الحراك الإخباري - كتاب يعكس التبادل العلمي بين المغرب والمشرق: الغنية... فهرسة شيوخ القاضي عياض
إعلان
إعلان

كتاب يعكس التبادل العلمي بين المغرب والمشرق: الغنية... فهرسة شيوخ القاضي عياض

منذ 5 سنوات|قراءة في كتاب

يُعتبر كتاب "الغنية" للقاضي عياض (476-544 هجري/1083-1149م) وثيقة مهمة تبين لنا طرق الاتصال الثقافي والفكري، وحركة التبادل العلمي بين المغرب والمشرق، وقد كان لسبتة بحكم موضعها دور فعال في هذا الاتصال، كما كان القاضي عياض بحكم ذيوع شهرته وغزارة معارفه مهيئاً لأن يلعب دور الوسيط، وقد تعدى هذا الدور فترك بصمات واضحة على مجرى الثقافة الإسلامية الأصولية في الفكر الإسلامي في المغرب وتعدت شهرته وأهميته نطاق المغرب، فظلت كتبه قيد التداول والدرس والشرح، وما زالت حتى يومنا هذا. من هنا تبرز أهمية الغنية بما تضمنته من ضبط لسلاسل السند والرواة، ولما تلقيه من ضوء على طرق الاتصال الثقافي ونوعية الكتب والمعارف التي كانت سائدة في عصر عياض، والتي كان لها دور في تكوين شخصيته الفذة.
كتاب "الغنية: فهرسة شيوخ القاضي عياض"، وهو من دراسة وتحقيق الدكتور محمد بن عبد الكريم، رحمه الله، يحتوي في بدايته على قسم يتعلق بجميع الفهارس على وجه العموم، أما قسمه الثاني فيتعلق بفهرست الإمام الأوحد الهمام المولى عياض بن موسى بن عياض اليحصبي على وجه الخصوص، فهو يتضمن على فهارس الأشياخ على العموم، وفي سائر أنواع العلوم، حيث سمى الأشياخ الذين أخذ عنهم: قراءة، وسمعا، ومناولة، وإجازة، وممن كتب إليه، وذكر من خبر كل واحد منهم ما يعطي الحال وفقه بطرف من الاختصار والإيجاز.
ذلك أن الشيخ عياض قد أفرد لعلمائه وشيوخه الذين التقى بهم في رحلته، حيث ترجم لهم، وتناول حياتهم ومؤلفاتهم وما لهم من مكانة ومنزله وتأثير.
ونقرأ عينة من ذلك في كتاب "الغنية" مما ورد في الصفحات(70ـ71ـ72):
فقصدت محمد بن إسماعيل البخاري ببخارى صاحب التاريخ والمنظور إليه في معرفة علم الحديث، وأعلمته بمرادي وسألته الإقبال علي في ذلك.
فقال لي: يا بني لا تدخل في أمرٍ إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقداره.
فقلت له: عرفني، رحمك الله، حدود ما قصدتك له ومقادير ما سألتك عنه.
فقال لي: اعلم أن الرجل لا يصير محدثاً كاملاً في حديثه إلا بعد أن يكتب أربعاً مع أربعٍ، كأربعٍ مثل أربعٍ، في أربعٍ عند أربع، بأربع على أربع، عن أربع لأربع. وكل هذه الرباعيات لا تتم له، إلا بأربع مع أربع. فإذا تمت له هان عليه أربع وابتلي بأربع، فإذا صبر على ذلك أكرمه الله بأربع وأثابه في الآخرة بأربع.
قلت له: فسر لي ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات، من قلب صافٍ بشرحٍ كاف وبيانٍ شاف، طلباً للأجر الوافي.
فقال: نعم، أما الأربعة التي تحتاج إلى كتبها هي أخبار الرسول عليه السلام وشرائعه، والصحابة ومقاديرهم، والتابعين وأحوالهم، وسائر العلماء وتواريخهم، مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأزمنتهم، كالتحميد مع الخطب، والدعاء مع الرسل، والبسملة مع السور، والتكبير مع الصلوات، مثل المسندات والمرسلات
والموقوفات والمقطوعات، في صغره وفي إدراكه وفي كهولته وفي شبابه، عند فراغه وعند شغله، وعند فقره وعند غناه، بالجبال والبحار، والبلدان والبراري، على الأحجار والأصداف، والجلود والأكتاف، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق، عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه، وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره، لوجه الله تعالى، طالباً لمرضاته، والعمل بما وافق كتاب الله تعالى منها، ونشرها بين طالبيها ومجتبيها، والتأليف في إحياء ذكره بعده.
ثم لا تتم له هذه الأشياء، إلا بأربع من كسب العبد، أعني معرفة الكتابة واللغة والضبط والنحو.
مع أربع هي من إعطاء الله تعالى أعني: القدرة والصحة والحرص والحفظ.
فإذا تمت له هذه الأشياء هان عليه أربع: الأهل، والولد، والمال، والوطن
وابتلي بأربع: بشماتة الأعداء، وملامة الأصدقاء، وطعن الجهلاء، وحسد العلماء.
فإذا صبر على هذه المحن، أكرمه الله في الدنيا بأربع: بعز القناعة، وبهيبة النفس، ولذة العلم، ومسرة الأبد.
وأثابه في الآخرة بأربع: بالشفاعة لمن أراد من إخوانه، وبظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، وبسقي من أراد من حوض نبيه، وبجوار النبيين في أعلى عليين في الجنة.
فقد أعلمتك يا بني، مجملاً جميع ما كنت سمعته من مشايخي متفرقاً في هذا الباب. فأقبل الآن على ما قصدتني له، أو دع.
قال: فهالني قوله فسكت متفكراً، وأطرقت نادماً، فلما رأى ذلك مني قال: وإن لا تطق احتمال هذه المشاق كلها فعليك بالفقه الذي يمكنك تعلمه وأنت في بيتك، قار ساكن، لا تحتاج إلى بعد الأسفار، ووطء الديار، وركوب البحار، وهو مع ذا ثمرة الحديث. وليس ثواب الفقيه بدون ثواب المحدث في الآخرة، ولا عزه بأقل من عز المحدث.
قال: فلما سمعت ذلك نقض عزمي في طلب الحديث وأقبلت على دراسة الفقه وتعلمه إلى أن صرت فقيهاً متقدماً فلذلك لم يكن عندي ما أمليه على هذا الصبي، يا أبا إبراهيم.
فقال له أبو إبراهيم: إن هذا الحديث الواحد الذي لا يوجد عند غيرك خيرٌ للصبي من ألف حديثٍ يجده عند غيرك.
ونشير إلى أن هذا الكتاب القيّم النفيس متوفر حصريا لدى الناشر وهو دار دار الوعي، لكل من يرغب في الاستفادة منه، حيث يمكنه التواصل معها عبر موقعها الإلكتروني أو على حسابها الرسمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال وكلائها الموزعين المعتمدين.

تاريخ Jul 19, 2020