بقلم الدكتور محمد عبد الستار
بعد تقليب الموضوع من كل جوانبه، يمكن القول إن مشروع القرار الأمريكي للحكم الذاتي في الصحراء الغربية سيفشل، سواء في المدى القصير أو على المدى البعيد، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار، لا قرارات مجلس الأمن، ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا محكمة العدل الدولية، ولا محكمة العدل الأوروبية، ناهيك عن نضالات الشعب الصحراوي، وإنما أخذ القرار بوصف بلاده القوة العسكرية الأولى، معلنا التأسيس لقانون الغاب وعدم جدوى القانون الدولي وحتى الأمم المتحدة نفسها كما حدث لعصبة الأمم قبلها.
1975-2025: إتمام 50 سنة من الاحتلال
في اليوم الذي يبدأ مجلس الأمن الدولي يناقش مشروع القرار الأمريكي حول "الحكم الذاتي للصحراء الغربية"، تكون 50 سنة قد مرت على "احتلالها من قبل المغرب في 31 أكتوبر 1975، فيما يعرف باسم "المسيرة الخضراء" التي يسميها الصحراويون "المسيرة السوداء".
يقضي مشروع القرار الذي قدمه ترامب حول الصحراء الغربية، بأن "الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب عام 2007 هو الأساس الجاد والموثوق والواقعي للتوصل إلى حل سياسي دائم ومتوافق عليه"، ويدعو الأطراف المعنية إلى الدخول في مفاوضات دون شروط مسبقة وفورا. على أن تحتضن الولايات المتحدة هذه المفاوضات.
هذا أهم مستجد في قضية الصحراء الغربية، أما ما تضمنه مشروع القرار بخصوص تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية "المينورسو" إلى غاية 31 جانفي 2026، فهو تحصيل حاصل حيث أصبح ذلك عادة أممية سنوية.
ويستند "مشروع القانون الأمريكي" للقوة العسكرية الأمريكية، لفرض الحلول للأزمات التي يعرفها العالم، حسب الهوى الأمريكي، مثلما يحصل في غزة حاليا، ومثلما حاول ترامب فعله مع روسيا لكنه تعثر لحد الآن لاصطدامه بقوة عسكرية روسية موازية، وفعله مع دول عديدة كباكستان والهند وتايلاندا وكومبوديا.
عوامل فشل مشروع الحكم الذاتي
والحقيقة أن هناك العديد من العوامل التي يفترض أن تكون من أهم العوائق في سبيل نجاح مشروع الحكم الذاتي في نسخة ترامب، ولعل أهمها مايلي:
1 - توهم ترامب: الصحراء الغربية أرض بلا شعب
يعتبر "مشروع القرار" الأمريكي للحكم الذاتي، الصحراء الغربية بمثابة أرض بلا شعب ويريد منحها لشعب لديه أرض، بمعنى أن مشروع القرار يلغي تماما وجود شعب اسمه "الشعب الصحراوي" يعيش في أرضه وقاوم من أجلها أكثر من نصف قرن من الزمن. وإلا كيف نفسّر السعي لفرض "الحكم الذاتي" كخيار وحيد على شعب يعيش في أرضه ويقاتل من أجلها؟ اللهم إلا إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدفع جبهة البوليساريو إلى تصعيد العمل المسلح، ليتخذ ذلك حينها ذريعة ليكون مصيرها كمصير غزة. لكن إذا كان لابد من ذلك، فيتعين على الشعب الصحراوي أن يفعل.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتبرت "المغرب قوة احتلال" في عدة قرارات منها قراري الجمعية العامة 34/37 المؤرخ 21 نوفمبر 1979 و35/19 المؤرخ 11 نوفمبر 1980، وغيرها من القرارات، بمعنى أنها "أرض لديها أهلها".
كما أن مجلس الأمن في قراره 380 (1975) المؤرخ 6 نوفمبر 1975، شجب احتلال المغرب للصحراء الغربية، ودعاها إلى "السحب الفوري لجميع المشاركين في المسيرة الخضراء" من الصحراء الغربية. ما يعني أن مجلس الأمن ومنذ عام 1975 يعتبر الصحراء الغربية أرضا محتلة ولها أهلها. ما يعني أن مشروع القرار الأمريكي لا يمكن أن يمر بسهولة، وحتى إذا مر في مجلس الأمن لن يتحقق واقعيا بالسهولة والسرعة التي يريدها ترامب.
2 – قرار ترامب احتقار لمجلس الأمن والأمم المتحدة
بمثل هذا القرار، يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شأنه في ذلك شأن بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، على غرار فرنسا وبريطانيا المؤيدتين للحكم الذاتي، قد احتقر مجلس الأمن والأمم المتحدة. ذلك أن الأمم المتحدة هي التي أدرجت الصحراء الغربية في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي منذ عام 1963، مستندة للمعلومات التي أحالتها لها إسبانيا بوصفها البلد المحتل، بشأن الصحراء الغربية.
