الحراك الإخباري - المغرب من الداخل: "الديستي" قلعة "الحموشي" المنيعة
إعلان
إعلان

المغرب من الداخل: "الديستي" قلعة "الحموشي" المنيعة

منذ شهر|الأخبار


لم يعد خفيا على أحد، ذلك الصراع الذي طفا على السطح، بشكل علني عبر وسائل الإعلام، وبطريقة حادة في الأروقة الأمنية وداخل دهاليز المؤسسة الملكية في المغرب.

"الحراك الإخباري" ومن خلال سلسلة مقالات تحليلية بعنوان "المغرب من الداخل" يرصد الصراع الخفي بين أجنحة المخزن وسعيها الحثيث للسيطرة على مفاصل الحكم في ظل الموت الوظيفي للعاهل المغربي "محمد السادس" وعجزه عن أداء وظائفه الأساسية باعتباره المهيمن على الحياة السياسية والاقتصادية في البلد.

في الحلقة الثانية وما يليها من حلقات نتعرف على المخزن الأمني وصراعه الذي لا ينتهي، وهو تلك المؤسسات الأمنية والمخابراتية التي حولت المغرب إلى سجن كبير وبلغت فضائحها في الخارج عنان السماء وأهمها بعد المخابرات الخارجية، المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (البوليس السياسي) أو المخابرات الداخلية (الديستي) التي يقودها منذ سنوات "عبد اللطيف الحموشي" الذي يعتبر الرجل القوي أيضا في وزارة الداخلية لكونه المدير العام للأمن الوطن (البوليس).

"بيغاسوس" الوجه القبيح للحموشي

خصص الموقع الإخباري الفرنسي "ميديا بارت" (Médiapart) في 22 جويلية 2021 مقالا لرئيس المخابرات الداخلية والخارجية المغربية، "عبد اللطيف الحموشي"، "مهندس" الانزلاق المغربي المتعلق بقضية برنامج التجسس الصهيوني "بيغاسوس"، بحيث تناول كيف قامت المملكة المغربية على مر الزمن ببناء نظام قمعي من أجل لجم أصوات المجتمع من خلال مراقبة سيبرانية مفرطة.

وقد أخرجت هذه القضية التي تعد أكبر فضيحة تجسس منذ قضية "سنودن" من الظل عبد اللطيف الحموشي، وهو أول رجل في تاريخ المملكة جمع بين الإشراف على المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.

وفي هذا الصدد، قال ديبلوماسي فرنسي أن "عبد اللطيف الحموشي هو مهندس الانزلاق الأمني والتعسف المغربي".

واعتبرت الجريدة الالكترونية أن الحكم الملكي المغربي "هو نظام تعسفي قام على مر عشريات كاملة ببناء نظام قمعي حتى تكون له عين وأذن في كل مكان تقريبا ووسط مختلف شرائح المجتمع (...) نظام تقوم أحد دواليبه الأساسية اليوم على المراقبة السيبرانية، بفضل عبد اللطيف الحموشي".

وذكرت الجريدة الفرنسية بأن عديد الشخصيات العمومية الرفيعة المستوى، فرنسية وأجنبية، بما فيها الرئيس ايمانويل ماكرون وعدة وزراء، كانوا ضمن الأهداف المباشرة لمصالح الأمن المغربية ولاسيما المخابرات الخارجية.

وفي هذا الشأن، صرح للموقع الإخباري "ميديا بارت" ولجريدة "لومانيتي" المثقف المغربي "معطي منجب" وهو من ضحايا مضايقات المخزن ومراقبته، أن "المغرب يحكمه في الواقع البوليس السياسي الذي يطبق على الأنفس".

وتحدث المؤرخ عن "نظام قائم على المناورات السياسية البغيضة والافتراء بفضل خادم خفي للدولة ألا وهو عبد اللطيف الحموشي" مضيفا أن "المخابرات تملك ملفات حول جميع الشخصيات العمومية وأن أدنى رأي أو موقف مخالف يعرض على الفور للقذف والتشهير. فحتى الوزراء الموالين للنظام على أعلى مستوى يتعرضون أحيانا لمثل هكذا ممارسات".

"فكل خطوة جانبية تعرض صاحبها لسخط القصر الملكي ولحملات التشويه من طرف إعلام القذف. وأكبر هاجس للسلطة هو انتفاض الشعب المغربي الذي يختنق في مملكة اللامساواة"، يضيف ذات المتحدث.

وقد ورد اسم عبد اللطيف الحموشي (55 سنة) المنحدر من مدينة تازة المغربية في قضية التوتر الدبلوماسي غير المسبوق بين باريس والرباط من 2014 إلى 2015. وفي تلك الفترة، نظرت العدالة الفرنسية في ثلاث شكاوى قدمت ضده بسبب "التعذيب" و "التواطؤ في التعذيب".

وفي 20 فبراير 2014، وهو في زيارة إلى باريس، استدعته قاضية باريسية وأرسلت رجال شرطة لمنزل السفير المغربي في نويي من أجل استجوابه وبين عشية وضحاها، وضع المغرب حدا لكل تعاون قضائي وأمني مع فرنسا، لاسيما في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية. لكن وبعد مرور سنة، قام البلدان بإنهاء الخلاف وإقرار مصالحة بينهما (1)، وسنعود إلى هذه الأزمة لاحقا

"الحموشي"، هندسة دواعش المخزن

وعرف عبد اللطيف الحموشي الذي يعتبر مسؤولا أمنيا بارزا ورجلا قويا يجمع منصبين أمنيين مهمين باطلاعه على طريقة عمل خلايا التنظيمات الجهادية وإلمامه بالعمل الحركي الإسلامي في المغرب.

