الحراك الإخباري - أزمة العملات الأجنبية في الجزائر: دعوة لإصلاح استراتيجي
إعلان
إعلان

أزمة العملات الأجنبية في الجزائر: دعوة لإصلاح استراتيجي

منذ شهر|اقتصاد

 

أصبحت مسألة توفر العملات الأجنبية في الجزائر قضية حاسمة تؤثر على اقتصاد الأمة وحياة مواطنيها اليومية. من استيراد السلع الأساسية إلى البحث عن العلاج الطبي في الخارج، أدى اعتماد الجزائريين على العملات الأجنبية إلى ازدهار السوق الموازية، المعروفة محليًا باسم "سوق السكوار". هذا السوق غير المنظم يقوض جهود الحكومة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ويزيد من الأعباء المالية على السكان. يستعرض هذا المقال الأسباب الجذرية لنقص العملات الأجنبية، وتأثيره على مختلف القطاعات، ويقترح خطة استراتيجية لمعالجة الأزمة خلال السنوات الأربع المقبلة. 

من يستخدم العملات الأجنبية في الجزائر؟

يتم تحفيز الطلب على العملات الأجنبية في الجزائر من قبل خمس فئات رئيسية:

مستوردي السيارات

يتطلب سوق السيارات الجزائري حوالي 250,000 مركبة جديدة سنويًا لتلبية طلب المستهلكين. بسبب قيود الاستيراد وركود قطاع التصنيع المحلي، أدى نقص السيارات الجديدة إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار السيارات المستعملة. بشكل لافت، السيارة التي تم شراؤها بمليوني دينار في عام 2010، حتى بعد تجاوزها 200,000 كيلومتر، تُباع الآن بأكثر من سعرها الأصلي, وهو شذوذ يتحدى المبادئ الاقتصادية الأساسية.

المسافرون للعلاج الطبي

يسافر حوالي 10,000 جزائري سنويًا إلى الخارج للعلاج الطبي. نظرًا للقيود في تبادل العملات عبر القنوات المصرفية الرسمية، يلجأ هؤلاء الأفراد غالبًا إلى السوق الموازية، مما يزيد من الطلب على العملات الأجنبية.

الحجاج والمعتمرون

في عام 2023، أدى حوالي 43,000 جزائري فريضة الحج، وتوجه حوالي 470,000 لأداء العمرة. تتطلب هذه الواجبات الدينية مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية، التي تُكتسب عادةً بأسعار مرتفعة بسبب محدودية التخصيصات الرسمية.

الاستيراد

بلغت فاتورة استيراد الجزائر 41.85 مليار دولار في عام 2023، مما يعكس اعتماد البلاد الكبير على السلع الأجنبية. تحتاج الشركات التي تستورد مجموعة واسعة من المنتجات المواد الغذائية إلى المعدات الصناعية احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية، مما يضع ضغطًا إضافيًا على العملة الوطنية.

المسافرون للسياحة

مع سفر 12 مليون جزائري إلى الخارج في عام 2023، فإن الطلب على العملات الأجنبية لأغراض السياحة كبير. دفعت القيود على تبادل العملات الكثيرين إلى السوق الموازية، مما فاقم نقص العملة. 

التأثير على الاقتصاد والمجتمع

أدى ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية إلى اتساع الفجوة بين أسعار الصرف الرسمية والموازية. اعتبارًا من أواخر عام 2024، يتم تداول اليورو بحوالي 265 دينارًا في السوق الموازية، وهو أعلى بكثير من السعر الرسمي البالغ حوالي 140 دينارًا. هذا التفاوت يحفز استخدام القنوات غير المنظمة ويقوض مصداقية القطاع المصرفي.

في محاولة للسيطرة على تدفقات العملة، أصدرت الحكومة الجزائرية مرسومًا في أكتوبر 2024، يقيد المبلغ السنوي من العملات الأجنبية التي يمكن للمسافرين تصديرها إلى 7,500 يورو لكل شخص سنويا. في السابق، كان يمكن أخذ هذا المبلغ في كل رحلة. بينما كان الهدف هو كبح المضاربة والحفاظ على احتياطيات العملة، فإن هذه السياسة قد كثفت الطلب بشكل غير مقصود في السوق الموازية. يتوقع المضاربون تجاوز قيمة اليورو 300 دينار بحلول نهاية عام 2024، مما قد يؤدي إلى مزيد من انخفاض قيمة الدينار وتصاعد التضخم.

