الحراك الإخباري - ترامب يريد الإطاحة بمادورو
إعلان
إعلانات الصفقات العمومية - ANEP
إعلان

ترامب يريد الإطاحة بمادورو

منذ 5 ساعات|الأخبار

من واشنطن: محمود بلحيمر

يفتخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه "أوقف سبع حروب" منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، وبأنه يستحق أن يُتوَّج بجائزة نوبل للسلام لسعيه إلى إرساء السلام في العالم، وفي الوقت نفسه يصعّد من تحركاته العسكرية، على نحو غير مسبوق، ضد فنزويلا بحجة محاربة تهريب المخدرات. ومن بين القراءات المتداولة لهذا التحرك الأميركي أن ترامب يريد تغيير النظام في كاراكاس. لكن هناك أسئلة تُثار حول كيفية تحقيق هذا السيناريو على الأرض، لاسيما وأن ترامب وحركته "ماغا" يعاديان استراتيجية شن الحروب بهدف "تغيير النظام" و"بناء الأمم" (Nation-building) التي انتهجها المحافظون الجدد خلال إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن.

يواصل الجيش الأميركي قصف قوارب في منطقة البحر الكاريبي بزعم أنها تنقل مخدرات داخل المياه القريبة من فنزويلا. وإلى غاية الثلاثاء 22 أكتوبر، تم استهداف ما لا يقل عن ثماني سفن في منطقة البحر الكاريبي، ما أسفر عن مقتل نحو 34 شخصًا في هذه الغارات. وتقول إدارة ترامب إن ذلك يندرج في إطار سياستها التي تصنف مهربي المخدرات على أنهم "مقاتلون غير شرعيين" يجب التعامل معهم بالقوة العسكرية.

عمليات سرية للـ"سي آي إي" داخل فنزويلا

لكن أحداثًا أخرى متسارعة تفيد بأن التحركات الأميركية في منطقة الكاريبي تتجاوز بكثير الحرب على تجار المخدرات؛ فقد أكد ترامب يوم 15 أكتوبر الجاري أنه منح موافقته لوكالة المخابرات المركزية (سي آي إي) على إجراء عمليات سرية في فنزويلا، دون أن يفصح عن طبيعة هذه العمليات. وجاء تأكيد ترامب بعدما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة ترامب منحت الوكالة تفويضًا لتنفيذ عمليات سرية في فنزويلا، دون الإشارة إلى عمليات محددة. وبرّر ترامب القرار بأن "فنزويلا أفرغت سجونها في الولايات المتحدة"، ولأن هناك "كميات كبيرة من المخدرات قادمة من فنزويلا".

وألمح ترامب إلى احتمال قيام الجيش الأميركي بملاحقة "المهرّبين" على الأراضي الفنزويلية، إذ صرّح قائلًا: "لقد أوقفنا تقريبًا تهريب المخدرات عبر البحر، والآن سنتجه إلى البر لأننا نسيطر على البحر بشكل جيّد للغاية". علمًا أن عملًا كهذا يفتقد لأي سند قانوني ويخالف بشكل صارخ القانون الدولي، كما أثار تساؤلات لدى مشرّعين في الكونغرس الأميركي.

وزيادة على ذلك، وفي استعراض واضح للقوة، حلّقت قاذفات القنابل الإستراتيجية الأميركية B-52 بالقرب من سواحل فنزويلا، ترافقها مقاتلات الشبح F-35B التابعة لمشاة البحرية الأميركية. وأظهرت صور نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي القاذفات الإستراتيجية وهي تنفّذ طلعات طويلة المدى فوق الجزء الجنوبي من بحر الكاريبي.

وينبغي التذكير بإعلان وزارة العدل الأميركية في منتصف شهر أغسطس الماضي مضاعفة المكافأة المرصودة مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، لتصل إلى 50 مليون دولار، وحينها قالت وزيرة العدل بام بوندي إن "مادورو مرتبط مباشرة بعمليات تهريب المخدرات".

روبيو أقنع ترامب بفكرة تغيير النظام في فنزويلا

هل يمكن فهم هذه التحركات على أنها تندرج في سياق ممارسة أقصى الضغوط على مادورو لدفعه إلى تقديم تنازلات لصالح الولايات المتحدة، لاسيما في قطاع الطاقة؟ أم أن الأمر يتعلق بعمل ممنهج لتغيير النظام في كاراكاس؟

من الواضح أن الإجراءات المشار إليها تتجاوز بكثير الضغوط الاقتصادية والسياسية المعتادة التي تتوخى منها واشنطن إرغام حكومة ما على تغيير سلوكها. فنحن أمام استعراض للقوة وتحركات عملياتية غير مسبوقة إزاء حكومة مادورو، ربما لمواجهة الربع ساعة الأخير.