وأيضا، إن مجلس الأمن هو الذي أنشأ منذ 34 سنة أي منذ عام 1991 تحت سلطته، بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، وظل يذكر ويؤكد على جميع قراراته بشأن الصحراء الغربية.
ومنذ 34 سنة، عين مجلس الأمن ثمانية مبعوثين أمميين خاصين للصحراء الغربية منهم جوهانس مانس، وصاحب زاده يعقوب خان، وإيريك جينسن، وجيمس بيكر، وبيتر فان فالسوم، وكريستوفر روس، وهورست كوهلر، وآخرهم ستيفان دي ميستورا منذ أكتوبر 2021.
وبذلك فإنه من غير المعقول تهميش قرارات الجمعية العامة بشأن الصحراء الغربية باعتبارها قضية تصفية استعمار مُدرجة على جدول أعمال الأمم المتحدة منذ عام 1963، والإنقلاب على قرارات مجلس الأمن السابقة لصالح صفقات ترامب المعروفة والمخفية.
3 – محكمة "العدل الدولية" مرجعية مجلس الأمن والجمعية العامة
في عام 1976 أبدت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري بشأن سؤالين قدمتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 3292 حول إقليم الصحراء الغربية، واستمرت المداولات من ديسمبر 1974 حتى أكتوبر 1976، ونص الحكم النهائي للمحكمة على أن "المواد والمعلومات المقدمة إليها لا تثبت أي علاقة للسيادة الإقليمية بين إقليم الصحراء الغربية والمملكة المغربية أو الكيان الموريتاني. وبالتالي، لم تجد المحكمة روابط قانونية من هذا القبيل قد تؤثر على تطبيق قرار الجمعية العامة رقم 1514 في إنهاء استعمار الصحراء الغربية، وعلى وجه الخصوص، مبدأ تقرير المصير من خلال التعبير الحر والصادق عن إرادة شعوب الإقليم."
ورغم أن قرار محكمة لاهاي استشاري وليس ملزما، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة وحتى مجلس الأمن استندا إليه في كامل قراراتهما اللاحقة، فهل ينجح ترامب في إهانة المحكمة العليا لصالح صفقات سياسية واقتصادية؟
4- هل تصمت محكمة العدل الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي؟
بتاريخ 31 جانفي 2025 أقر مجلس الاتحاد الأوروبي رسميا بإلغاء اتفاقيات التجارة والصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في الصحراء الغربية، مؤكدا الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية في أكتوبر 2024، التي أكدت المبادئ الأساسية في القانون الدولي بما في ذلك حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وعدم شرعية أي اتفاقيات تؤثر على الإقليم دون موافقته. كما أقرت المحكمة أيضا أن المنتجات القادمة من الصحراء الغربية يجب أن تُصنف على أنها صحراوية وليست مغربية. ولا نعتقد أن هذه المؤسسات الأوروبية تغض الطرف عن انخراط دول أوروبية في مسرحية الحكم الذاتي، فالعدالة في أوروبا مؤثرة جدا في القرار السياسي.
5- ما موقف الاتحاد الإفريقي؟
تعتبر الجمهورية العربية الصحراوية عضوا مؤسسا للاتحاد الإفريقي، أي أنها دولة كاملة العضوية، وينظر الاتحاد الإفريقي للصحراء الغربية على أنها مسألة تصفية استعمار وهي آخر مستعمرة في إفريقيا، وتقرير المصير ينص عليه القانون التأسيسي للاتحاد، لكن عودة المغرب للاتحاد الإفريقي عام 2017 أثر نسبيا على مواقف بعض الدول وليس مواقف الإتحاد. ومنذ تأسيس الإتحاد الإفريقي عام 1963 في نسخة "الوحدة الإفريقية" وهو مؤيد لحق الشعوب في تقرير مصيرها، لاسيما القضية الصحراوية. فهل يتراجع تماما عن خيار تقرير المصير وهو المبدأ الذي حصلت بموجبه معظم الدول الإفريقية على استقلالها لا سيما بعد مبادئ باندونغ 1955 وتحديدا البند 13، وخاصة إذا كانت الجمهورية العربية الصحراوية العضو المؤسس للاتحاد متمسكة بحقها الشرعي في الإستفتاء؟
6- هل تضحي روسيا والصين بمبادئهما وصورتهما في العالم؟
ربما ستكون روسيا والصين بوصفهما عضوان دائمان في مجلس الأمن يتمتعان بحق النقض، أهم تحدي بالنسبة لمسألة "الحكم الذاتي كخيار وحيد والشروع في مفاوضات فورا وبأمريكا".
