الحراك الإخباري - صناعة السيارات في الجزائر: الان وليس غدا
إعلان
إعلان

صناعة السيارات في الجزائر: الان وليس غدا

منذ 3 ساعات|الأخبار

 

في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها قطاع السيارات العالمي، تقف الجزائر عند مفترق طرق حاسم، حيث تستعد للاستفادة من فرصة غير مسبوقة. ومع معاناة قطاع السيارات في أوروبا وتزايد الطلب على المركبات في إفريقيا، تتمتع الجزائر بإمكانية أن تصبح مركزًا رائدًا لتصنيع السيارات في القارة الإفريقية. 

أزمة مصنعي السيارات في أوروبا 

تواجه صناعة السيارات في أوروبا، التي كانت سابقًا رمزًا للابتكار والقوة الاقتصادية، أزمة كبيرة نتيجة لتحديات عديدة. التباطؤ الاقتصادي، الصراعات التجارية، وتراجع المبيعات تهدد مستقبل شركات صناعة السيارات الكبرى. أبرز العلامات التجارية، مثل بي إم دبليو ومرسيدس و ستيلانتيس و فولكسفاغن في ألمانيا، تشهد انخفاضًا كبيرًا في مبيعاتها في الصين، حيث تراجعت المبيعات بنسبة بين 30٪ و10٪. فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية تتراوح بين 30٪ و40٪ على السيارات الكهربائية الصينية أشعل حربًا تجارية تهدد أسس صادرات السيارات الأوروبية. 

العواقب واضحة: انخفضت مبيعات السيارات الكهربائية في الاتحاد الأوروبي بنسبة 44٪، حيث يعاني المستهلكون من ارتفاع التضخم وتراجع القوة الشرائية. في الوقت نفسه، تواجه الحكومات، التي تعاني من عجز في الميزانية، صعوبة في تقديم الدعم المالي اللازم لإنعاش الطلب. النمو المتوقع في ألمانيا لعام 2024 لا يتجاوز 0.2٪، بينما تعاني فرنسا وإيطاليا من معدلات نمو تقل عن 1٪. هذا الانحدار المستمر يخلق فجوة كبيرة في السوق، مما يوفر للجزائر فرصة هامة.

فرصة ذهبية للجزائر 

على عكس تراجع صناعة السيارات في أوروبا، فإن صناعة السيارات في إفريقيا تشهد نموًا ملحوظًا. في عام 2021، بلغت قيمة الاستيراد 30.44 مليار دولار، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 42.06 مليار دولار بحلول عام 2027، بزيادة تقارب 40٪. هذا النمو مدفوع بزيادة الطلب على السيارات والشاحنات في القارة. 

تتمتع الجزائر، بفضل استقرارها السياسي وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، بفرصة فريدة للاستفادة من هذا السوق المتنامي. توفر منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وهي أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم، فرصة غير مسبوقة للجزائر للوصول إلى سوق يتجاوز عدد سكانه 1.3 مليار نسمة، مما يسمح بتصدير السيارات بدون رسوم جمركية إلى الدول الإفريقية المجاورة. 

تسريع تصنيع السيارات في الجزائر 

لتحقيق هذه الفرصة، يجب على الجزائر أن تتخذ قرارات حاسمة. على الحكومة أن تعطي الأولوية لإنشاء مصانع لتصنيع السيارات بالشراكة مع الشركات الصينية الرائدة مثل جيلي، شيري، وجاك. وفيما يلي إطار استراتيجي لمستقبل صناعة السيارات في الجزائر:

تسريع الاستثمارات الصينية: تسريع تنفيذ مصانع التصنيع مع الشركاء الصينيين سيمكن الجزائر من إنتاج المركبات للأسواق المحلية والإفريقية بحلول عام 2025. وبالنظر إلى أهمية هذه الفرصة، يجب على الجزائر التحرك بسرعة قبل أن ترسخ دول مثل المغرب وجنوب إفريقيا مكانتها في قطاع السيارات. 

تنويع إنتاج المركبات: لتلبية الطلبات المتنوعة في السوق الإفريقية، يجب على الجزائر تنفيذ استراتيجية إنتاج متوازنة. يُقترح إنتاج 40٪ من السيارات التقليدية، و40٪ من السيارات الهجينة، و20٪ من السيارات الكهربائية بحلول عام 2025/2026. سيضمن ذلك تلبية الجزائر لمستويات التبني التكنولوجي المختلفة عبر القارة. بحلول عام 2029/2030، يمكن أن تتطور هذه النسبة لتصبح 30٪ من السيارات التقليدية، و40٪ من السيارات الهجينة، و30٪ من السيارات الكهربائية، بما يتماشى مع الاتجاهات العالمية نحو الاستدامة.

الاندماج العمودي في صناعة السيارات: يجب أن يشمل أحد أهم مكونات استراتيجية الجزائر تطوير صناعة سيارات متكاملة عموديًا، على غرار النموذج الصيني. بحلول عام 2030، يجب أن تهدف الجزائر إلى إنتاج أكثر من 90٪ من قطع غيار السيارات محليًا. سيتيح هذا التحول نحو الاكتفاء الذاتي في إنتاج الأجزاء للجزائر التحكم في التكاليف، استقرار سلاسل التوريد، وتقليل الاعتماد على الواردات. 

