الحراك الإخباري - الإفتراس الجيوسياسي .. والأمة المنيعة!
إعلان
إعلان

الإفتراس الجيوسياسي .. والأمة المنيعة!

منذ يوم|رأي من الحراك


بقلم: د. مهماه بوزيان


الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" المنتخب لولاية جديدة، وقبل تنصيبه الثاني يوم الاثنين الموافق 20 جانفي 2025، أطلق تصريحات حاملة لرغبته في ضم كندا، وجعلها الولاية رقم 51 في النظام الفيدرالي للولايات المتحدة الأمريكية، وستكون القوة الاقتصادية وسيلته لتحقيق ذلك، مع إفصاحه أيضا عن تطلعاته للسيطرة على غرينلاند وقناة بنما، وعدم استبعاده استخدام القوة العسكرية لتحقيق هذا الضم.

1- ليست مجرد تصريحات .. هي تنبيهات ومعالم!

ومع هذه التصريحات الترامبية برزت ردود أفعال عديدة، لكن من بين هذه الردود، في تقديري، منها ما يستوجب منا تركيز الإنتباه، لرسم المعالم:

في كندا، مع التقدم السياسي والشعبي الذي أحرزه حزب المحافظين بقيادة بيير بويليفر؛ وتراجع شعبية الحزب الليبرالي، ومعه انخفاض شعبية رئيس الحكومة الكندية جاستن ترودو، وفي ظل اقتراب موعد الانتخابات الفدرالية المقررة في أكتوبر المقبل (2025)، كان تقييم الحزب الليبرالي للوضع السياسي بأن الرئيس ترودو يشكل عبئًا على الحزب ويقلل من فرصه بالفوز أمام المحافظين، فتم الدفع به، يوم الإثنين 6 جانفي 2025، للإستقالة من منصبه الذي يتولاه منذ 10 أعوام، في ظل تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" الحاملة لأحلام توسعية، والمدعومة بتصريحات شريكه وداعمه "إيلون ماسك". في ظل هذا الوضع يستغل "بيير بويليفر" زعيم حزب المحافظين الكندي الفرصة ليرفع من مستوى شعبيته ويدعم تموقعه، مُصرحًا بأن:

"كندا لن تكون أبدًا الولاية رقم 51. نحن أمة قوية ومستقلة وأفضل صديق لأميركا. لقد دعمنا الولايات المتحدة خلال الأزمات، وزودناها بالطاقة الموثوقة بأسعار أقل من السوق، وقمنا بتزويد اقتصادها بالمليارات من مشتريات السلع. لقد فشلت حكومتنا الضعيفة من الحزب الوطني الديمقراطي الليبرالي في الوقوف بحزم أمام الرغبات الأمريكية. أنا إذا توليت منصب رئيس للوزراء، سوف أقوم بإعادة بناء جيشنا وتأمين الحدود وحماية القطب الشمالي. سوف نقوم بخفض الضرائب، وخفض الإجراءات الإدارية والروتينية، وسأعمل على تسريع مشاريع الموارد لوضع كندا في وضع الأفضلية".

الخلاصة 1 (في مواجهة التهديدات الخارجية والأحلام التوسعية):

- بناء جيش وطني قوي، وتأمين الحدود.

- الانتخابات كوسيلة لتعزيز قوة المؤسسات،

- تسريع مشاريع الموارد لوضع البلد في وضع الأفضلية.

 - المزيد من تحسين معيشة المواطن، من خلال خفض الضرائب، وخفض الإجراءات الإدارية والروتينية.


إذًا، قوة الجيش، وقوة المؤسسات وإحتضانها شعبيا، وتمحور العمل الحكومي حول تحقيق "رفاه المواطن وتحسين مستوى معيشته"، واستغلال الموارد على تنوّعها وتعددها واختلافها لتحقيق وضعية الأفضلية لإقتصاد البلد، هي الأدوات الجوهرية للحماية والدفاع والمواجهة وتأمين البلد والمجتمع حين بروز التهديدات الخارجية.