فمن المعلوم أن موسكو وبيكين دائما ما تتخذا القرارات التي تكون منسجمة مع القانون الدولي، في مختلف الأزمات الراهنة، لاسيما منذ انهيار الإتحاد السوفياتي، وعارضتا الحرب على العراق عام 2003 وحرب أفغانستان عام 2001 وغيرها من القرارات.
ثم هناك عامل المصلحة، فمن مصلحة روسيا أن لا تنجح الولايات المتحدة في الخروج سالمة من الأزمات التي تريد حلها بسرعة وعلى الطريقة الأمريكية، حتى لا تتفرغ لتمويل أوكرانيا في حربها مع روسيا، لاسيما بعد التصريحات الأخيرة للرئيس ترامب بخصوص بوتين وإلغاء اللقاء الذي كان مقررا بين الرجلين في المجر.
أما الصين، فهي تدرك تماما أن "كل"، نؤكد على كلمة "كل".. كل الترتيبات التي تقوم بها أمريكا حاليا هي ضد الصين، سواء "وقف الحرب على غزة" من أجل بناء الممر الاقتصادي الهندي كما أوضحت في المقال السابق، أو السعي لفرض "سلام" بين الجزائر والمغرب لحصار الصين في شمال إفريقيا والساحل، أو تمتين العلاقات بين الولايات المتحدة ودول جنوب شرق آسيا "الأسيان"، حتى التدخل الأمريكي لوقف الحرب بين الباكستان والهند، فقد كان استراتيجيا قرارا ضد الصين، أي حتى تحافظ أمريكا على الهند من الإستنزاف، فهي تحتاج إليها ضد الصين وليس ضد باكستان.
7- الصحراويون لديهم كل الأدوات القانونية والأخلاقية للدفاع عن حقهم
إن قرار ترامب لا يعني أن "الحكم الذاتي أصبح تحصيل حاصل"، تحت تأثير القوة العسكرية التي تملكها الولايات المتحدة، وإلا لم يعد هناك أي مجال لدفاع الدول والشعوب عن حقوقها، بل إن الشعب الصحراوي لديه ما يكفي من الآليات القانونية والأخلاقية للدفاع عن حقه المشروع، في تقرير المصير.
لذلك أعلنت جبهة البوليساريو بتاريخ 21 أكتوبر 2025 استعدادها لـ "تقاسم فاتورة السلام مع المغرب" من خلال المقترح الموسع لحل قضية الصحراء الغربية، يهدف إلى “تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير، واستعادة السلم والاستقرار في المنطقة”. وهو المقترح الثاني الموسع الذي قدمته البوليساريو للأمم المتحدة بعد ذلك الذي قدمته في 10 أبريل 2007 الذي يؤكد على استفتاء "تقرير المصير". وتقاسم الفاتورة "يعني عدم القبول بالحكم الذاتي كخيار وحيد".
وبتاريخ 22 أكتوبر 2025 راسل رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الأمين العام للأمم المتحدة، مشددا على استفتاء تقرير المصير بعدما سجل كل الخروقات المغربية لوقف اطلاق النار لعام 1991.
وبتاريخ 24 أكتوبر 2025 أعلنت البوليساريو رسميا وبشكل قطعي أنها لن تشارك في أي مفاوضات لحل النزاع في الصحراء الغربية إذا تمكنت أمريكا من تمرير مشروع قرارها للحكم الذاتي في مجلس الأمن، وجاء ذلك في الرسالة العاجلة التي وجهها ممثل جبهة البوليساريو إلى الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا بصفته رئيس مجلس الأمن.
ما شرحناه سابقا يخص الشق السياسي، أما الشق الأخلاقي، فلربما يكتسي بعدا أهم من الشق السياسي، بمعنى أن جبهة البوليساريو، إذا وافقت على "الحكم الذاتي، تكون قد أهانت الدول التي تعترف بها منذ سنوات ولم تتخل عن موقفها رغم الضغوطات من قبل المغرب وحلفائه من العرب والغرب، حيث كانت الجمهورية الصحراوية تحظى باعتراف 87 دولة قبل أن يتراجع العدد حاليا إلى 63 دولة، وهي إهانة أيضا للاتحاد الإفريقي الذي يعترف بها وتعتبر عضو مؤسس له، فضلا عن كون ذلك إهانة لدماء الشهداء الصحراويين.
لذلك، وفي المحصلة، لا نرى أي مخرج لقرار ترامب، وسيظل مصير الصحراء الغربية مرهونا بالإستفتاء. لكن لماذا ترفض المغرب الإستفتاء؟ هذا ما سنشرحه في المقال القادم.
عنوان المقال القادم:
من تجربة "كردستان العراق" إلى إقليم "كتاليونيا"، ومن خطة "جيمس بيكر " إلى مقترح "دونالد ترامب": لهذا يخشى المغرب الاستفتاء على تقرير المصير.

