مفارقة عجيبة: لم يشارك الارسيدي في الانتخابات لانه يعلم يقينا ان مقاربته و طروحاته مرفوضة شعبيا (و هي مرفوضة منذ تأسيسه في بداية تسعينيات القرن الماضي شأنه في ذلك شأن اطروحات حزب العمال) و لكنه يعتقد في نفس الوقت ان ظاهرة العزوف الانتخابي سببها عدم مشاركته و بانه لو شارك ستنتخب عليه الاغلبية الصامتة!
يعتقد الارسيدي ان الملايين التي خرجت في الحراك الشعبي في 2019 للتعبير عن رفضهم لعهدة خامسة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة هم من أنصاره و يشاطرونه الرأي و يساندونه، إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يشارك الارسدي في الانتخابات و يفوز بها و يشكل حكومته و يطبق برنامجه؟
ان رفض الارسدي الدخول في الانتخابات رئاسية كانت او تشريعية او بلدية يؤكد فشله الذريع على المستوى الشعبي، و توجيهه اليوم انتقادات إلى الرئيس عبد المجيد تبون بسبب التلاعبات بالأرقام في الرئاسيات مردود عليه لانه لولا رفض تبون و مطالبته بالشفافية و باعطاء كل ذي حق حقه لما انتبه الرأي العام لما حدث و لمرت الامور مرور الكرام.
يحتاج الارسدي اليوم اكثر من اي وقت مضى إلى إعادة النظر في ماهية وجوده، ما معنى النضال بدون مشاركة في الانتخابات على اعتبار ان المشاركة تمكن الحزب من قياس درجة القبول او الرفض الشعبي لطرحه؟ فاذا تبين بان الشعب يرفض اطروحات هذا الحزب جملة وتفصيلا فلماذا الاستمرار في السير في طريق مسدود؟
ان ما ينطبق على الارسدي من ضرورة الاصلاح و التجديد ينطبق ايضا على معظم الاحزاب السياسية الموجودة حاليا على الساحة، الافلان لم يعد الخزان الذي ينتج النخب السياسية، و الارندي لم يعد حزب الادارة بعدما ادخل معظم رموزه السجن بسبب الفساد السياسي و المالي، و حركة مجتمع السلم تعيش فترة صعبة يتجاذبها تياران الاول مع المشاركة السياسية و الثاني مع المقاطعة و المواجهة، و الافافاس على المحك بسبب محاولات التيار الراديكالي تحويره عن مساره.
اما الاحزاب التي تملك اعتماداً و لا تملك قاعدة شعبية و لا نشاطا سياسيا فهي في طريقها الى الانقراض بعد ان تبين بانها غير قادرة تماما على التعبئة و التحسيس و بهذا تكون بلا معنى و لا جدوى و خروجها من المشهد افضل من بقائها فيه.
في ظل هذا المشهد السياسي القاتم، و في ظل الطلاق الذي حصل في 2019 بين الشعب من جهة و بين القيادات السياسية موالاة و معارضة، و في ظل محاولات الاختراق من الخارج لزعزعة الاستقرار الاجتماعي، في ظل كل هذه الظروف السياسية الصعبة يمكن الجزم بان فوز عبد المجيد تبون بالاغلبية و حصده حوالي 10 مليون صوت من اصل 24 مليون مسجل، هو انجاز كبير رغم الاصوات الناعقة الصادرة من "نخبة" لا تنتج فكرا سياسيا و لا تملك مشروعا مجتمعيا و لا تشارك في الانتخابات و تدعي في نفس الوقت التغيير و تقديم البديل!
احمد العلوي