الحراك الإخباري - الحراك الإخباري" ينقل شهادات صادمة لعصاة الوالدين
إعلان
إعلان

الحراك الإخباري" ينقل شهادات صادمة لعصاة الوالدين

منذ 3 سنوات|روبرتاج

أطلقت صرخة مدوّية اخترقت آذان المارّة بساحة الشهداء، " بنتي ضربتني يا ناس"، عجوز طاعنة في السنّ جاثمة على الأرض قبالة مسجد " كتشاوة"، تندب حظّها التعيس وتلعن تربية لم تبرها وتعاملها بالحسنى، ابنتها العشرينية كانت في حالة انفعالية، وبعد تلاسن بينهما وجّهت لها صفعة قوية أسقطتها أرضا، لم تجد المسكينة اثرها سوى البكاء مرافقا لتجادلها مع ابنتها، لم يعرف السبب الحقيقي للخلاف، فالابنة رفضت التدخل فيما اعتبرته " شأنا عائليا"، والأم لملمت جراحها، لم تشأ " فضح" فلذة كبدها واكتفت بالقول " واش نحكي واش نخلي...خلّيها على ربّي".

المارة ضربوا أخماس في أسداس أمام الفعل الشنيع، رسموا علامات استفهام كبيرة حول دافع مهما علا السّقف، لا يبرّر إقبال فتاة على تعنيف والدتها المسنّة وإهانتها بشكل " غير آدمي" في العلن والخفاء، ومثل "سوء المعاملة" تشكو منه الكثير من البيوت، عقوق الأبناء وغياب البر المنشود، ولعلّ حكاية السيدة " فتيحة" تختصر معاناة الكثير من الأمهات، أحطن الضرب الذي يتعرّضن له على أيدي أبنائهنّ بسرية تامة، وباسم " الطابو" "شووووت" لا يجوز الحديث عن تلك اللكمات الموجّهة إلى وجهك، ولا الكدمات والكسور التي تنخر جسدك، ولا حتى تحويله إلى " طفاية للسجائر"..

" ليلتي كحلة إذا حكيت خدايم ولدي"

" فتيحة" ربّة بيت فتحت قلبها لـ " الحراك الإخباري"، مباشرة عقب اتّصالها بأحد الدعاة بحثا عن فتوى " حكم من يضرب أمّه أو يعنّفها"، فهي كما أسرّت بقلب الأمّ " مانحبش ولدي يروح للنار"، وراحت تبحث عمّن يقدّم النصيحة لهذا العاق ليكفّ عن ضربها، وبعيدا عن تفسير الحالة وتحليلها التي تبقى من مهام أهل الاختصاص، أسرّت المتحدثة بوجه شاحب يعلوه اصفرار، خلال لحظات جمعتنا كانت بمثابة راحة لجسدها من بطش الجلاد: " وليدي يضربني".

بعينين واهنتين سرحت بهما في أرجاء المكان، وخلف نقاب أسود أخفت "المضروبة" لكمات وجّهها ابنها مباشرة إلى وجهها بدون رحمة أو شفقة، وبصوت خافت يعكس حالة الخوف الذي يتملّكها، روت السيدة الكثير من جوانب العذاب والتّعب والمرارة، فالحديث، حسبها، عن صنيع من حملته وهنا على وهن، يجعل "ليلتها كحلة" على حدّ تعبيرها، فالويل لها إن تحدّثت لجاراتها أو أقربائها عن سرّ آثار كدمات الوجه باللونين الأزرق والأخضر الظاهرة للعميان، فهي دائما إمّا سقطت على الأرض أو ارتطمت بالخزانة وما شابه ذلك..

اغرورقت عينا " فتيحة" بدموع محرقة، قبل أن تضيف " لم يعد يرحم توسلاتي، في بداية الأمر كان يضربني بيديه، وعندما يعود إلى رشده يعتذر منّي ويلاطفني، ولكنه سرعان ما يتحوّل إلى وحش كاسر إذا أحجمت عن منحه المال أو حتى غيّرت مكان قفص عصفوره، ووصل به الأمر حدّ تهديدي بالسكين، أو بأية وسيلة يجدها أمامه وان كانت كرسي أو مكنسة، لأني رفضت خطبة ابنة الجيران لأسباب مقنعة"، تصرفات مشينة قابلها رفض قاطع من الأم لرفع شكوى ضدّ ابنها الوحيد، فهي ورغم أفعاله تخشى عليه من " وخز الإبرة" كما قالت.