نستحضر أيضا تصريح رئيس وزراء أونتاريو الكندية، السيد دوغ فورد، بالإضافة لكونه سياسي وزعيم حزب أونتاريو المحافظ التقدمي، فهو أيضا رجل أعمال، فقام بالرد على ترامب بنفس منطق رجال المال الأعمال، مخاطبا أياه: 

"ماذا لو اشترينا آلاسكا؟، وسنضيف مينيسوتا ومينيابوليس في نفس الوقت !! .. ربما كان يمزح، لكن في عهدتي، لن يحدث هذا أبدًا. 

الخلاصة 2 : 

الأطماع التوسعية لأي كيان سياسي على حساب دول الجوار، سوف تغذي نزعة توسعية مضادة، وسوف تتكيء على قواعد ذات قوة ومتانة تقوض هذه "الأطماع" من الأساس.


2- الداروينية السياسية : البقاء للأقوى!

في أوروبا، لو نُعّرج على فرنسا مثلا، سنجد ردها الكلامي، على تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بخصوص تطلعه للسيطرة على جزيرة غرينلاند المليئة بالثروات الطبيعية، جاء عن طريق وزير خارجيتها الجديد، جان نويل بارو، من خلال قوله: "إذا سألتموني عما إذا كنت أعتقد أن الولايات المتحدة ستغزو غرينلاند فإن إجابتي هي لا. ولكن إذا كان السؤال هو هل دخلنا فترة زمنية يكون فيها البقاء للأقوى؟ فإن إجابتي هي نعم"، كما أضاف قائلا "الاتحاد الأوروبي لن يتسامح مع أي محاولة لتجاوز الحدود السيادية لدولة .. ما من شك في أن الاتحاد الأوروبي لن يسمح لدول أخرى في العالم بمهاجمة حدوده السيادية، أيا كانت تلك الدول، نحن قارة قوية .. الفترة التي نعيش فيها هي فترة البقاء للأقوى، والاتحاد الأوروبي يجب أن يكون يقظًا وقويًا في مواجهة مثل هذه التهديدات".

الخلاصة 3:

في هذه الفترة التي جرى توصيفها بأنها مرحلة "البقاء للأقوى"، لا يمكن المراهنة على إعادة هندسة نظام عالمي جديد ينتصر للإنسانية والعدالة والحرية واحترام سيادة الدول وحقوق الشعوب وتقريرها، أو التطلع إلى وجود نظام عالمي متعدد الأقطاب، دون وجود رهان حقيقي لإمتلاك القوة، والإستماتة في العمل على بنائها، وبالتالي امتلاك المقدرة على الوصول لفرض "التوازن"، توازن المصالح، وتوازن حماية المصالح والحدود، أو بمنطق " الداروينية السياسية : البقاء للأقوى" أهلية فرض منطق "توازن الرعب" .. وامتلاك القوة، هو امتلاك يشمل القوة العسكرية والمؤسساتية، وبناء قوة الاقتصاد وقوة المعرفة والتكنولوجيا .. وهذا يستوجب المراهنة على تثمين الموارد الوطنية (طبيعية، ومادية) وقوى حيّة بشرية ومجتمعية، مع المراهنة على الكفاءات والإقتدار والولاء الراسخ للوطن.


3- حوار المتاهة السوداء ... فرنسا المترنحة!

إن كانت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، قد أرعبت الكيان الغربي ككل وأرهبته، ونشرت الرعب في أوصال الكيان الأوروبي، بما فيها فرنسا، فإنني أكاد أجزم بأن حالة "الهلع" هذه هي التي جعلت هذا المدعو كزافييه دريانكور "يترجّل" ويتحدث بلسان "الأخرق" في حوار له مع الصحفية الفرنسية "سونيا مبروك"، والتي استضافته منذ يومين (يوم 7 جانفي 2025) في حصة ""La Grande Interview، في حوار مدّته (14 دقيقة و41 ثانية)، وهو الحوار الذي شاهده لحدّ اللحظة (192 ألف مشاهد). 

للتذكير فإن كزافييه دريانكور، المولود في سنة 1954، والذي كان قد شغل مهمة سفير فرنسا بالجزائر خلال فترتين (2008-2012) و (2017-2020)، قد اشتغل خلال سنوات (1991 و1993) كمسؤول رفيع في "قسم البيانات الرقمية والاتصالات ومعالجة المعلومات" في الإدارة المركزية الفرنسية، ومنذ سنة 2022 هو يمارس مهمة التنظير لليمين الفرنسي المتطرف، كما يشارك في صياغة الإستراتيجيات بشأن السياسة الدولية، والإشراف على تدريب المسؤولين التنفيذيين المستقبليين في الحرم الجامعي.