وفق وسائل إعلام أميركية، فإن وزير الخارجية ماركو روبيو، وهو أيضًا مستشار الأمن القومي، يريد أن يرى الرئيس مادورو خارج السلطة، وقد نجح – على الأقل في الوقت الحالي – في إقناع ترامب ومعظم بقية الإدارة بدعم أجندته لتغيير النظام، تحت ستار سردية مكافحة المخدرات. صحيفة "واشنطن بوست" نقلت أن روبيو ومدير "سي آي إي" جون راتكليف يفضلان هذا النهج.

لكن هذا النهج لا ينسجم مع تيار "ماغا" الداعم لترامب وما روّج له خلال حملته الانتخابية للرئاسيات؛ إذ أبدى معارضة شديدة للحروب من أجل تغيير الأنظمة التي كلّفت أميركا أكثر من 6 تريليونات دولار منذ مطلع الألفية، وفق قوله. لقد ركّزت فلسفة هذا التيار على ضرورة وقف الانغماس في الحروب الخارجية واستثمار الأموال داخل أميركا وفق شعار "أميركا أولًا".

غير أن الشعارات السياسية الموجهة أساسًا لتحشيد الناخبين كثيرًا ما تسقط أمام توجهات المتحكمين في المؤسسة السياسية في واشنطن وحسابات المصلحة الاستراتيجية في إعادة ترتيب "الفناء الخلفي" لأميركا، الذي تُعد فنزويلا جزءًا رئيسيًا منه. وبما أن فنزويلا غنية بالنفط (مصنفة الأولى عالميًا من حيث احتياطات النفط بنحو 303 مليارات برميل)، ومرتبطة بعلاقات قوية مع منافسي أميركا: الصين وروسيا وإيران، فهذا يفسر تركيز ترامب على تصعيد المواجهة ضد كاراكاس.

في ذات السياق، ووفق وسائل إعلام أميركية، فقد أوقف ترامب مؤخرًا جهود ريتشارد غرينيل، مبعوثه الخاص، للتفاوض على صفقة يسمح بموجبها مادورو للولايات المتحدة بالوصول إلى المعادن النادرة والنفط في فنزويلا، ويُقلص علاقاته مع الصين وروسيا وإيران، مقابل تخفيف واشنطن ضغوطها. وفي الوقت نفسه رفضت واشنطن مقترحًا قدمه مسؤولون كبار في الحكومة الفنزويلية يقضي بتنحي مادورو عن السلطة بعد ثلاث سنوات وتسليم الحكم لنائبته ديلسي رودريغيز لإكمال الولاية الحالية حتى يناير 2031، على ألا تترشح للانتخابات المقبلة.

واشنطن تراهن على حدوث شرخ في نظام مادورو

يبدو أن الرئيس ترامب ماضٍ في سياسة الضغوط القصوى على نظام مادورو لإرغامه على التنحي. وقد عبّر عن ذلك صراحة السيناتور الجمهوري البارز ليندزي غراهام في تصريحات لقناة "فوكس نيوز" يوم الأحد 19 أكتوبر، عندما قال: "إن ترامب سيطيح بمادورو".

كيف سيتم ذلك؟ في السابق، راهنت واشنطن على العقوبات الاقتصادية ودعم المعارضة، مثل اعترافها في عام 2019 بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيسًا مؤقتًا للبلاد، لكي تنهار حكومة مادورو، لكن ذلك النهج لم يحقق النتائج المرجوة. ويبدو أن واشنطن تراهن هذه المرة على حدوث شرخ داخل نظام مادورو، أو تمرد عسكري قد يدفعه إلى التنحي.

إليوت إبرامز، المسؤول عن سياسة فنزويلا في وزارة الخارجية الأميركية خلال ولاية ترامب الأولى، صرّح لصحيفة "واشنطن بوست" بشأن عمليات "السي آي إي" في فنزويلا بأنها لا تعني بالضرورة عملًا عسكريًا فحسب، مشيرًا إلى محاولات اختراق الجيش الفنزويلي أو شن عمليات حرب نفسية قد تدفع مادورو إلى الفرار إلى المنفى.

وطبعًا هذه أماني صقور نهج "تغيير النظام" في واشنطن حيال الأنظمة التي تُصنَّف بأنها معادية لأميركا، لكن النظام في فنزويلا أظهر صلابة كبيرة منذ عهد هوغو شافيز عام 1999. ولجوء واشنطن إلى عمل عسكري ضد بلد شاسع كهذا أمر مستبعد جدًا.

فهل ستفلح حملة الضغوط الأميركية في إطاحة نظام مادورو، أم ستقبل بصفقة معه تمنحها السيطرة على النفط والمعادن الثمينة؟ سنرى.

م. ب

تاريخ Oct 23, 2025