الحراك الإخباري - بين النقد العلمي والطعن المتحامل كتاب حول " مسالك ردّ الحديث النبوي"
إعلان
إعلان

بين النقد العلمي والطعن المتحامل كتاب حول " مسالك ردّ الحديث النبوي"

منذ 3 سنوات|قراءة في كتاب

صدر مؤخرا كتاب "مسالك ردّ الحديث بين النقد العلمي والطعن المتحامل"، للباحث الدكتور محمد السائح، مناصفة عن دار الكلمة المصرية والدار المغربية.
وفي مقدمة العمل المميز، قال المؤلف إنه لما كانت سنة رسول الله حُجَّة في الدين؛ صار لزاما على كل مسلم أن يعلم طرق وصولها إلينا؛ كي يعمل بما ثبت منها دون ما لم يثبت.
فأما قضية الثبوت، فقد تكفل بها علم الحديث، وأما وجه العمل بها بعد ثبوتها، فقد تكفل به علم الفقه وأصوله.
وقد تقرر أن لكل علم موضوعه الخاص، وأن لكل موضوع منهجه الذي يناسبه؛ وبناء على هذه الحقيقة، فلا أنسب للسنة من علمين منهجيين متعاضدين، يخدمانها بما لا مزيد عليه، وهما علم الحديث وعلم الفقه وأصوله.
فأما علم الحديث، فقد وضع المنهج الكفيل بمعرفة درجات الحديث، في سلم القبول والرد، وطرق وصوله إلينا، من جهة الشهرة أو الغرابة أو التواتر.
وأما علم الفقه وأصوله، فقد وضع المنهج الكفيل بمعرفة وجه الدلالة من الحديث على الحكم الشرعي، أو على أي مطلب شرعي آخر.
وبهذا فقد أحيطت السنة النبوية بسياج متين، من القواعد العلمية المثمرة لصحة الاستدلال بها، وهي قواعد بالعشرات بل بالمئات بالنظر إلى العلمين معا، وكل قاعدة منها إنما نتجت بعد التحرير وتقليب النظر في علاقتها بالحديث النبوي، باعتباره من جهة علما منقولا، ومن جهة كلاما عربيا.
فكل من يريد أن يتكلم في الأحاديث، فلا بد له من الانطلاق من هذه القواعد؛ إما ليصحح النقل أو يضعفه، وإما ليبين وجه الدلالة أو يمنعها، أو غير ذلك من أوجه النظر الحديثي والفقهي والأصولي.
إن هذه القواعد الحديثية والأصولية، هي المعيار الوحيد –وفق تأكيد المؤلف- للقول في الأحاديث النبوية، فهي الوسيلة العلمية المنظِّمة لإعمال النظر العقلي في المنقول، من أجل استثمار ما فيه من الهداية النبوية، وهي أيضا التي يُحتكم إليها عند اختلاف الاجتهاد بين النظار في هذه الأحاديث.
فكل من يريد أن ينظر في الحديث النبوي، بغير هذه القواعد المذكورة، فإنما يريد إدخال الفوضى في النظر الشرعي، كشأن أي علم آخر إذا نُظر فيه بغير منهجه وقواعده، فالنتيجة هي جعل أمره فوضى وكلأ مباحا لكل متكلم.
وبناء على ما ذكر، فقد آثر الكاتب في هذا البحث أن يميّز بين نظرين في الحديث النبوي: نظر نقدي علمي قواعدي، ينطلق من أرضية نقدية معلومة، مستمدة من علمي الحديث وأصول الفقه، ونظر فوضوي، ينطلق من أرضية مخالفة للمحدثين والفقهاء والأصوليين، مركبة من جملة منطلقات متباينة، غير منضبطة لعلم شرعي معروف .
فاقتضى المنهج، تنظيم كل ذلك في فصلين، يتناول الأول منهما مسالك النقد العلمي لرد الحديث، وقد جعلها المؤلف مسلكين: الأول مسلك التعليل في مبحث، والثاني مسلك المعارضة في مبحث آخر، وأضاف مبحثا ثالثا استثنى فيه بعض الردود على الأحاديث من مسلك المعارضة، وبين فيه الفرق بين المعارضة المقبولة والمرفوضة.
ولم يبْنِ الكاتب هذا الفصل، على المخالفة بين المحدثين والأصوليين في مسالك رد الحديث، بل جعل عملهما معا متكاملا قاصدا وجهة واحدة، وهي النصيحة لحديث رسول الله؛ فلا عبرة بما يتوهم في رد الأصولي لبعض الحديث، أنه مستقل بمنهج في قبول الحديث، مغاير تماما لمنهج المحدث؛ ويكفي في منع توهم هذه المخالفة، استحضار جملة من العلماء الجامعين بين الحديث والأصول، والنظرُ في طريقة نقدهم للحديث؛ فحينئذ لا نجد التنافر بين منهجين أو نظرين، بل التكامل وتسديد النقد، ودونك أمثال الطحاوي (321هـ)، وابن حزم (456هـ)، والباجي (474هـ)، وابن العربي (543هـ)، وعياض (544هـ)، والنووي (676هـ)، وابن دقيق العيد (702هـ)، وابن تيمية (728هـ)، وابن القيم (751هـ)، وابن حجر (852هـ)، وغيرهم رحمهم الله، على حدّ قوله.
وأما الفصل الثاني فاستعرض فيه الباحث جملة من مسالك الطعن في الحديث، وقدم لذلك بمقدمتين ضروريتين لفهم طبيعة هذه الطعون، وجعلهما في المبحث الأول، ثم عقد أربعة مباحث لعرض مسالك الطعن المختلفة في الحديث والرد عليها، وهي: مسلك الطعن المتفرق، ثم الطعن في قواعد التصحيح، ثم الطعن في وصول كتب الحديث إلينا، ثم الطعن في دوام حجية السنة.
وختم الدكتور محمد السائح بمبحث سادس بيّن فيه مآل هذه الطعون إلى التفريق بين الكتاب والسنة.
واعتمد الباحث في هذا الفصل الثاني، أسلوب الحجاج والمناظرة، في تصوير الطعون وبيان أوجه الرد عليها؛ ولا يخفى ما في هذا الأسلوب من مصطلحات وعبارات وألفاظ يعرفها أهل هذا الشأن، خصوصا في المناظرة المكتوبة، كتسمية المخالف بالخصم، أو الطاعن، أو قول المناظر عن مخالفه: لم يفهم، أو هذا تناقض، أو مجازفة، أو تعنت، أو مكابرة، أو تقصير، أو تغافل، أو هذا باطل، أو فاسد؛ مع تنصيصهم على لزوم الأدب مع المخالف.
ثم كتب المؤلف خاتمة لخص فيها أهم قضايا البحث، وضمنها أهم النتائج المتوصل إليها.
وقد بنى الكاتب هذا البحث على الاختصار، وقصد بذلك تقريب ما تيسر من قضايا النقد الحديثي للقارئ غير المتخصص؛ ولذلك حبس القلم عن جملة من التفصيلات والتفريعات، لا لقلة فائدتها، ولا رغبة عنها، وهي لا تخفى على العارف الخبير بهذا الفن الشريف.
وعليه فهو جهد بحثي علمي منهجي جدير بالاطلاع من المختصين والقراءة النافعة من عموم المهتمين بحقول العلوم الشرعية.

تاريخ Jun 12, 2020