الحراك الإخباري - أميركا تشهد الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخها..و ترامب بدأ يدفع ثمن سياساته
إعلان
إعلانات الصفقات العمومية - ANEP
إعلان

أميركا تشهد الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخها..و ترامب بدأ يدفع ثمن سياساته

منذ 3 ساعات|الأخبار


من واشنطن: محمود بلحيمر

 تشهد الولايات المتحدة حاليا أطول إغلاق حكومي في تاريخها مخلّفا تداعيات مزعجة لملايين الأميركيين؛ عمّال فيدراليون بدون أجور منذ نحو شهر، والملايين ينتظرون وصول أموال المساعدات الغذائية الحيوية، وآلاف الرحلات الجوية ألغيت، والاقتصاد يخسر مليارات الدولارات، وشعبية ترامب في أدنى مستوياتها.

الظاهر أن ترامب بدأ يدفع مبكرا ثمن سياساته، غير المدروسة حتى لا نقول "المتهورة".

تجاوز الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة الأربعين يوما. ويعود تاريخ آخر إغلاق حكومي حصل في أميركا إلى عام 2018 خلال الولاية الأولى لترامب حيث دام الإغلاق الحكومي مدة 35 يوما كاملة. علما أنه حصل إغلاق حكومي في عهد الرؤساء الأميركيين السابقين ومنهم أوباما وبوش وكلينتون.

الرعاية الصحية في قلب الصراع الديمقراطي الجمهوري

سبب الإغلاق الحكومي هذه المرة خلافٌ بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن خطة إنفاق مؤقتة تضمن استمرار تمويل الحكومة الفدرالية؛ فقد وافق مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، بأغلبية 53 عضوا على الخطة، بينما تعثرت في مجلس الشيوخ بسبب اعتراض الديمقراطيين، بحيث يتطلب الأمر تصويت 60 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي المائة (100).

ويصر الديمقراطيون على ضرورة تمديد الدعم المخصص لتغطية الرعاية الصحية لملايين الأميركيين ضمن برنامج يُعرف باسم "أوباما كير"، تم إقراره في عهد الرئيس الديمقراطي السابق، ويقولون إن ملايين الأميركيين سيواجهون ارتفاعا حادا في أقساط التأمين عند التسجيل لبرامج العام المقبل. وفي المقابل، لا يكترث الجمهوريون لهذه المسألة ويصرّون على أن يصوت الديمقراطيون لإنهاء الإغلاق الحكومي أولا قبل بدء أي نقاش بشأن الرعاية الصحية.

خسائر اقتصادية وسياسية

الإغلاق الحكومي مكلف ليس فقط لملايين الأميركيين العاديين ولكن أيضا للسياسيين ومنهم الرئيس ترامب وحزبه الجمهوري. مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين في إجازة قسرية غير مدفوعة الأجر، ومئات الآلاف الآخرين يعملون بدون رواتب على يستلموا مستحقاتهم عند عودة النشاط الحكومي، ومن هؤلاء مراقبو حركة الملاحة الجوية الذين صاروا يتغيبون عن العمل ويقدمون إجازات مرضية، ما دفع بإدارة الطيران إلى خفض الرحلات الجوية بنحو 10 في المائة، بما يعني إلغاء آلاف الرحلات الجوية يوميا.

ويواجه نحو 42 مليون أميركي يعيشون على المساعدات الغذائية الحكومية حالة فاقة غير مسبوقة بسبب تأخر صرف الأموال المخصصة لهم، وتطلّب الأمر تدخل قضاة فيدراليين لإرغام إدارة ترامب على تقديم دفعات جزئية على الأقل للأميركيين المستفيدين من البرنامج. وتشير التوقعات إلى أن الإغلاق الحكومي سيكلف الاقتصاد الأميركي قرابة 14 مليار دولار كتقدير أولي، وقد ترتفع الخسارة في حال امتد لفترة أطول. كما يتوقع أن يتراجع معدل النمو بنحو نقطة مئوية واحدة خلال الربع الأخير من العام الجاري.

سياسيا، يُلقي كل طرف بالمسؤولية على الطرف الآخر؛ فترامب والجمهوريون يحمّلون الديمقراطيين مسؤولية الإغلاق الحكومي بينما يرميهم الديمقراطيون بذات التهمة. لكن استطلاعات الرأي تميل لتحميل ترامب والجمهوريين المسؤولية بنسبة 52 في المائة بينما يعتبر 42 في المائة من المستطلعة أراؤهم أن الديمقراطيين مسؤولون عن الإغلاق الحكومي، وفق استطلاع أجرته قناة "أن بي سي". غير أن هناك رياحا معاكسة للزخم الذي حققه ترامب في نوفمبر 2024، فبعد 10 أشهر فقط قضاها في البيت الأبيض بدأ بالفعل في دفع ثمن سياساته.

