الحراك الإخباري - أفضل رواية بوليسية فرنسية: "جريمة في باريس"
إعلان
إعلان

أفضل رواية بوليسية فرنسية: "جريمة في باريس"

منذ 3 سنوات|قراءة في كتاب


صدرت مؤخرا رواية "جريمة في باريس" للأديبة العالمية صوفي إيناف عن دار العربي للنشر والتوزيع، وترجمة عصام الشحادات.
تمتعت هذه الرواية عند صدورها بشهرة واسعة، وفازت بالعديد من الجوائز، أهمها: جائزة "أفضل رواية بوليسية فرنسية"، وجائزة "أفضل سلسلة بوليسية في فرنسا" والتي تلقتها في مهرجان "كيه ديه بولار"، وجائزة "أرسين لوبين" الأدبية لأفضل رواية بوليسية.

تقدِّم المؤلفة، صوفي إيناف، قصة مجموعة من الضباط الذين قررت إدارة شرطة باريس أنهم لم يعد لهم مكانًا وسطهم، ولكن في الوقت نفسه، لا تريد الإدارة تسريحهم، فيتم عمل قسم خاص بهم وتلقى عليهم جميع القضايا التي قُيضت ضد مجهول، أو لم يتم حلَّها، والسبب هو أن الإدارة تريد أن تصبح ناجحة تمامًا وأن يلقى بكل الفشل على القسم الجديد.
وُلدت صوفي إيناف عام 1972، وهي صحافية، ومؤلفة. بدأت مهنتها في الصحافة ناقدة بمجلة "ليون بوش"، قبل أن تنتقل إلى باريس لتعمل بالـ"كوزموبوليتان"، وهي مجلة دولية للمرأة. حيث لها عامود خاص بها تحت عنوان "لا كوزموليت". "جريمة في باريس" هي أول جزء من أول سلسة جريمة تؤلفها، نشرت عام 2015، ونالت جائزة أفضل رواية بوليسية فرنسية، وجائزة أفضل سلسلة بوليسية في فرنسا في مهرجان "كيه ديه بولار" للأعمال البوليسية، وجائزة "أرسين لوبين" الأدبية لأفضل رواية بوليسية.

