" شكون راهو صايم ستّة من شوال يشرّفنا بالحضور"، كتب أحدهم على صفحته بالفيسبوك، لاقى تعليقات تباينت بين الانتقاد، الاستحسان وتدوين عدد أيام الصيام، وآخرى نشرت " شكون فيكم راه صايم اليوم شوال، ولا مزال يصوم فيهم ولا ناوي يصومهم، أنا صايمة لوجه الله تعالى"، ومنهم من طلب عقد نية جماعية لصوم " الصّابرين"، منشورات ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي فاتحة المجال لجدل بين مؤيدي الصيام خفية عن الأعين من باب أنه علاقة خفية بين العبد وربّه، وبين من يفعل ذلك فخرا ومباهاة.

كل شيء مباح نشره عبر الفضاء الأزرق عند البعض، تجاوز التعبير عن آراء فكرية وسياسية، الوعظ والارشاد، التوعية والتحسيس وغيرها، إلى نشر " الغسيل" بلا حدود، عرض المقتنيات اليومية بعبارة " شوفو واش شريت اليوم"، استعراض الانجازات والتفاخر بما حقّقوه، ليتحوّل الواقع البديل أو الافتراضي إلى ملجأ لإفشاء الأسرار وما يدور بين جدران البيوت، معلومات مكثّفة عن تفاصيل الحياة اليومية والاجتماعية، ليتجاوز ذلك إلى أمور لا يطّلع عليها إلا الله، وفيما يستوجب أن تكون نيّتها خالصةً له يعقدها البعض علانية.

صيام داود عليه السلام، عشرة ذي الحجة لغير الحاج، صوم الاثنين والخميس، الأيام البيض، عاشوراء وست من شوال، من صيام التطوّع وقربة خالصة لله تعالى، إلى مطيّة للتباهي والتفاخر عبر الانترنت، على يد روّاد من مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، مع عرض مائدة شوال التي لا تختلف عن مائدة رمضان، وفي ذلك أبدى" زكرياء،ب" من العاصمة لـ" الحراك الاخباري" امتعاضه من زميله في العمل الذي يتعمّد سؤاله كل عام " راك صايم شوّال؟"، ليلقي على مرأى زملائه محاضرة حول فضائل صيام شوّال وغيره، " وكأنني خالفت فرضا وليس سنّة، حتى أنه بات يجمعه مع رمضان وأخشى أن يحتّم علينا صوم 36 يوما متتالية".

من جهتها، أشارت " نجيّة" ربّة بيت من العاصمة، أنّ صيام " الصّابرين سنّة،  للأسف يتباهى الكثيرون بصومها في اللقاءات وعبر وسائط التواصل الاجتماعي، ويعتبرون من المشين تركها"، مؤكدة أنها ترفض اعلان صيامها لصديقاتها اللواتي غالبا ما ينشرن ذلك عبر صفحاتهن وفي المجموعات، ولو بعبارة " صحّ فطكوركم"، وهو ما بات يثير سخطها على حدّ قولها متعلّق بعلاقة بين العبد وربّه سرّا، اعلانها يندرج في سياق "التفاخر والرياء".

ذات الطّرح خالفه " عبد الله" موظف من العاصمة، مشيرا إلى أنّ اشاعة صيام التطوّع بين الناس يحتّم النّشر عبر الفيسبوك باعتباره الأكثر استخداما في بلادنا، من باب تعميم الفائدة وليقتدي غيره وليس البتّة لأجل" الزوخ والفوخ"، بدليل أنّ "أغلب التعليقات أيّدتني وأبدى أصحابها نيّتهم في الصّوم خلال الأيام المقبلة"، غير أنّ زوجته خالفته الرأي لإمكانية نشر صور وأحاديث تحثّ على صيام التطوّع عوضا عن اعلان الصيام عبر منشور قد يذهب الأجر.

الشيخ بوسعيد ابراهيم، إمام مسجد أهل بدر بأدرار:
العبادة روحها الاخلاص والتباهي " مكروه"

للوقوف على فضل صيام الستّ من شوّال وحكمه الشرعي أكّد الشيخ بوسعيد ابراهيم، إمام مسجد أهل بدر بولاية أدرار لـ" الحراك الاخباري" بأنّ صوم ستة ايام من شهر شوال " مستحب" للحديث الذي رواه مسلم "من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر"، فضائلها "عظيمة لما أخرج الطبراني بإسناده وإن كان ضعيفا يستحب العمل به في فضائل الاعمال عن ابن عمر رضى الله عنهما-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان واتبعه  ستامن شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

وفي ردّه على المتباهين بصيام التطوّع اعتبر الشيخ ذلك "مكروها لأن العبادة روحها الإخلاص"، ليذهب لأبعد من ذلك بقوله " ربما الذي لم يصمها يؤجر أكثر من الذي صامها تباهيا ورياء، فيبطل عمله دون أن يشعر لذلك"، وأنّ " الإمام مالك رحمه الله جعل إخفائها شرطا لسد باب الدرائع".

لنا كلمة

وإذ نشير إلى أنّ الحالات التي سقناها ما هي إلا نماذج لأناس بين ظهرانينا، ساوو بين العادة والعبادة بعد أن أضحى نشر كل شيء مباح عبر الفضاء الأزرق، فاختلط عندهم الحابل بالنابل، بعضهم عن حسن نيّة والبعض الآخر وجد في ذلك مطيّة للتباهي والرياء المذموم، فمن صام تطوعا يؤجر ووسيلته للتقرّب من الله دون سواه وليس مطيّة لجلب المزيد من "اللايكات" أو كلمات الاطناب لقوله في الحديث القدسي " كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصّوم، فإنّه لي وأنا أجزي به".

سميّة.م