الحراك الإخباري - مسألة الهوّيّة الوطنية في الجزائر .. خماسية الفهم الصحيح !!
إعلان
إعلان

مسألة الهوّيّة الوطنية في الجزائر .. خماسية الفهم الصحيح !!

منذ 4 ساعات|رأي من الحراك


بقلم أ.بن حمدة عبد المنعم عضو المكتب التنفيذي الوطني 


لا تزال مسألة الهوية في بلدنا الحبيب الجزائر تثار بحمولة من التشاحن والصدام والمواجهة وتبادل التهم والشتم كلما اثيرت في سياقات الاختلاف والاصطفاف وتخرج عن مفهومها وحقلها الثقافي والدلالي إلى حقل الاغتراب و الاحتراب خاصة في ظل عصر الشبكات حيث لا وقت فيها للحكمة والبصيرة والتأدة ، بل محاكمات الافكار والقناعات والتاريخ والحقائق في محاكم التفتيش ، ولا حق وأحقية فيها سوى للصوت الأعلى تطرفا ، وهو ما يدفعنا للتطرق لمقاربتنا السياسية والمفاهيمية لمسألة الهوية الوطنية كما فهمناها من ديننا وحدثتنا بها تجارب تاريخنا ووثقتها شهادات علمائنا ومؤسسي دعوتنا...فنخاطب الضمير والعقل والفؤاد بماهو واجب و مطلوب في هكذا نوازل..

السؤال الأول "من أنا؟ ومن هو الآخر؟"

سؤال الهوية لا يُطرَح في الفراغ ومن فراغ ، بل تاريخيا في سياق الوجود والحدود وثقافيا في سياق الضد والند نحن ( المثقفون ) وأنتم ( المتخلفون ) وفلسفيا الهوية ليست سؤال "من أنا فقط، بل سؤال "كيف أصير أنا؟" و"ما الذي يجعلني أظل أنا في عالم يتغير باستمرار؟ وسياسيا يطرح سؤال الهوية في سياقات الفتنة والشحن والتحريض والتفريق ،ان موضوع الهوية حين يُطرح خارج ضوابط القيم والرسالة، ينحرف، فيتحول من الذات المكرمة إلى الأنا الفردية المتعالية ، التي نسميها (الأنانية) ، فيتحول التميّز إلى تمركز، وتعلو الخصوصية إلى التقديس. 

وكذلك تفعل الأنا الجماعية حين تنسى رسالتها، فترتد إلى عصبية عرقية أو لغوية أو مذهبية، فتنتج عنصرية مقنعة باسم الهوية، وتستدعي وهم التفوّق على الآخر.

"أنا خيرٌ منه"… ألم تكن أول صيحة كِبر في تاريخ الخلق، ونشأت معها أول فتنة هوية منحرفة، فتنة إبليس الذي لم ينكر وجود الآخر، لكنه رفض مساواته، فاستبدل معيار الكرامة ب ( التقوى) بمعيار ( المادة والعلو) .

من أنا؟: إنسان كرّمه الله، مكلّف بالشهادة على الناس، لا بالسيطرة عليهم.

ومن هو الآخر؟: شريك في العيش، وندّ في الكرامة، والتزكية والرحمة.

السؤال الثاني : كيف أريد أن أعيش؟

 بالرحمة والمرحمة والتواضع لا بالاستعلاء ولا بالذوبان، بالتفاعل المسؤول لا بالتغامز المذموم ، أعيش بالمشترك دون مساس بالثوابت أو استهانة بالمبادئ .

فالانحراف في تصور "الأنا" هو أصل كل طغيان فردي، والانحراف في تصور "نحن" هو أصل كل طغيان جماعي.

 وكلاهما يبتعد عن جوهر الاستخلاف: "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم."

السؤال الثالث : الهوية الوطنية كما تعلمناها في أدبياتنا 

يقول الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله وهو الذي كتب عن الاسلام وعن الديمقراطية وعن الهوية ، بتميز وعبقرية وفهم عميق كعادته عن الهوية الوطنية وعناصرها الأساسية في كتابه الجزائر المنشودة (فمقوّمات هويتنا وأبعادها محدّدة ومضبوطة، ومعالم مرجعيتنا بيّنة ظاهرة، إنّها الإسلام أوّلاً، والعربية ثانيًّا، والأمازيغية ثالثًا.. هويتنا العِرقية هي الأمازيغية البربرية التي تفاعلت بدخول العرب والمسلمين، وامتزجت بهم وانصهرت معهم وقبِلَتهم وحملت معهم رسالةً ذاتِ مضمونٍ حضاريٍّ إنسانيٍّ وهي الإسلام، الذي يعترف الجميع أنّ وعاءه هو اللّغة العربية.. ولم يحصل عبر التاريخ تصادمٌ أو تضارب إلاّ كما يحصل بين أخويْن شقيقين من أمٍّ واحدة، لهذا فإنّ محاولة إثارة النّعرات بين أبناء مازيغ وأبناء يعرُب كمحاولة إثارة أبناء مازيغ على بعضهم، أو إثارة العربي على أخيه العربي، هدفها أن يهوي الجميع وبتشتّت الشّمل ليس إلاّ..). 

