من يتحكم في السردية يتحكم في تحديد من هو المنتصر او المنهزم في الحروب و الصراعات و الأزمات، الراوي يا سادة يا كرام هو من يحدد مسار الأحداث و ليس من يخوض الحرب في ميدان الوغى و لا يهم اذا كان الراوي يكذب (في شريعتنا الكذاب لا يروي الحديث) و يضلل لانه هو من يتحكم في الرواية من الالف الى الياء.
انهزام الجيش الاسرائيلي امام المقاومة الفلسطينية رغم محدودية امكاناتها هو انجاز ما بعده انجاز و حدث تاريخي بكل ما تحمله الكلمة من معنى لكن السردية في وسائل الاعلام الغربية تروي قصة اخرى لا علاقة لها بقصة كفاح شعب ضد الاحتلال و الابادة و حق الحياة بكرامة و شرف. القصة في الاعلام الغربي هي فقط عن حق إسرائيل اللامحدود في الدفاع عن النفس بعد ان تعرضت الى هجوم "ارهابي" يوم 7 اكتوبر و لن تجد و لو اشارة و لو كانت صغيرة عن حق الفلسطيني في الدفاع عن ارضه. و قد يسجن اليوم في باريس و برلين و لندن من يذكر فلسطين بخير و إسرائيل بسوء لان الراوي قال بان حماس ارهاب و إسرائيل دفاع عن النفس رفعت الأقلام و جفت الصحف، ليس بعد كلام الراوي كلام.
يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترمب ايهام الرأي العام الدولي بانه رجل سلام و يستحق الفوز بجائزة نوبل للسلام نظير جهوده الكبيرة من أجل اطفاء نار الحرب في كل مكان، في حين تجده يدعم و بشكل علني حرب الابادة في فلسطين دعما عسكريا و استخباراتيا و ماليا و اعلاميا غير مسبوق، و تجده يفاوض ايران و في اثناء المفاوضات يعطي الضوء الاخضر لإسرائيل لتضرب طهران في اعتداء صارخ للقانون الدولي و يأمر في ذات الوقت ايران ان لا ترد على الاعتداء حتى لا تهدد استقرار المنطقة! يقول ترمب انه لا يحق لايران ان تصنع القنبلة النووية لانها دولة لا تؤتمن اما اسرائيل التي تملك ترسانة من الأسلحة النووية فحلال عليها لانها دولة ديمقراطية و جيشها هو الجيش الأكثر اخلاقا في المنطقة! و رغم ان هذا الكلام هو هراء و بروباغندا رخيصة لا يمكن ان يصدقه عاقل لانه متناقض مع الواقع و الحقيقة إلا انه اصبح بالنسبة للمعسكر الغربي قرآنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
يتدخل ترمب بجيشه و يقصف ايران لا لشيء إلا لينقذ إسرائيل من الفناء بعد ان تعرضت لرد صاروخي إيراني على تل أبيب و حيفا غير مسبوق هدد الكيان و فند سردية جيش اسرائيل الذي لا يهزم. و يرفض الراوي الغربي ان يذكر بان اسرائيل باتت قاب قوسين او ادنى من الانهيار و بان مئات الآلاف من الاسرائيليين غادروا الكيان سويعات بعد القصف الصاروخي الإيراني خوفا على ارواحهم.
ان الانتباه إلى من يروي القصة قضية جوهرية حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، و لا مناص من بناء سردية وطنية من اجل مجابهة الرواية الغربية المبنية على الكذب و الافتراء و الظلم و الحقرة. فلم يعد يكفي ان تكون على حق بل لا بد من إقناع الجمهور بانك على حق و لا يكون ذلك إلا ببناء منظومة إعلامية تملك الاحترافية و المصداقية و الخطة الواضحة لايصال الرسالة الى الرأي العام.
احمد العلوي