الحراك الإخباري - مبادرة سوناطراك لخفض حرق الغاز: نحو مستقبل أخضر بحلول 2030
إعلان
إعلان

مبادرة سوناطراك لخفض حرق الغاز: نحو مستقبل أخضر بحلول 2030

منذ شهرين|سوناطراك

تعد عملية إزالة الكربون من أنظمة الطاقة في العالم ركناً أساسياً في الاستجابة العالمية لتغير المناخ. يُعتبر حرق الغاز، الذي يعود تاريخه إلى 160 عامًا، من بين الممارسات التي تساهم بشكل كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث يمثل ما يصل إلى 12% من الغازات المنبعثة من قطاع الطاقة العالمي.

مع توقع زيادة نسبة الطاقة المنتجة من النفط والغاز حتى عام 2040، يتعين اتخاذ إجراءات عاجلة لتسريع الانتقال إلى صفر انبعاث. إن إنهاء الحرق الروتيني للغاز وتقليل انبعاثات الميثان يمكن أن يقلل بشكل كبير من الانبعاثات، بينما يوفر الطاقة لملايين الناس. تُظهر التقديرات أن الغاز المصاحب المحروق على مستوى العالم يمكن أن يوفر الطاقة لجميع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.

تواجه الجزائر مشكلة كبيرة في حرق الغاز الطبيعي المصاحب لاستخراج النفط، مما يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة وتأثيرات بيئية سلبية. تعتبر شركة سوناطراك من بين الشركات العالمية التي تعاني من هذه المشكلة. في هذا المقال، سنسلط الضوء على حجم الخسائر المالية الناتجة عن حرق الغاز في الجزائر، وتأثيرات ذلك على البيئة، والإجراءات التي تتخذها سوناطراك للحد من هذه الظاهرة ضمن مبادرة "صفر حرق روتيني بحلول 2030". 

حجم الخسائر المالية

تقدر كمية الغاز المحروقة في الجزائر بحوالي 8.3 مليار متر مكعب سنويا ما يمثل حوالي 6.5 بالمئة من مجمل انتاج الجزائر السنوي الدي يعادل 130 مليار متر مكعب، مما يضع الجزائر في المركز السادس عالمياً في حرق الغاز بعد روسيا، إيران، العراق، الولايات المتحدة، وفنزويلا. هذه الكمية تمثل خسائر مالية تقدر بمئات ملايين الدولارات سنوياً. هذه الخسائر تؤثر بشكل مباشر على اقتصاد البلاد وتحد من الإيرادات التي يمكن تحقيقها من استغلال هذا المورد الطبيعي الثمين.

التأثيرات البيئية

حرق الغاز يؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهما من الغازات الدفيئة الرئيسية التي تساهم بشكل كبير في تغير المناخ العالمي. يُعَدُّ ثاني أكسيد الكربون أحد المساهمين الرئيسيين في ظاهرة الاحتباس الحراري، بينما يُعتبر الميثان أكثر فعالية بنحو 25 مرة من ثاني أكسيد الكربون في حبس الحرارة في الغلاف الجوي على مدى فترة زمنية قصيرة. بالإضافة إلى ذلك، ينتج عن حرق الغاز انبعاث جسيمات سوداء (الكربون الأسود)، التي تُعَتَبَر ملوثات هوائية خطيرة لها تأثيرات ضارة على الصحة العامة والبيئة المحيطة.

الكربون الأسود يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والقلب، ويمكنه أن يسهم في امتصاص أشعة الشمس ورفع درجات الحرارة. على المستوى البيئي، تساهم الجسيمات السوداء في تلوث الهواء والماء، وتؤدي إلى تدهور النظام البيئي من خلال الإضرار بالنباتات والحيوانات.

إلى جانب التأثيرات الصحية والبيئية، تتسبب هذه الانبعاثات في تلوث الهواء، مما يؤثر سلبًا على جودة الحياة في المناطق القريبة من مواقع الحرق. يساهم التلوث الناجم عن حرق الغاز في تغييرات مناخية طويلة الأمد تؤدي إلى تأثيرات سلبية على الزراعة، مصادر المياه، ومستوى البحار. لهذه الأسباب، يعد الحد من حرق الغاز جزءًا أساسيًا من جهود مكافحة تغير المناخ والحفاظ على الصحة العامة والبيئة. 

مبادرة "صفر حرق روتيني بحلول 2030"

في إطار الجهود العالمية للحد من حرق الغاز، وقعت سوناطراك في عام 2018 على مبادرة "صفر حرق روتيني بحلول 2030". هذه المبادرة تلتزم الحكومات وشركات النفط بإنهاء الحرق الروتيني للغاز في أقرب وقت ممكن وقبل نهاية العقد. تهدف المبادرة إلى دعم التعاون بين جميع الجهات ذات الصلة لإيجاد حلول للحرق الروتيني من خلال التنظيم المناسب، وتطبيق التقنيات، وترتيبات التمويل المناسبة.

