الحراك الإخباري - " الحراك الاخباري" ينقل يوميات وهموم متسولة...
إعلان
إعلان

" الحراك الاخباري" ينقل يوميات وهموم متسولة...

منذ 3 سنوات|الأخبار


" معلقة" لا هي متزوجة قانونيا، لا أرملة ولا مطلقة، زوجها تنصل من مسؤولية اعالتها رفقة أبنائهما الأربعة، إقصاء من السكن الاجتماعي لان بيت حماها مسجل باسم زوجها المعدم، طرد من المسكن العائلي، عوامل وأخرى كثيرة دفعت ب " نصيرة" إلى مد يدها لاستعطاف مارة قد يجودون بدنانير لسد رمق أربعة أفواه جائعة أو يجحذون..

التوقيت العاشرة صباحا، المكان شارع محمد بلوزداد بقلب العاصمة، لمحنا السيدة تهم بالجلوس على " كارطونة" أخرجتها من كيس يحمله ابنها، جلسنا إليها بعد أن اقنعناها بضرورة نقل معاناتها لتبقى عبرة لغيرها، ترددت في البداية خوفا من تصويرها وحتى لا يتعرف عليها جيرانها أو أهلها فتصبح سيرتها على كل لسان، طمأناها ففتحت لنا قلبها بما يحويه من الام قلبت مواجع تعود لسنوات طوال.. عنوانها عصيان للوالدين، ظلم، إساءة بل وحقرة في أرذل صورها.

وظبت أغراضها على "الكرطونة" التي تلازمها من الصباح الى المساء، وضعت صحنا بلاستيكيا امامها، واجلست صغيرها على حجرها، مددت ابنتها ذات السبع سنوات جسدها الهزيل على قطعة قماش مهترئة لعلها تخلد إلى نوم مقتضب، عمدت الام المنقبة إلى تغطية وجهي فلذتي كبدها بقطعتي٠ قماش " حتى مايعرفوهمش أهلي وناس داري"، كما اخبرتنا، تنهدت طويلا قبل أن تروي حكاية " الحقرة" التي أوصلتها إلى عين المكان.


هروب وزواج عرفي...

" واش نحكي واش نخلي، ومنين نبدا"، قالت السيدة التي بدت في عقدها الرابع، قبل أن تضيف " اللي يعصي والديه، نهايتو هكا"، هكذا لخصت " صليحة" ( اسم مستعار) حكايتها وادرجتها في خانة " عاقبة عقوق الوالدين"، وهي تعود بذاكرتها إلى الوراء، وبالضبط يوم تعرفت على زوجها في محطة الحافلات بالخروبة، " خمسيني قرر التقدم لخطبتي بإلحاح مني، بعد علاقة دامت ثلاث سنوات".

الشاب قوبل برفض والدي، لأسباب عدة ومنها عدم امتلاكه سكنا ووظيفة، كما أنه ذو سمعة سيئة، والجميع، كما قال والدي، يرفضون مصاحبته وينفرون منه من فرط أخلاقه غير السوية وسمعته المشبوهة، رفضه اخوتي واعمامي اعترضوا بدورهم، غير أنني ازددت تمسكا به وقد حز في نفسه رفض أهلي، كما زعم حينها، بسبب فقره وقلة ذات يده ليس إلا، وبالمقابل تفنن في أساليب اغرائي إلى أن قررت الهرب معه والزواج عرفيا.


عائلة زوجي عايرتني " الملقطة بنت الزنقة"


أخذني إلى بيت عائلته، هناك عشت خادمة لوالدته وإخوته الخمسة، إلى أن تفاقمت المشاكل بيننا حول اقتسام اشغال البيت، أخته إمطرتني بوابل من الشتائم لعل أشدها وقعا على قلبي، تضيف نصيرة، عندما نعتتني : " يا بنت الحرام"، شكوت لوالدتها فصفعتني بقولها " عندها الحق وليدي لقطك مالزنقة"، لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير مواساتها لابنتها وهي تردد " اللي قبلت تتزوج بلا ماليها واش يجيك منها"، اعتراضي كان سببا في طردي شر طردة وانا حامل بابنتي الكبرى.

وجدت نفسي بين ليلة وضحاها في الشارع برفقة زوجي وابنتنا، وجهتنا كانت المبيت في " لاكاف" بإحدى العمارات بقلب الحي الشعبي باب عزون، توفير لقمة العيش أجبرنا على التسول بعيدا عن أعين الجيران، فكانت مقبرة سيدي امحمد والأحياء المجاورة لها، أمكنة آمنة تقينا نظرات لا ترحم، وها أنا اعيش على صدقات المحسنين منذ سبع سنوات، بعد أن فر زوجي بجلده في منتصف الطريق، وتركني حاملا بابنتي الصغرى، برفقة أربعة اطفال في مواجهة المجهول وشارع موبوء بالمخاطر والذئاب البشرية، تضيف المتسولة التي قالت " أنا ضحية طالبة صدقة ولست طلابة".

" بالاكي.. يشوفو خيالك يقتلوك"


أجهشت نصيرة بدموع محرقة، وفيما طالبها ابنها بقليل من الأكل، اخرجت قطعة رغيف " يابس" وحبة بيض مسلوقة، كانت كل ما تملك، كما أسرت لنا، " فطورنا بيض وعشانا بيض"، قبل أن تضيف " الزنقة واعرة، وعصيان الوالدين واعر كثر"، هي التي باءت محاولات إصلاح علاقتها مع عائلتها بفشل ذريع، فقد حذرتها والدتها خلال زيارتها الوحيدة والأخيرة لمنزلها العائلي والتي تمت بوساطة جارتها، من أن يشاهدها والدها او إخوتها " بالاكي.. يشوفو خيالك يقتلوك".

أمي اخبرتني ان والدي حتى وإن قبل عودتي فلن يقبل بإعالة أبنائي الأربعة، من يومها لم أعد إلى هناك، تضيف نصيرة، بنيرات حزينة، وعدت أدراجي الى شارع " لا يرحم"، بينما أضحى البحث عن زوجها كمن يبحث عن المستحيل، " لا أثر له، تحلت الأرض وبلعاتو"، رفض تسجيل الزواج ومنح اسمه لأطفالنا، نصحتني إحدى النسا، برفع دعوى الإهمال العائلي ولكنني متخوفة لكون زواجي غير قانوني.

زوج هارب وجهل بالحقوق

الزوجة بدت جاهلة بجميع حقوقها، في رحلة البحث عن رغيف خبز يسد رمق اطفالها، وهي تتحمل لوحدها وزر صنيع زوج هارب تنصل جهارا نهارا من مسؤولية خطأ ارتكبه نتيجة نزوة عابرة، ثمرته أربعة أطفال ووالدتهم تركهم لقمة سائغة لذئاب بشرية لا ترحم...تركنا نصيرة تجمع محصلة يومها بداخل الصحن البلاستيكي، على أمل العودة في اليوم الموالي لعل وعسى تتمكن يوما من تحقيق أمنيتها كما قالت " نقري ولادي، نربيهم ياكلو من عرق جبينهم ومايسرقوش"، أمل يبقى قائما لزوجة مقهورة وأم محقورة اتخذت من قطعة " كارطون" مكانا دائما لجلوس، احتوى آمالها وامانيها بانتظار تجسيدها يوما ما تحت سقف بيت يجمعها بأولادها بكرامة.


التقتها: سمية.ب

تاريخ Sep 19, 2020