  لن يؤدي التكامل العمودي إلى تعزيز قطاع السيارات فحسب، بل سيحفز أيضًا نمو مجموعة من الصناعات المرتبطة بصناعة السيارات، مثل إنتاج الصلب والمطاط والزجاج، إلى جانب الإلكترونيات وتطوير البرمجيات. من خلال بناء هذا النظام البيئي المتكامل، ستخلق الجزائر مئات الآلاف من الوظائف، وتعزز الابتكار، وتزيد من الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير. الأهم من ذلك، ستقلل الحاجة إلى استيراد السيارات، مما سيسمح للبلاد بالاحتفاظ بالمزيد من العملة الأجنبية وتعزيز وضعها المالي. 

تقليل الاعتماد على عائدات النفط والغاز: يعتمد الاقتصاد الجزائري حاليًا بشكل كبير على صادرات النفط والغاز للحصول على العملات الأجنبية. ومع ذلك، من خلال الاستثمار في تصنيع السيارات والقطاعات المرتبطة بها، يمكن للجزائر تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على عائدات الهيدروكربونات. يمكن أن يؤدي تصدير السيارات وقطع غيار السيارات عبر إفريقيا إلى جلب مليارات الدولارات من العملات الأجنبية، مما يوفر للجزائر أساسًا اقتصاديًا أكثر استدامة. كما سيجعل هذا التحرك الجزائر أقل عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية، مما يضمن نموًا اقتصاديًا أكثر استقرارًا. 

الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية: توفر اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية ميزة كبيرة للجزائر. من خلال تصدير المركبات إلى دول مثل نيجيريا وكينيا ومصر دون رسوم جمركية، يمكن للجزائر تعزيز إنتاجها الاقتصادي بشكل كبير. سيمكنها ذلك من الحصول على حصة كبيرة من السوق الإفريقية المتوقعة أن تبلغ 42 مليار دولار بحلول عام 2027. 

خلق فرص عمل وتحفيز النمو الاقتصادي: سيساهم إنشاء مصانع تصنيع السيارات في خلق آلاف الوظائف في الجزائر، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويدعم تطوير المهارات. سيساهم إنتاج قطع غيار السيارات محليًا في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الواردات، مما يضع الجزائر في موقع المنتج المكتفي ذاتيًا.

الحاجة الملحة لاغتنام الفرصة 

إن الفرصة التي تواجه الجزائر في قطاع السيارات فرصة مؤقتة ويجب استغلالها سريعًا. في الوقت الذي تسعى فيه دول إفريقية أخرى لتطوير صناعتها، تتمتع الجزائر بميزات فريدة. فبينما تواجه المغرب وجنوب إفريقيا و مصر و نيجيريا تحديات مالية كبيرة، تتمتع الجزائر باستقرار اقتصادي ومؤشرات إيجابية على المستويين الكلي والجزئي، مما يجعلها مكانًا جاذبًا للاستثمار الأجنبي ويمكّنها من بناء قطاع صناعي مزدهر. 

الفرصة واضحة: تراجع صناعة السيارات في أوروبا يقابله طلب متزايد في إفريقيا. من خلال التحرك بسرعة لإنشاء مصانع السيارات والاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، يمكن للجزائر أن تتبوأ مكانة رائدة في سوق السيارات الإفريقية. المخاطر كبيرة، ولكن مع الاستراتيجية الصحيحة، يمكن للجزائر أن تصبح لاعبًا محوريًا في نهضة صناعة السيارات في إفريقيا. 

الخلاصة 

يجب على الجزائر أن تتخذ قرارات حاسمة فورا لضمان مكانتها في قطاع السيارات المتنامي. المكافآت المحتملة هائلة — من القدرة على الاستحواذ على جزء كبير من السوق الإفريقية التي تبلغ قيمتها 42 مليار دولار، إلى خلق مئات الآلاف من فرص العمل وتحفيز النمو الاقتصادي. من خلال الاستفادة من الشراكات مع الشركات الصينية، وبناء نظام صناعي متكامل عموديًا، والاستفادة الكاملة من اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، يمكن للجزائر أن تتحول إلى قوة صناعية رئيسية في صناعة السيارات. 

من خلال إنتاج أكثر من 90٪ من قطع غيار السيارات محليًا بحلول عام 2030، لن تسيطر الجزائر فقط على الأسعار وتؤمن سلاسل التوريد، بل ستقلل أيضًا من اعتمادها على عائدات النفط والغاز، مما يضع البلاد على مسار اقتصادي أكثر تنوعًا واستدامة. الوقت للعمل هو الآن. التحديات التي تواجه مصنعي السيارات الأوروبيين تقدم فرصة فريدة وملحة للجزائر للبدء في رحلتها الصناعية. من خلال اتخاذ الاستثمارات والقرارات الاستراتيجية اليوم، يمكن للجزائر أن تقود مستقبلًا مزدهرًا، وتصبح قوة رائدة في قطاع السيارات في القارة الإفريقية.

 

زهير شيخي 

مهندس مختص في الاقتصاد و النفط

تاريخ Oct 22, 2024