الحراك الإخباري - لماذا يتردد القطاع الخاص في الاستثمار في الحليب؟
إعلان
إعلان

لماذا يتردد القطاع الخاص في الاستثمار في الحليب؟

منذ اسبوعين|رأي من الحراك

 

في خضم التحديات الاقتصادية المتزايدة، تبرز قضية الأمن الغذائي كأولوية وطنية للجزائر. وفي قلب هذه المعادلة، يأتي قطاع إنتاج الحليب ليشكل محوراً استراتيجياً يستدعي إعادة النظر في السياسات والممارسات الحالية.

يعد الاستثمار في إنتاج الحليب الطازج والحليب المجفف في الجزائر خطوة حيوية لتقليل الاعتماد الكبير على الاستيراد. ورغم أن الجزائر تعتبر واحدة من أكبر مستوردي الحليب المجفف في العالم، إلا أن شركات الألبان الخاصة مثل "صومام" و"دانون" و"الحضنة" لا تزال تعتمد بشكل كبير على جمع الحليب من صغار المربين بدلًا من الاستثمار في إنتاج الحليب محليًا من خلال مزارع أبقار كبيرة. 

واقع صناعة الحليب في الجزائر 

على مدى عقود، استفادت الشركات الخاصة الجزائرية العاملة في مجال صناعة الألبان مثل صومام، دانون، والحضنة من دعم الدولة السخي. هذا الدعم شمل توفير بودرة الحليب المدعومة، والإعفاءات الضريبية، والعديد من أشكال الدعم الحكومي الأخرى. ورغم هذا، ظل اعتماد هذه الشركات على استيراد الحليب المجفف كبيراً، مما يكلف الخزينة العامة مبالغ طائلة سنوياً. 

وفقاً لأحدث الإحصائيات، تنفق الجزائر ما يقارب 600 مليون دولار سنويًا لاستيراد حوالي 200 ألف طن من مسحوق الحليب ، وهو رقم يثقل كاهل الاقتصاد الوطني ويزيد من التبعية للأسواق الخارجية. 

الحاجة إلى تغيير النموذج 

في ظل هذا الواقع، يبرز سؤال ملح: لماذا لا تستثمر هذه الشركات، التي تحقق أرقام أعمال ضخمة تقدر بمئات الملايين من اليورو سنوياً، في مشاريع إنتاج الحليب الطازج محلياً؟ 

إن نموذج الاعتماد على جمع الحليب من صغار المنتجين الذين يملكون بضع بقرات لم يعد كافياً لتلبية الطلب المتزايد. الحاجة اليوم هي لاستثمارات ضخمة في مزارع الأبقار الحلوب على غرار مشروع بلدنا، الشراكة الجزائرية القطرية. 

نحو رؤية استثمارية جديدة 

لا يتوقع من كل شركة أن تستثمر 3.5 مليار دولار أو تستورد 270,000 بقرة حلوب كما هو الحال في مشروع بلدنا. لكن لو قامت كل واحدة من الشركات الخمس الكبرى في قطاع الألبان بالاستثمار في 20,000 إلى 25,000 بقرة حلوب، فإن هذا سيحدث تحولاً جذرياً في القطاع. 

هذا النهج من شأنه أن:

يقلص اعتماد الجزائر على استيراد الحليب المجفف بشكل كبير.

يعزز الأمن الغذائي الوطني.

يخلق فرص عمل جديدة في القطاع الزراعي.

يفتح آفاقاً للتصدير في المستقبل إلى الأسواق الأفريقية والعالمية. 

دور الحكومة في تحفيز الاستثمار 

على الحكومة الجزائرية أن تلعب دوراً محورياً في تحفيز هذا التحول. ويمكن تحقيق ذلك من خلال: 

عقد اجتماعات مع قادة شركات الألبان الكبرى لتشجيعهم على إطلاق مشاريع إنتاج الحليب الطازج.

تقديم حوافز إضافية مثل منح الأراضي مجاناً للمشاريع الاستراتيجية.

توفير إعفاءات ضريبية وتسهيلات مالية للمستثمرين في هذا القطاع.

وضع خطة وطنية تهدف إلى إطلاق 3 إلى 4 مشاريع كبرى بالتوازي مع مشروع بلدنا، بحيث يحتوي كل مشروع على 15,000 إلى 20,000 بقرة حلوب على الأقل. 

الخاتمة 

إن الاستثمار في إنتاج الحليب الطازج محلياً ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي وتعزيز الاقتصاد الوطني. على الشركات الخاصة أن تدرك مسؤوليتها الوطنية وأن تستثمر جزءاً من أرباحها الضخمة في تطوير القطاع الذي استفادت منه لعقود.

 

يجب أن يشجع القطاع الحكومي كبار منتجي الألبان في الجزائر على الاستثمار في مشاريع الحليب الطازج، ويمكن لهذه المشاريع أن تبدأ بالتصدير إلى الأسواق الأفريقية والدولية في غضون سنوات قليلة إذا تم تنفيذها بشكل فعال.

 

زهير شيخي 

مهندس مختص في الاقتصاد و النفط

تاريخ Sep 25, 2024