في حواره، وبدءً من الدقيقة (9 و10 ثواني) نجده يستحضر وساطة الجزائر بين إيران والولايات المتحدة خلال حادثة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، الحادثة التي كانت قبل 30 عامًا من اليوم، وهنا يتهجم على الجزائر ويصفها بـ"الخاطف" لـ"رهينة"، ويقول بأن الجزائر اليوم لم تعد وسيطًا، بل أصبحت هي من يأخذ الرهائن، هي في صف الخاطفين والجماعات الإرهابية التي كانت تأخذ الأمريكيين رهائن !!!

ولما تسأله المذيعة "كيف نتصرف تجاه خاطف رهائن إذًا؟" .. يُجيب بصَلَف وببجاحة وعَجْرَفَةُ "كيف نتصرف؟ الأمر يتعلق بالنقاش والتفاوض، ولكن أحيانًا يجب إظهار القوة. قبل 30 عامًا بالضبط، كان هناك اختطاف طائرة إيرباص تابعة للخطوط الجوية الفرنسية في مطار الجزائر، في البداية كان هناك تفاوض مع الخاطفين، ولكن في النهاية انتهى الأمر بهجوم. إذًا، يجب أن نكون قادرين على استخدام الجانبين، التفاوض والقوة." ...!!!

كيف سمح لنفسه للتفوه بهذا القول ؟! .. إن التلويح بـ"استخدام القوة" من قبل ممثل أعلى للجمهورية الفرنسية في الجزائر سابقا، بقدر ما هو "إسهال لفظي" و تعبير علني عن حجم "الخيبة الفرنسية" العميقة التي جنتها في القارة الأفريقية، وعن مقدار الرعب والهلع والفزع و"الرُهاب الجيوسياسي" الذي يخيم على النخب الغربية، خصوصا في فرنسا، بعد إفصاح "دونالد ترامب" عن خططه تُجاه حلف الناتو والمجموعة الأوروبية، الممزوجة برغباته الإمبراطورية في التوسع والهيمنة والإنفراد بقيادة الغرب .. بقدر كلّ ذلك الترنح وفقدان التوازن، فإن هذا التصريح يمثل "خطيئة سياسية" لا تُغتفر، لا يمكن قبولها، ولا يمكن كذلك التغاضي عنها .. حقيقة نحن دولة "نجنح للسلم" ونمد أيدينا للدول بندية لبناء علاقات في ظل الاحترام المتبادل .. لكن "أصابعنا على الزناد" في ظل المجاهرة بالحديث عن "مرحلة القوة" واستخدام القوة.


4- فرنسا .. موطن ميلاد "الإرهاب"!

ان الجذور التاريخية لعبارة "Terrorisme" بمعنى "إرهاب" لا تتعدى نهاية القرن الثامن عشر، لأن هذه العبارة لم تعرف أولًا إلا في فرنسا إبان الثورة الكبرى، وبالضبط ابتداء من عام 1794 حيث كانت تستعمل في سياق سياسي. وأنا هنا أعود إلى جريدة "لوموند الفرنسية" والتي نشرت مقالة لـ "مارك سيمو" بتاريخ 18 أكتوبر 2023 تحت عنوان ("الإرهاب" مفهوم غامض ذو طبيعة سياسية بحته)، وفيه اعتراف صريح في مقدمته بأن ميلاد عبارة "Terrorisme" يعود إلى الثورة الفرنسية.

"Si sa définition internationale reste floue, la naissance du terrorisme remonte à la Révolution française, sous la Terreur, où il émanait de l’Etat."

"Si sa définition (le terrorisme) reste floue, la naissance de cette notion est bien circonstanciée. C’est la Révolution française, en particulier la Terreur en 1793-1794, qui invente le terrorisme moderne, la chose puis le mot. « Les premiers dans l’histoire à être appelés “terroristes” sont les conventionnels envoyés en mission en province pour assurer la répression du royalisme et du fédéralisme », rappellent Jean-François Gayraud et David Sénat dans Le Terrorisme (PUF, 2006)."