السؤال الرابع : هل مشكلتنا إذن مشكلة هوية ؟

حتما ان مشكلتنا ليست في هويتنا، فهويتنا راسخة بأركانها:

 الإسلام ديناً، والعربية والأمازيغية لساناً، والتاريخ المشترك ذاكرةً وجداناً. إنما مشكلتنا في التعبير عنها، وفي الربط بين مكوناتها ربطاً حضارياً متكاملاً، لا تصادميًّا.

لقد جعلنا من عناصر قوتنا منبرا للفرقة، ومن تنوّعنا الفطري ميداناً للصراع، وإن كان اختلافنا في اللسان، فهو ليس في الإيمان.

إن أعظم ما يصيب الأمم اليوم هو توظيف الهوية فبدل أن تكون مرجعية الاجتماع، يتم تحويلها إلى أداة للفرقة والتمايز وبعدها يجر القانون قواعده للفصل والحكم ، فتصبح تعقيدات الهوية مجلبة للظلم والجور بدل أن تكون أساساً للعدالة والانتماء.

الهوية ليست شعاراً سياسياً يوضع ويُرفع، بل عهدٌ حضاري يُبنى، وهي ليست ملك فئة أو جهة، بل ميراث أمة أُمِرَت أن تكون شاهدة على الناس ، لقد علّمنا التاريخ أن الأمم لا تنهار حين تختلف في ألسنتها، بل حين تتنازع على تعريف ذاتها، وأن الحضارات لا تقوم على تطابق الأعراق، بل على وحدة الرسالة والمصير.

السؤال الخامس : كيف نفهم هويتنا فهما صحيحا .. 

تحدّث الشيخ محفوظ نحناح في عناصر الهوية الأساسية الثلاثة: الإسلام، العربية، والأمازيغية، وقال قولا حكيما حكمة جهده ونضاله وصدقه ، وتوجيها لمناضلي مدرسته وابناء وطنه، فهو يعتقد أنّ الخلاف لا يتعلّق بتحديد عناصر الهويّة في حدّ ذاتها، بقدر ما يتعلّق 

أولا : بفهمنا لهذه المكوّنات،

ثانيا : للدور الذي يجب أن تلعبه في حاضرنا ومستقبلنا، 

ثالثا : للمكانة التي يجب أن تحتلّها، 

رابعا : للعلاقة التي يجب أن تربطها ببعضها

 وبين أنّ الصّراع حولها ناشئٌ من التوظيف السّياسي والاحتكار الإيديولوجي والتنافس الحزبي عليها أوّلاً وآخِرًا. ورأى بأنّ هناك من لديه رغبة في إحداث مواجهةٍ بين الإسلام والعروبة من جهة وبين الأمازيغية من جهةٍ ثانية، عن طريق محاولة قطع صلة الأمازيغية بالعربية والإسلام، وربطها – بتعسّفٍ- بالتنصير والفرنسية، ويتجلّى ذلك في المواقف المتطرّفة لبعض رموز الحركة البربرية من الإسلام، ومن الوقوف ضدّ سياسة التعريب، ومن التمكين للفرنسية في المؤسّسات والوثائق الرّسمية،

 وفي السّعي لكتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، مع أنّ أقرب الحروف تناغمًا وتناسقًا معها تاريخيًّا هو الحرف العربي، كما تزخر به المخطوطات الأمازيغية المكتوبة بالحرف العربي في مختلف العلوم والفنون، وأنّ الأمازيغية تعرّضت إلى نوعٍ من الاحتكار والتوظيف الحزبي والإيديولوجي من أجل الضّغط والمساومة، كما أنّها تعرّضت إلى الإقصاء والتهميش من طرف النّظام السّياسي بعد الاستقلال، وأنّ هذه الخصوصية الأمازيغية هي حقيقةٌ ثابتة وواقعٌ ملموس على المستوى اللغوي والثقافي، وهي تعبّر عن الثراء والتنوّع الذي يميّز الشّعب الجزائري، 

وختم قوله بأنه يجب عدم الرّبط بين المطلب المشروع للتمكين لها وبين التوجّهات التفكيكية والانفصالية، وأنّ ترقية الأمازيغية يجب ألاّ يتصادم مع اللّغة العربية وألاّ تكون بديلةً عنها، كما يجب ألاّ تُتخذ حصان طروادة لهيمنة اللّغة الفرنسية والحرف اللاتيني. 

الخلاصة

"إن أعظم ما يمكن أن نمنحه لوطننا ومستقبلنا ولأبنائنا هو التعايش لا التناوش والتفاهم لا التصادم والحوار لا الخوار، ان اعظم انتماء ليس الانتماء الجغرافي، بل الانتماء الحضاري، ولا الافتخار بالأصل فقط، بل الإسهام في المصير الواحد الموحد المشترك فالهوية لا تعني الانغلاق، الهوية بمعناها الصحيح تعني أنا وأنت وليس أنا أو أنت .