مشكلة ترامب الأولى هي أنه راهن خلال حملته الانتخابية على الاقتصاد لاسيما خفض التضخم والتكاليف المعيشية المرتفعة للغاية، غير أن حالة الاقتصاد الآن تشير إلى أن ترامب رسب بالفعل في هذا الامتحان؛ فهناك أرقام تشير إلى ارتفاع الأسعار بنحو 0.3 في المائة في سبتمر الماضي، وارتفاع معدل التضخم إلى 3.1 في المائة بعدما كان قد سجّل تراجعا إلى 2.3 في شهر أفريل من العام الجاري. لقد ساهمت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في رفع أسعار السلع المختلفة، وتحمّل المستهلكُ الأميركي العبء الأكبر من تلك الرسوم، مما أدى إلى تراجع جديد للقدرة الشرائية. وتعقّد وضع الاقتصاد بسبب حملة التسريح التي طالت الموظفين الفدراليين، والذين تجاوز عددهم 128 ألف عامل، بينما قفز معدل البطالة من 4 في المائة في يناير عندما استلم ترامب البيت الأبيض إلى 4.4 حاليا.

ترامب أخطأ حيث الخطأ غير مسموح به، وهو عندما تجاهل تدهور القدرة الشرائية، وغاب عنه أن تصرف الأميركي يتغير بسرعة عندما يمتد الضرر إلى جيبه، فهو لا يلقي بالا للشعارات والخطب إن لم تكن مقرونة بأفعال ملموسة في أرض الواقع. وقد عكست انتخابات 4 نوفمبر المحلية الأخيرة لبعض حكام الولايات والمسؤولين المحليين حالة عدم الرضى هذه عن ترامب، الذي اعترف بأن الإغلاق الحكومي أحد العوامل الرئيسية لخسارة الجمهوريين الانتخابية.  

وتشير استطلاعات الرأي إلى تراجع جديد لشعبية ترامب؛ حيث كشف استطلاع لقناة "أن بي سي" أن 43 في المائة فقط من الأميركيين راضون عن أداء ترامب، مقابل 55 في المائة غير راضين عن آدائه. بينما أظهر استطلاع لشبكة "سي أن أن" أن 37 في المائة فقط من الأميركيين راضون على آداء رئيسهم.

عينٌ على انتخابات الكونغرس في نوفمبر 2026  

عينُ ترامب وحلفائه الجمهوريين على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر من العام المقبل، حيث يأملون في الحفاظ على سيطرتهم الحالية على مجلسي النواب والشيوخ لكي يواصل زعيم البيت الأبيض تنفيذ أجندته الرئاسية من دون قيود ديمقراطية. غير أن المؤشرات الحالية، لاسيما بعد الفوز الساحق للديمقراطيين في الانتخابات المحلية، والتظاهرات العارمة التي احضنتها المدن الأميركية في كامل الولايات شهر أكتوبر الماضي، تحت شعار "لا للملوك"، وحالة القلق التي سببها الإغلاق الحكومي لملايين الأميركيين،، كل ذلك يوحي بأن ترامب وحلفاءه قد خسروا الرهان من الآن.

الآن هناك محاولة من قبل ترامب لتدارك الأمر وتعديل استراتيجيته بحيث سيركز خطابه على رسائل متعلقة بالقدرة الشرائية والتكاليف المعيشية المرتفعة والوعد بسعيه لإيجاد حلول لها، من خلال تخفيضات ضريبية ومعالجة التضخم. ونقلت وكالة أسوشياتد برس عن مسؤولين في البيت الأبيض قولهم إن "القدرة الشرائية لطالما كانت أولوية لترامب لكنه يعتزم التطرق إليها بمزيد من التفصيل". ويوم الخميس 6 نوفمبر قال ترامب للصحفيين إنه لا يريد أن يسمع عن ارتفاع تكاليف المعيشة، زاعما بأن الوضع أفضل بكثير للأميركيين في ظل قيادة حزبه، وأن المشكلة الوحيدة تكمن في أن الجمهوريين لا يتحدثون عن ذلك، وفق تعبيره. لكن ما يجده الأميركيون أمامهم عند دفع إيجار السكنات أو شراء المواد الغذائية وغيرها يناقض تماما هذا الخطاب القادم من البيت الأبيض.

يبدو هذا التحرك متأخرا ولا يُتوقع أن تكون له أثار ملموسة على جيوب الأميركيين قبل موعد انتخابات نوفمبر من العام المقبل. وفي حال افتكاك الديمقراطيين لمجلس النواب فسيواجه ترامب قيودا كبيرة على أجندته ستعيق مسيرته.


م. ب

تاريخ Nov 8, 2025