تداعيات هذه التطورات واسعة النطاق:

عدم الاستقرار الاقتصادي

يؤدي ضعف الدينار إلى زيادة تكلفة الواردات، مما يساهم في التضخم وتآكل القدرة الشرائية.

الضغوط الاجتماعية

تؤثر زيادة تكلفة المعيشة بشكل غير متناسب على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، مما يؤدي إلى عدم الرضا العام.

تآكل الثقة

تقلل التغييرات السياسية المتكررة دون تحسينات ملموسة من ثقة الجمهور في المؤسسات الحكومية.

اقتراح استراتيجي للإصلاح

لمعالجة أزمة العملات الأجنبية، هناك حاجة إلى استراتيجية شاملة قائمة على البيانات. يوضح المخطط التالي نهجًا مرحليًا خلال السنوات الأربع المقبلة، بهدف موازنة الاحتياجات الفورية مع الاستقرار الاقتصادي طويل الأجل.

1. ضبط استيراد السيارات

حصص الاستيراد

تحديد استيراد السيارات بـ250,000 مركبة في عام 2025، وزيادتها إلى 300,000 في عام 2026، و325,000 في عام 2027، و350,000 في عام 2028. تتماشى هذه الزيادة التدريجية مع طلب السوق مع السماح بالوقت لتطوير القدرات التصنيعية المحلية.

بدل تبادل العملات

السماح للمواطنين بتبادل ما يصل إلى 10,000 يورو في البنوك الرسمية لشراء المركبات. بالنسبة للمركبات التي تزيد تكلفتها عن 10,000 يورو، يجب على المشترين تأمين الأموال الإضافية بشكل مستقل. تهدف هذه الخطوة إلى توجيه تبادل العملات عبر القنوات الرسمية، مما يقلل الاعتماد على السوق الموازية.

متطلبات مدة الملكية

تنفيذ سياسة تتطلب من المالكين الاحتفاظ بالمركبات المستوردة لمدة لا تقل عن 48 شهرًا قبل إعادة البيع. سيؤدي البيع قبل هذه الفترة إلى فرض ضريبة بنسبة 50% على السعر الأولي للمركبة، مما يثني عن الشراء والبيع المضارب.

التداعيات المالية

ستخصص الحكومة حوالي 2.5 مليار دولار في عام 2025 لهذه المبادرة، وترتفع تدريجيًا إلى 3.5 مليار دولار بحلول عام 2028.

2. استمرار القوانين الحالية بخصوص الاستيراد

الاستقرار في اللوائح

الحفاظ على القوانين الحالية لضمان الاستقرار التنظيمي، ومنع التغييرات المفاجئة التي قد تزعزع الأسواق والمستثمرين.

3. تنظيم الرحلات الدينية

فريضة الحج

مواصلة دعم الحكومة للمشاركين في الحج، تقديرًا لأهميتها الدينية.

رحلات العمرة

السماح للمواطنين بشراء ما يصل إلى 2,000 يورو من البنوك لأداء العمرة مرة كل أربع سنوات. ستكلف هذه السياسة الحكومة حوالي 940 مليون دولار في عام 2025، مع انخفاض التكاليف في السنوات اللاحقة مع تنظيم السياسة للطلب.

4. دعم المسافرين للعلاج الطبي والسياحة

المسافرون للعلاج الطبي

الحفاظ على الدعم الحالي للمواطنين الذين يسعون للعلاج الطبي في الخارج، وضمان حصولهم على الأموال اللازمة عبر القنوات الرسمية.

السياح

زيادة مخصص العملات الأجنبية السنوي إلى 1,000 يورو لكل شخص. لتعويض ذلك، يجب على أفراد الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج عند دخولهم البلاد تبديل حد أدنى قدره 200 يورو إلى دينار في البنوك الرسمية. سيسهل تركيب أكشاك صرف العملات في المطارات والمعابر الحدودية هذه العملية. تُقدر التكلفة الصافية السنوية للحكومة بين 3 مليارات و5 مليارات دولار. 