وهذه نبذة عن الرواية الشيقة: في أحد الأيام تقرر إدارة شرطة باريس أن مجموعة من ضباطها لم يعد لهم مكانًا وسطهم، لكنهم في الوقت نفسه لا يريدون تسريحهم، لذلك يتم عمل قسم خاص لهم وتُلقى عليه جميع القضايا التي قُيدت ضد مجهول أو لم يتم حلها، لتصبح الإدارة ناجحة تمامًا، ومن أجل أن يلقوا بكل الفشل على ذلك القسم.
هذا القسم يتكون من سيئ الحظ الذي يموت أو يُصاب كل مَن يعمل معه، وغريب الأطوار الذي يراقب الجميع في صمت، وكاتبة سيناريو أعمال بوليسية مهووسة بالنظافة والديكور، والعجوز الذي أدمن المخدرات، وظابطة احترفت القمار، وغيرهم.
توزع القضايا القديمة كلها عليهم ليبدؤوا التحقيق فيها، محاولين الإثبات للجميع ولأنفسهم أولًا أنهم على الرغم من كونهم منبوذين فإنهم قادرون على حل أعقد الجرائم، ولكن مفاجأة كبيرة تواجههم جميعًا في النهاية. وسؤال واحد سيجول بخاطرهم:
هل كان وضعهم معًا في قسم واحد عقابًا لهم، أم كان أمرًا مقصودًا؟!
باريس، 9 أغسطس 2012...وقفت "آن كابستان" تنظر من نافذة المطبخ بانتظار طلوع الفجر. شربت ما تبقى في الفنجان دفعة واحدة، ووضعته على الطاولة المُغطاة بمشمّع أخضر، ربما يكون هذا آخر فنجان قهوة تشربه بصفتها شرطية.. وربما لا، فالمفتشة اللامعة "كابستان"، نجمة جيلها، الضابطة ذات التاريخ الوظيفي المشرف، قد أطلقت رصاصة في غير محلها، فتم تحويلها للمثول أمام المجلس التأديبي، وتعرضت للوم والتأنيب من كل حدب وصوب قبل أن يتم إيقافها عن الخدمة لستة أشهر، ثم ساد الصمت حياتها تمامًا، حتى رن تليفونها وكان على الطرف الثاني "بورون"، معلمها الذي أصبح رئيس إدارة الشرطة الجنائية في باريس، وقد قرر أخيرًا أن يخرج عن صمته. كان اتصال "بورون" لاستدعائها، وقد حدد لها يوم 9 أغسطس، في منتصف موسم الإجازات الصيفية؛ موعد يليق بعادات الرجل، فهو يذكِّر المفتشة بأنها ليست في إجازة، وأنها غير موظفة في الوقت نفسه.
ستخرج "كابستان" من تلك المقابلة إما شرطية أو مرفودة، بوظيفة في باريس أو في الأرياف لا يهم، لكن على الأقل أن تخرج وقد استقر أمرها على شيء؛ أيِّ شيء أفضل من هذا التوهان، والضبابية التي كانت تمنعها من المضي قدمًا.
غسلت المفتشة فنجانها في الحوض، وقالت لنفسها: "سأضعه في غسالة الأطباق لاحقًا"؛ كان عليها أن تخرج.
عبرت الصالون، الذي ارتفعت في جنباته أغاني "براسانس" الكلاسيكية. شقة "كابستان" كبيرة ومريحة، ولم تكن المفتشة تبخل على المفارش ولا على الإضاءة، وكان يبدو أن قطتها توافق على خياراتها في الديكور إذ بدت سعيدة وهي تخرخر. مع ذلك، كان ثمة آثار فراغات متناثرة وسط هذا الديكور الحميمي، تشبه بقع الجليد على العشب في الربيع؛ ذلك أنه في اليوم التالي لوقفها عن العمل، تركها زوجها وأخذ معه نصف المفروشات من الشقة، كان واحدًا من تلك الأيام التي توجه لك فيها الحياة صفعة قاسية، لكن "كابستان" لم تكن من النوع الذي يبالغ في لوم الذات والشفقة، فهي المسؤولة عمَّا حدث لها.
بعدها بثلاثة أيام فقط، كانت قد عوضت الأمور المهمة: مكنسة كهربائية وتليفزيون وكنبة وسرير، ومع ذلك، كانت ثمة آثار دائرية على الموكيت لا تزال تشير إلى موضع الكراسي في حياتها السابقة، أما على ورق الجدران، فالآثار كانت أوضح: هنا ظلال لوحة، وهنا شبح مكتبة، وهناك كان يوجد دولاب. كان بود "كابستان" أن تنتقل إلى بيت آخر، لكنها كانت معلقة بسبب وضعها الوظيفي، والآن ستعرف أخيرًا في أي اتجاه ستذهب حياتها بعد موعدها الجديد مع مديرها.
نزعت شريطة الشعر التي تحتفظ بها في معصمها، وربطت بها شعرها الذي تحول إلى اللون الأشقر مثلما هو الحال في كل صيف، لكن اللون الكستنائي لن يلبث أن يستعيد حقوقه قريبًا. ارتدت "كابستان" ثوبها بحركة آلية ثم ارتدت صندلها، وقطتها مستلقية على ذراع الكنبة لم ترفع رأسها، جُلَّ ما فعلته هو أن حركت أذنيها باتجاه المدخل لمتابعة خروج صاحبتها من الشقة. شدت "كابستان" حقيبتها الجلدية الكبيرة على كتفها، بعد أن وضعت فيها رواية "محرقة الغرور (Le Bûcher des vanités)" للمؤلف "توم وولف"، التي أعارها إياها مديرها "بورون" - تسعمائة وعشرون صفحة - وقد قال لها وقتها: "ستشغلك هذه حتى أتصل بك"، لكنها انتظرت لما يكفي لقراءة المجلدات الثلاثة عشر من كتاب "ثروات فرنسا (Fortune de France)" كاملة، والأعمال الكاملة لـ"ماري أنج جييوم"، هذا دون حسبان أكوام روايات الجيب.
آهٍ من "بورون" وكلامه الخالي من أي التزام بأي تاريخ أو وعود! أغلقت "كابستان" الباب وأغلقته مرتين بالمفتاح، ثم نزلت السُلَّم.
كان شارع "فيروري" خاليًا تحت أشعة شمس الصباح، وباريس في تلك الساعة المبكرة جدًا من شهر أغسطس، خالية من سكانها وكأنها نجت من انفجار قنبلة نيوترونية، وعلى بُعْدٍ تلألأت الأضواء البرتقالية الكاشفة لإحدى عربات التنظيف.
سارت "كابستان" بمحاذاة واجهات محلات "بي آش في (BHV)" قبل أن تقطع ساحة بلدية باريس. عبرت نهر السين ثم جزيرة "لا سيتي" ووصلت "رصيف الأورفيفر"، أمام المبنى المشهور ذي الرقم 36 حيث الإدارة العامة للشرطة الجنائية في باريس.
اجتازت البوابة الضخمة ثم اتجهت يمينًا في الساحة. حدَّقت للحظة في اللوحة الزرقاء التي بهتت ألوانها: "السُلَّم أ، إدارة الشرطة الجنائية".
بعد استلامه مهامه الجديدة، احتل "بورون" مكتبًا في الطابق الثالث، الطابق المخملي حيث يعمل أصحاب القرار، في الممر الذي لا يجرؤ أحد فيه على حمل سلاحه حتى ولو كان من رعاة البقر الحقيقيين.
دفعت "كابستان" الباب ذا الدرفتين.
تشنجت معدتها لفكرة أنه قد يتم الاستغناء عنها، فهي شرطية طول حياتها، وكانت ترفض التفكير في أي خيار آخر، والمرء لا يرجع إلى مقاعد الدراسة في عمر السابعة والثلاثين، حتى الأشهر الستة التي قضتها دون القيام بأي عمل، كان وقعها ثقيلًا؛ مشت كثيرًا، استقلت كافة خطوط المترو في باريس، واحدًا تلو الآخر، من الخط رقم واحد حتى الخط رقم 14، من نهاية الخط إلى نهاية الخط، وكانت تأمل أن تستأنف عملها في الشرطة قبل أن تبدأ بقطارات الضواحي. أحيانًا، كانت تتخيل نفسها مجبرة على الركض على طول خطوط القطار السريع إلى أن تحدد لنفسها هدفًا ما، فطوال عمرها وهي تعمل ضابطة في الشرطة ولا تريد أي خيار آخر.
عدلت من زيِّها أمام اللوحة النحاسية الجديدة المحفور عليها اسم المدير الإقليمي للشرطة الجنائية، ثم قرعت الباب. سمعت صوت "بورون" المميز والأجش يدعوها للدخول.

تاريخ Jun 7, 2020