بالفعل، شرعت الجزائر، ممثلة بشركة "سوناطراك، في اتخاذ خطوات عملية وملموسة لتوسيع استخدام الغاز الطبيعي بهدف خفض انبعاثات الكربون بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الجزائر إلى تعزيز الاعتماد على الهيدروجين الأخضر والأزرق الصديق للبيئة. 

الإجراءات المتخذة من قبل سوناطراك

تعكف سوناطراك على تنفيذ عدة إجراءات للحد من حرق الغاز، من بينها:

تطوير البنية التحتية: العمل على إنشاء محطات جديدة لمعالجة الغاز واستغلاله بدلاً من حرقه.

تطبيق تقنيات حديثة: استخدام تقنيات الكشف عن التسرب وإصلاحه بسرعة لتقليل انبعاثات الميثان.

الشراكات الدولية: التعاون مع شركات عالمية لتبادل الخبرات والتقنيات الحديثة في مجال إدارة الغاز وتقليل الحرق. ومن بين هذه الشراكات ما تم توقيعه في فبراير 2024 بين سوناطراك وشركة أكوينور النرويجية. الاتفاقية المبرمة تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة في منشآت النفط والغاز.

مذكرة التفاهم تهدف إلى التعاون الثنائي في إدارة غازات الاحتباس الحراري، وترمي إلى التصدي بفعالية لانبعاثات الغازات الدفيئة من خلال استكشاف حلول للطاقة منخفضة الكربون، وتيسير عملية الانتقال نحو مصادر طاقة أنظف، مما يساهم في حماية البيئة وسلامة المحيط.

السياسات والتشريعات: العمل على تحديث السياسات والتشريعات لتشجيع استغلال الغاز المصاحب وتطبيق عقوبات على عمليات الحرق غير الضرورية.

الحلول المتقدمة لتقليل حرق الغاز

تحتاج الجزائر إلى تحفيز أكبروزيادة الاستثمارات وتحسين الممارسات والاستفادة من تجارب الدول الرائدة مثل النرويج والبرازيل وماليزيا لتسريع تقليل حرق الغاز.

وضع خطط استثمارية عاجلة: يجب على سوناطراك وضع خطط استثمارية لتسريع تقليل الحرق، والاعتراف بأن إنهاء الحرق الروتيني وتقليل كميات الحرق غير الروتيني إلى أقل حد ممكن هما جزء أساسي من تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية من صناعة النفط والغاز.

الاستثمار في مشاريع استعادة الغاز المصاحب: ينبغي إعطاء الأولوية للاستثمار في مشاريع استعادة واستخدام الغاز المصاحب عند التخطيط وتصميم وتشغيل بنية النفط والغاز التحتية، للحفاظ على هدف "صفر حرق روتيني بحلول 2030".

التأكد من فعالية عمليات الحرق: مع استمرار الحرق، يجب التقليل من انبعاثات الميثان من خلال التأكد من أن عمليات الحرق فعالة.

الترويج لأفضل الممارسات: يجب الترويج لأفضل الممارسات في إدارة إنتاج النفط (والغاز المصاحب) ضمن قدرة البنية التحتية للغاز القائمة، خاصة خلال الفترات التي تكون فيها هذه البنية التحتية ذات قدرة منخفضة، لتجنب تراكم كميات كبيرة من الغاز غير الروتيني.

تصميم بنية تحتية مقاومة لتغير المناخ: يجب تصميم مشاريع بنية النفط والغاز ومشاريع تقليل الانبعاثات لتحمل التأثيرات الفيزيائية لمخاطر تغير المناخ.

تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص: يجب الاستفادة من التعاون القائم بين القطاعين العام والخاص لتمكين الانتشار الواسع واعتماد وتنفيذ التنظيمات الفعالة. 

إن تقليل حرق الغاز إلى الصفر ليس فقط مسألة اقتصادية، بل هو أيضًا ضروري للحفاظ على صحة الإنسان وحماية البيئة. يمكن أن توفر سوناطراك مبالغ مالية كبيرة من خلال تحويل الغاز المحروق إلى قطاعات أخرى أو تصديره، مما يزيد من العوائد الاقتصادية ويعزز الاستدامة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تقليل حرق الغاز سيقلل من المشكلات الصحية مثل أمراض الجهاز التنفسي والسرطانات بين عمال قطاع النفط والغاز، مما يحسن من جودة الحياة لهؤلاء الأفراد.

على المستوى البيئي، سيساهم الحد من حرق الغاز في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يسهم في مكافحة تغير المناخ وتحسين جودة الهواء. إن التزام سوناطراك بمبادرة "صفر حرق روتيني بحلول 2030" سيعزز من سمعة الشركة والجزائر ككل، مؤكداً على جديتنا في التصدي لتحديات المناخ والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.

تحقيق هدف الصفر في الحرق الروتيني سيضع الجزائر في مصاف الدول الرائدة في مجال الحفاظ على البيئة، مما يعزز من موقعها كلاعب رئيسي على الساحة الدولية في مجال الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. إن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب تضافر الجهود والتزاماً جاداً من جميع الأطراف المعنية، لتحقيق مستقبل أكثر استدامة للجميع.

 

زهير شيخي

مهندس مختص في الطاقة والاقتصاد

تاريخ Jul 4, 2024