كنت أتنمى أن لا تحدثنا النخب السياسية الفرنسية عن "الإرهاب" وأن لا تتجرأ وتتبوأ مقامات الحديث أمامنا عن "قيم الوساطة" والرفعة المجتمعية والنبل الإنساني والفضائل السياسية .. لأن تاريخهم القريب والحديث يُدينهم.


5- النخب السياسية الفرنسية .. وإصرارهم على الإمعان في تغذية الكراهية !!

إذا كان وزير خارجية فرنسا يقول بأن "الاتحاد الأوروبي لن يتسامح مع أي محاولة لتجاوز الحدود السيادية لدولة .. ما من شك في أن الاتحاد الأوروبي لن يسمح لدول أخرى في العالم بمهاجمة حدوده السيادية" .. إذًا، فكيف تسمح "النخب السياسية الفرنسية" بتبني "فرنسا الرسمية" لمن يعتدي، وبشكل علني وبإصرار وتبجح، على حرمة "الحدود السيادية" لدولة يقولون عنها أنهم "تربطهم بها علاقات صداقة وثيقة" ..!!وتستميت في الدفاع عنه، ويحدث الإصطفاف لأجله وكأنه ملاك طاهر، بل يجعلون "موضوع المعتدي هذا" أساس استمرار هذه العلاقة أو هدمها والتضحية بها لأجله !!؟؟؟

وأمام هذا الخلل الفاحش في المنظومة السياسية الفرنسية، فلن أتورع من الكشف عن جذور "الإرهاب" والهمجية في التاريخ التأسيسي لـ"فرنسا الجمهورية" .. وبشكل سريع سأعود إلى الدراسات التاريخية والفلسفية للأستاذة الأسترالية «أونا ميكيلفنا» التي قامت بحفريات تاريخية معرفية حول "الثورة الفرنسية" وأبانت عن خفاياها الفظيعة، و أوضحت كيف لعب الخبز الأبيض دورًا أسوداً في قلب الأوضاع .. بدءً من انتفاضة "حرب الدقيق" خلال العام 1775م، حتى أصبح صاحب التاج الفرنسي "الملك" يُطلق عليه لقب "الخباز الأول في المملكة" نتيجة انغماسه كليّة في تأمين "الخبز" لرعاياه. ونتيجة لهذا الوضع، تمّ استغلال الخبز كسلاح مغذي للثورة العنيفة من قبل العقول المدبرة للتمرد ضد التاج الملكي الفرنسي، وكانت القاعدة "المزيد من ندرة الخبز" والتوصية بـ"بذل كل ما في الوسع لضمان عدم وجود الخبز بالكامل" وهكذا وصل الأمر إلى اقتحام الباستيل. لكن الثورة لم تضع حداً للقلق الفرنسي بشأن الخبز، ففي 29 أوت 1789، بعد 3 أيام فقط من إقرار "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية، أقدمت هذه الجمعية التأسيسية على تحرير أسواق الحبوب المحلية بالكامل، مما أثار مخاوف بشأن المضاربة والاكتناز والتصدير نحو الخارج، لتصل فوضى الذعر ذروتها يوم 21 أكتوبر 1789، حين اتُهم الخباز "دينيس فرانسوا" بإخفاء الأرغفة كجزء من مؤامرة حرمان الناس من الخبز، فهاجمته الجماهير الباريسية الغاضبة متهمة إياه باحتكار الخبز ومنع الأرغفة عن الشعب، وعلى الرغم من ثبوت براءته في جلسة استماع، قام حشد الجموع الغاضبة بسحله نحو ساحة دي جريف وعمدت لشنقه وقطع رأسه وجعل زوجته الحامل تقبل شفتيه الملطختين بالدماء. خلال هذه الأحداث، تجاهل الملك لويس السادس عشر نصيحة مستشاره الاقتصادي السياسي السابق تيرغوت بأن "لا يتدخل في موضوع الخبز"، فكانت العاصفة التي لا أخوة فيها و لا رحمة، حيث وقع إعدام الملك بعد ذلك. 