وبدأ الحموشي القادم من شمال شرق المملكة المغربية مسيرته المهنية سنة 1993 عندما التحق بالمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وهو جهاز مخابرات داخلي وتمكن خلال هذه الفترة من التعامل مع ملفات الخلايا المسلحة في إعقاب الاعتداء الإرهابي على فندق أطلس آسني بمدينة مراكش (24 أغسطس/أوت 1994).

وبعد تنحية وزير الداخلية السابق إدريس البصري في 1999 وتعيين الجنرال حميدو لعنيكري على رأس جهاز الـ "دي أس تي" DST بدأ نجم الحموشي في الصعود كواحد من أكبر المتخصصين في طريقة عمل ما يسمى بالخلايا الجهادية وطرق التعامل معها (مكافحتها) فضلا عن إلمامه الجيد بتاريخ الحركات السياسية في المغرب ومختلف مشاربها الفكرية والإيديولوجية.

وبالرغم من تنحية الجنرال لعنيكري عقب الهجمات المسلحة بالدار البيضاء في 2003 بقي الحموشي محتفظا بمسؤولياته إلى غاية تعيينه في 2007 على رأس المخابرات الداخلية المغربية (الدي أس تي) حيث أصبح أصغر مدير عام لهذا الجهاز فلم يتجاوز عمره في ذلك الوقت 39 سنة.

وعرف عن الرجل الذي درس في كلية الحقوق والعلوم الاجتماعية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس العمل في صمت قبل أن يبرز اسمه في واجهة الأحداث كما قلنا على خلفية أزمة فرنسا المغرب في فبراير 2014.

فرنسا-المغرب: فتيل الأزمة "الحموشي"

وكان الحموشي سببا في توتير العلاقة المتميزة بين المغرب وفرنسا، بعد أن قدم البطل المغربي في رياضة الكينغ بوكسينغ "زكريا المومني" شكوى إلى القضاء الفرنسي متهما رجال المسؤول الأول عن المخابرات الداخلية بممارسة التعذيب في حقه بعد اعتقاله بمركز اعتقال سري في 2010.

وبعد تقديم الشكوى، وخلال وجود الحموشي في فبراير 2014 في زيارة خاصة بفرنسا، تم تقديم طلب قضائي لتوقيفه والتحقيق معه على خلفية هذه الاتهامات.

ودفع هذا الإجراء القضائي الرباط لتقديم احتجاج شديد اللهجة إلى باريس على خلفية ما جرى، وسط حديث عن معلومات تتعلق بتقديم منظمة فرنسية غير حكومية شكوى ضد "عبد اللطيف الحموشي"، تتهمه بممارسة التعذيب، حيث كانت المسؤولة بمنظمة "عمل المسيحيين من أجل مناهضة التعذيب" "هلين ليكاي" قد طالبت السلطات الفرنسية بالاستماع إلى الحموشي بناء على شكاوى في باريس تتعلق بممارسته التعذيب.

ووصفت الخارجية المغربية في بيان الحادث بأنه "خطير وغير مسبوق" في العلاقات بين البلدين، قائلة إن من شأنه المساس بجو الثقة والاحترام الذي يطبع علاقات الرباط وباريس بالتوازي مع إيقاف اتفاقية التعاون القضائي بين البلدين.

وانتهت هذه الأزمة العابرة بعد سنة (فبراير 2015) بتكريم فرنسا للحموشي وتقديم وسام استحقاق من درجة ضابط جوق الشرف له وهو التكريم الثاني بعد تقليده في 2011 وساما من درجة فارس (2).

أما في المغرب فقد عين ملك المغرب محمد السادس في 15 مايو 2015 الحموشي مديرا عاما للأمن الوطني (جهاز الشرطة) ليجمع الرجل اثنين من أكثر المناصب الأمنية حساسية وأقربها إلى المؤسسة الملكية ليبدأ أحد أكثر الشخصيات جدلا في "مملكة التجسس" مهمة تحديث آليات العمل داخل الجهازين بالاعتماد على ما سمي بالأساليب الاستباقية والحرص على احترام التزامات الدولة المغربية بالمحافظة على الأمن والسلم الاجتماعيين (إجهاض أي حراك) وحقوق الأفراد والجماعات (دون تلفيق القضايا والتشهير طبعا). (3)

المصادر: 

(1) - قضية بيغاسوس/ميديا بارت: عبد اللطيف حموشي أو "مهندس" الانزلاق المغربي، وكالة الأنباء الجزائرية، 22 يوليو/جويلية 2021. 

(2) - الحموشي.. مدير المخابرات الداخلية المغربية، موقع الجزيرة، 8 يونيو/جوان 2016، رابط مختصر: https://bit.ly/35n0lbk

(3) – المنصور قدور بن عطية، بيغاسوس مملكة التجسس، دار الوعي للنشر والتوزيع، الجزائر، 2023، من ص 277 إلى 281.


جيلالي عبد القادر

تاريخ Aug 1, 2024