المبرر الاقتصادي

بينما يُقدر إجمالي التكلفة السنوية لهذه الاستراتيجية بحوالي 8 مليارات دولار، إلا أن الاستثمار مبرر لعدة أسباب:

تحفيز الاقتصاد

من خلال تسهيل الاستيراد وإنفاق المستهلكين، يمكن للحكومة تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل.

تقليل الاعتماد على السوق الموازية

سيؤدي تعزيز الوصول إلى العملات الأجنبية عبر القنوات الرسمية إلى تقليل جاذبية السوق الموازية، مما يساعد على استقرار أسعار الصرف.

رفع الروح المعنوية العامة

يمكن أن يؤدي تلبية الاحتياجات الاستهلاكية الملحة مثل الوصول إلى المركبات والسفر الميسرإلى تحسين المشاعر العامة والتماسك الاجتماعي.

نظرًا لاحتياطيات الجزائر من العملات الأجنبية وعائداتها من المحروقات والصادرات الأخرى، فإن الحكومة في وضع يسمح لها بتنفيذ هذه الاستراتيجية دون تعريض الاستقرار المالي للخطر. 

بناء صناعة سيارات محلية

يشكل تطوير صناعة سيارات محلية قوية بحلول عام 2028 حجر الزاوية في الحل طويل الأجل:

أهداف الإنتاج

السعي لتصنيع ما لا يقل عن 300,000 مركبة سنويًا خلال الأربع سنوات القادمة، مما يقلل الاعتماد على الواردات ويخلق فرص عمل.

جذب الاستثمار

تقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية والدعم وتبسيط العمليات التنظيمية لجذب المستثمرين الأجانب والمحليين.

تنويع العلامات التجارية

تشجيع مزيج من العلامات التجارية الدولية والمحلية لإنشاء مصانع تصنيع في الجزائر، مما يوفر للمستهلكين مجموعة من الخيارات.

التخلص التدريجي من الواردات

بمجرد أن تلبي الصناعة المحلية طلب السوق، فرض قيود صارمة على استيراد المركبات وإلغاء دعم الدولة للاستيراد الخاص لحماية المصنعين المحليين.

 

النتائج المتوقعة

من المتوقع أن يؤدي تنفيذ هذه الخطة الاستراتيجية إلى فوائد كبيرة:

تنويع الاقتصاد

سيساهم تطوير قطاع السيارات في تنويع الاقتصاد الجزائري، مما يجعله أقل اعتمادًا على أسعار السلع المتقلبة.

خلق فرص عمل

ستخلق المصانع الجديدة والصناعات المرتبطة بها فرص عمل، مما يقلل من معدلات البطالة.

استقرار العملة

من خلال معالجة الأسباب الجذرية للطلب على العملات الأجنبية، يجب أن تساعد الاستراتيجية في استقرار الدينار وتقليل التضخم.

تحسين جودة الحياة

سيؤدي تحسين الوصول إلى السلع والخدمات، جنبًا إلى جنب مع النمو الاقتصادي، إلى تعزيز مستويات المعيشة والمعنويات العامة. 

الخلاصة

تواجه الجزائر لحظة حاسمة في معالجة أزمة العملات الأجنبية. التحديات معقدة، ولكن مع استراتيجية منظمة وقائمة على البيانات، يمكن للأمة أن تسير نحو الاستقرار الاقتصادي والنمو. من خلال إدارة الواردات بعناية، وتعزيز الصناعات المحلية، وتنظيم تدفقات العملة، يمكن للجزائر تقليل اعتمادها على السوق الموازية وبناء اقتصاد أكثر مرونة.

تتطلب الخطة المقترحة لأربع سنوات التزامًا وتعاونًا بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والشعب. سيكون التواصل الشفاف والتنفيذ المتسق للسياسات مفتاحًا لنجاحها. حان وقت العمل الآن، لضمان مستقبل مزدهر للجزائر وشعبها.

 

شيخي زهير 

مهندس مختص في الاقتصاد و النفط

تاريخ Nov 25, 2024