي قالت إن الوثيقة التي نشرها البيت الأبيض مغايرة لتلك التي توافقت عليها مع ترامب.

لكن خطة ترامب مكّنت، كحد أدنى، من وقف إبادة شعب غزة وتهجير الفلسطينيين من القطاع، وهي سياسة برهنت عليها الحكومة اليمينية في إسرائيل بالأقوال كما بالأفعال.

ما ردده ترامب والكلام الذي سمعناه في إسرائيل وفي شرم الشيخ يوم الإثنين يبقى ضمن المظاهر الاحتفالية الشكلية، وما يهلل له لا يتناسب في حقيقة الأمر مع مضمون وثيقة الاتفاق. إنها مجرد نوايا حسنة للسلام وللعمل على تحقيق ازدهار ورقي المنطقة لكنها تفتقد إلى استراتيجية عملية لتجسيدها، والتي لطالما نادت بها شعوب المنطقة وقادة العالم. وهذا ما تضمنته الوثيقة الموقع عليها في شرم الشيخ والتي نشرها البيت الأبيض، ومن بين ما ورد فيها: "نلتزم بموجب هذا بحل النزاعات المستقبلية من خلال الحوار الدبلوماسي والتفاوض بدلا من القوة أو الصراعات المطولة. نُقرّ بأن الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحمل دوامة مستمرة من الحروب المطولة، والمفاوضات المتعثرة، أو التطبيق المجزأ أو الناقص أو الانتقائي للشروط التي تم التفاوض عليها بنجاح. يجب أن تكون المآسي التي شهدناها خلال العامين الماضيين بمثابة تذكير عاجل بأن الأجيال القادمة تستحق ما هو أفضل من إخفاقات الماضي..."

مجرد نوايا وخطاب خاوي

هذا النوع من الخطاب، الإنشائي والخاوي، ورد في وثائق أخرى سابقة منذ اتفاقات أوسلو لعام 1993، مرورا باللجنة الرباعية الدولية (التي اختفت من دون أن يسأل عنها أحد) إلخ، وبقيت حبرا على ورق. فمالذي سيجعل هذه النوايا قابلة للتجسيد هذه المرة؟ هناك ثلاثة أسباب تدعو

إلى التشاؤم إزاء خطة ترامب:

الأول؛ إن الخطة تتجاهل، كما تجاهلت سياسته خلال ولايته الأولى، جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وهو الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ورفض إسرائيل لتقرير مصير شعب فلسطين الخاضع للاحتلال. فالإدارة الأميركية لا تزال ترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رغم اعتراف 157 دولة بها. وفي الخطة التي أعلن عنها ترامب ونتنياهو في 29 سبتمبر الماضي ورد في البند ما قبل الأخير ما يلي: " بينما تتقدم عملية إعادة تنمية غزة، وعندما يُنفذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، قد تتهيأ الظروف أخيراً لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة، وهو ما ندرك أنه طموح الشعب الفلسطيني."

الكثير من المتابعين اعتبروا أن ربط مسار قيام دولة فلسطينية بإصلاح للسلطة، لم يتم الاتفاق على مضمونه وعن الجهة التي لها الأهلية لكي تقر بأن الإصلاح كامل، يُعد فخا للتهرب من تحقيق شرط الدولة. مع الإشارة إلى أن السلطة الفلسطينية تعرضت لإضعاف ممنهج من الحكومة الإسرائيلية، وهذا تناقض صارخ. والتناقض الثاني هو أن نتنياهو، الطرف الرئيسي في عملية السلام، كرر مرارا على مسامع العالم بأنه يرفض بشكل قاطع قيام دولة فلسطينية، ويفتخر بأنه الوحيد القادر على منع حدوث ذلك.

الثاني: أن ترامب يعتقد أنه بإمكانه تحقيق السلام، من المنظور الأميركي الإسرائيلي، عن طريق استعراض القوة والاستخدام المفرط للقوة العسكرية. وقد تحدث بافتخار أمام الكنيست الإسرائلية بقوله: "لقد حققت إسرائيل كل ما يمكن تحقيقه بقوة السلاح. والآن حان الوقت لتحويل هذه الانتصارات على الإرهابيين في ساحة المعركة إلى الجائزة الكبرى: السلام والازدهار في الشرق الأوسط بأسره"، وتحدث عن ضربه للمنشآت النووية الإيرانية إلخ.. لكن التجارب السابقة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وسوريا أثبتت أن إلقاء القنابل لن يخلف سوى الخراب وسيزرع بذور حرب قادمة وعدم الاستقرار لعقود أخرى.

الثالث: أن ترامب متمسك بما يسمى "اتفاقيات إبراهيم" لإحلال السلام في الشرق الأوسط على أساس توفير الحوافز الاقتصادية لشعوب المنطقة ودخول الدول المجاورة لإسرائيل في علاقات طبيعية معها تعود بالنفع الكثير على الجميع، لكن في ظل تجاهل تام للفلسطينيين! مهندس الاتفاقات صهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر يبرر ذلك بأنه لا جدوى من المواصلة في الحلول الفاشلة السابقة، ولكنه يتماهى مع السردية الإسرائيلية بألا وجود لاحتلال ولشعب يعيش في ظل نظام ميز عنصري بائن. غير أن حرب غزة أثبتت أنه لا يمكن القفز على وقائع رئيسية على الأرض وهي الشعب الفلسطيني، اللهم إلا إذا تم المضي قدما في حرب الإبادة والتهجير القسري للفلسطينيين.

خلال الأيام المقبلة ستتكشف تعقيدات خطة ترامب للسلام وستظهر النوايا الحقيقية لبعض بنودها الغامضة ولمحدوديتها في معالجة الحقائق على الأرض أيضا، لكن ما ستعرفه شعوب العالم أجمع هو الحدود التي بلغتها الوحشية الإسرائيلية في حربها على غزة. فمع وقف القصف ستتمكن كاميرات المصورين من نقل حجم الدمار الذي ألحقته آلة الحرب الإسرائيلية بالبنية التحتية وبالآلاف الأخرين الذين لا يزالون تحت الأنقاض.


م. ب

تاريخ Oct 14, 2025