في هذه الظروف الحالكة لم تجد "الثورة الفرنسية" من يسعفها من القوى العظمى سوى الجزائر، بدليل أنه في سنة 1793م، وهي السنة التي برزت فيها عبارة "الإرهاب الفرنسي" كصفة لصيقة بأحدث قادتها فواعل في الثورة الفرنسية، كانت الجزائر البلد الوحيد القادر على مساعدة فرنسا وتزويدها بما تحتاج إليه من مواد غذائية وصناعية (القمح، الحبال، الخيول العربية)، بل تعدى الأمر إلى المساعدات المالية المعفاة من الفوائد (سنة 1797م)، في خضم أحداث وفي خضم حروب فرنسا مع أوروبا، في سنوات هذه الثورة الفرنسية .. 

لذا، كان من باب الفضائل والفضل على من يعتلي بنفسه من الفرنسيين بلاطوهات الحديث عن الوساطة والإرهاب أن يعود ليقرأ جيدا تاريخه، ليعرف بأن الجزائر هي من كانت الوسيط والمسهل والمساعد الإنساني والسياسي، وعليه أن يبحث عمن كان في صف الإرهاب !!!

لكن للأسف، بعد 33 سنة، وفي سنة 1830، كانت فرنسا الناكثة للعهود والناكرة للجميل، قد تمثّلت كلّ الصفات الهمجية للإرهاب، وتفننت في ممارسة مختلف أصناف "الإبادة". 

لأنه علينا التذكير أنه في سنة 1830، كان تعداد الجزائريين عشرة (10) ملايين نسمة. لكنه غداة الإستقلال، أي في سنة 1962، قُدر تعداد سكان الجزائر بعشرة (10) ملايين نسمة، بمعنى أنه خلال 132 عام لم يزد عدد سكان الجزائر وبقي متوقفاً عند نفس العتبة، وهنا مربط العجب والغرابة!! .. فبالرغم من أن مختلف الدراسات تؤكد تميّز الأسرة التقليدية الجزائرية تاريخيا بمعدل عالي في الإنجاب، لكن تعداد الجزائريين لم يزد بفرد واحد على مدار أزيد من قرنٍ ونيّف آنذاك.. !!

ولتقريب الصورة أكثر، ليتضح لنا جيدا حجم الإبادة الممنهجة التي مارستها فرنسا على الأمة الجزائرية، في عملية إرهاب مهيل يمكننا تسميته بـ«الهولوكوست الفرنسي» وإرهاب دولة فرنسا الإستعمارية البغيضة، جعل من بلدي الجزائر محرقة، بين سنتي 1830 و 1962.

خلال 42 سنة فقط، جعلت فرنسا الإستعمارية تعداد سكان الجزائر يتراجع من 10 ملايين نسمة في سنة 1830، إلى 2,1 مليون نسمة في سنة 1872، نعم لقد أبادت فرنسا 8 ملايين جزائري خلال 42 سنة فقط، لقد أقدمت على اجتثاث نسل شعبي، لأن رقم 8 مليون هو رقم حسابي فقط، ولا يعبر على حقيقة «الجريمة الكبرى ضد الإنسانية» وبحقيقة الإرهاب الذي مارسته فرنسا على الشعب الجزائري، فحقيقة ديناميكية نمو المجتمعات البشرية، تقول أن فرنسا الإستعمارية أهلكت ثلاثة (3) أضعاف هذا الرقم، على الأقل، في أقل من نصف قرن من جثوم الاستعمار الهمجي البغيض على المجتمع الجزائري .. فلا حاجة لنا اليوم لتحدثنا النخب السياسية الفرنسية عن "الإنسانية" وعن نبل معانيها .. ولا عن "الإرهاب"، لأن كلمة (Terrorisme) و (Terreur) هي في الأساس فرنسية، وككلمة فرنسية تعود إلى إرهاب الدولة في زمن الثوريين اليعاقبة )1793-(1794 .. لذا لا يحق لهذه "النخب الفرنسية" ممارسة وظيفة المرجعية في تحديد مفهوم «الإرهاب»، كما لا يحق لهم القيام بتصنيف الناس بين «السيء» و «الجيد» و«الشرير» و«الخيّر» أو جعل جهة ما في درك «الإرهابي» أو مقام «المسالم» ..!! 

وحتى تتبين الصورة للجميع بشكل أكثر وضوحًا، لما وقع من إبادة ممنهجة للأمة الجزائرية على يد فرنسا البغيضة، فلنقم بمقارنة بسيطة لوضع الساكنة في الجزائر مع بلد عربي من شمال أفريقيا، مع الأخذ بعين الاعتبار لمعدل الخصوبة المرتفع لدى الشعب الجزائري، و لنأخذ مصر على سبيل المثال، والتي كانت تحت الاحتلال البريطاني (1882-1918)، ففي سنة 1846 كان يبلغ عدد سكان مصر حوالى 4,6 مليون نسمة، أي أقل من نصف سكان الجزائر في تلك الفترة، كما نجد أنه في سنة 1962 بلغ سكان مصر 26 مليوناً، أي أن تعدادهم تضاعف بأزيد من خمس (5) مرات، لذلك لو نأخذ هذا المعدل ونطبقه على النمو السكاني في الجزائر خلال نفس الفترة، مع افتراضنا لغياب عنصر الإبادة الممنهجة، واستمرار وتيرة النمو السكاني بمعدلاتها الطبيعية، سنجد أنه من المفترض أن يبلغ تعداد الجزائريين أزيد من 50 مليون في سنة 1962!! .. واليوم نجد تعداد سكان مصر قد بلغ 107 مليون مع نهاية عام 2024، بينما عدد سكان الجزائر هو 47 مليون، أي أقل مما هو مفترض أن يكون عليه في سنة 1962، وفقاً للمقاربات العلمية للنمو السكاني!! .. نحن نُقر بأن هذه المسائل تندرج في أحكام الغيب وإرادة الله الخالق المصور، لكن المنطق العلمي في دراسة "حجم التجمعات السكانية كأنظمة ديناميكية" يُرشدنا إلى ما أسلفنا ذكره .. وأستطيع أن أجزم أنه لولا السياسة الاستعمارية الفرنسية المبنية على "فلسفة الإبادة والإجتثاث من الجذور لنسل الجزائريين" في كلّ بقعة من الأرض الجزائرية التي حلّت فيها فرنسا، ولولا "الممارسات المدركة" لهذا الاستعمار الهمجي السفاح وجرائمه الشاملة ضد الإنسانية لمحو وجود أمة كاملة، لكان تعداد سكان الجزائر اليوم يتخطى الـ 200 مليون نسمة، بإرادة الله سبحانه !!

لذا فلن نقبل بأن يتطاول علينا سدنة الهمجية والسياسات الإستعمارية البغيضة، ولن نغفر لهم جريمة الإبادة الممنهجة التي مُرست ضد الشعب الجزائري إبان احتلالهم الإستيطاني لبلدي الجزائر .. فليمسكوا ألسنتهم وأيديهم ومخططاتهم عنّا، لأننا لم نتحدث بعد.

6- خلاصة الخلاصة:

نحن الأمة الجزائرية، أمة مسالمة مضيافة، مناصرة لحقوق الشعوب في الحرية والكرامة، مساندة وداعمة للقضايا العادلة، وحاضنة لأحرار العالم .. نحن أمة لا نظلم، ولا نعتدي على الغير .. لكن من يتجرأ على لُقْيَانَا في صفة "الظالم" عليه سَرَابِيل مِنْ قَطِرَان، فسيعرف حينها بأسنا وبطشنا، وَ سيغْشَى وُجُوهَهُ دخان الحسرة .. و سنعلِّمُه معنى "القوة" .. 

نحن أمة تؤمن بقدسية توجيهات ديننا الحنيف، فكما أننا لا ننكث العهود، ونحمي المستجير بنا، فإننا نؤمن كذلك بالمعنى العميق والسامي للحديث النبوي الشريف {أَيُّها الناس، لا تتمَنَّوْا لِقَاء الْعَدُوِّ، وَاسْأَلوا الله الْعافية فَإِذا لَقِيتموهم فَاصْبِرُوا، وَاعلموا أَنَّ الْجَنَّة تحت ظِلال السُّيوف} .. نحن لا نسعى للحرب ولا ننشد الصراع ا

لدامي .. لأن دماءنا غالية نفدي بها أرضنا وعرضنا ..

تاريخ Jan 9, 2025