" الغول يلوّي مرفقي ويجي نهار يضربني"

صرخة أخرى استقيناها من المرصد الجزائري للمرأة، لمطلّقة أربعينية باحثة عن "الوساطة الأسرية" لإعادة المياه إلى مجاريها، المعتدي ليس زوجها السابق بل ابنها الوحيد صاحب الـ 22 سنة، يشتمها بأرذل الألفاظ، لا ينصاع لأوامرها حتى وإن تعلّق الأمر بإرشاده إلى ضرورة لبس القناع الطبّي لوقاية نفسه من فيروس كورونا، فالزوجين الذين استحالت العشرة بينهما، انفصلا بـ " المعروف" وشقّ كلّ واحد منهما طريقا مغايرا، ارتبط الزوج بأخرى وكانت التعاسة من نصيبها.

" ابني العاق، يشدّني بعنف شديد ويقوم بطيّ مرفقي بسبب أو بدونه"، تقول السيدة في أقسى موقف، معربة عن خوفها من أن " يجي نهار ويضربني الغول"، الذي تخبره مرارا بأنها تخشى عليه من غدر الزمان وعقاب الله، بقولها " ياوليدي راني خايفة عليك من ضربة ربّي"، مشيرة إلى أنها نصحته بالعيش رفقة والده غير أنه " راح يامات وعاود ولاّ"لأسباب تحفّظت عن ذكرها.

الشائعة جعفري، رئيسة المرصد الجزائري للمرأة:

ارتفاع كبير للعنف المنزلي ضدّ المرأة

أوضحت الشائعة جعفري، رئيسة المرصد الجزائري للمرأة، في تصريح لـ" الحراك الإخباري"، أنّ قصص أغرب من الخيال تستقبلها هيئتها لنساء معنفات على أيدي أزواجهن، أولادهن، أفراد من أسرهن وفي الشارع، وأنّ " الظاهرة في تزايد مقلق في غياب إحصائيات دقيقة، مردّه إحجام عديد الضحايا عن التبليغ، يفضّلون التكتّم والسّكوت لأسباب متباينة بينها الخوف من ردّة فعل المجتمع".

وأشارت المختصّة في الوساطة الأسرية الى أنّه ثمّة أمّهات يعانين " قلّة الاحترام، السبّ والشتم على يد أزواجهن وأبنائهن"، وأرجعت ذلك إلى جملة من الأسباب بينها " غياب الوازع الدّيني، العولمة المتوحّشة التي غزت العقول ولقّنت أفعال مشينة، غياب الاستقرار الأسري، تعاطي المخدّرات والأقراص المهلوسة إلى جانب إهمال بعض الأولياء أسس التربية الصحيحة واستقالة آخرين من دورهم التربوي".

 وبخصوص فئات النساء اللواتي يتعرّضن للعنف، كشفت عضو المجموعة الإقليمية للأمم المتحدثة بأنّه " وفيما كنّا في السابق نركّز اهتمامنا على فئة معيّة من النّساء، أظهرت الحالات المعاينة خلال السنوات الأخيرة، أن نساء مثقفات وذوات مكانة يعانين بدورهنّ من العنف الأسري"، مشيرة إلى ضرورة تكاثف الجهود و" وضع اليد في اليد" لمجابهة الظاهرة والحدّ من تناميها المرعب.

...ما خفي من القصص ادهى وامر !!

نشير إلى أننا نقلنا حكايات مضروبات، لم تصل إلى الجهات الوصية، لم تحدّد الخبرة الطبية نسبة عجزها، لم ترفع شكوى لدى مصالح الأمن، ولم يحوّل ملفّها على العدالة للفصل فيه، بسبب تكتّم مطبق جثم على أنفاسهنّ، تضاف إلى سلسلة قصص اخترقت جدار الخوف والصّمت، فمن منّا ينسى حيثيات استعرضتها محكمة الجنح بحسين داي، العام المنصرم، بطلها مدمن خمر ومخدّرا سكب الماء الساخن والزيت على يد والدته في إحدى بلديات العاصمة، أصابها بحروق بليغة وهدّدها بالقتل، وآخر انهال ضربا مبرحا على والدته بإحدى ولايات الوطن، فثط لأنها لم ترتّب غرفته.

القصص أماطت اللثام عن علاقات أسرية يشوبها التوتّر، الضحية فيها أمّ الجنة تحت أقدامها، عرضة جهارا نهارا لعنف جسدي، لفظي ومعنوي، انتقل من جدران البيت إلى الشارع العمومي، قال عنها عزّ وجل " فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما..."، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ " رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما"، ويبقى ما قالته لنا السيدة " فتيحة" في ختام حديثها عبرة لمن يعتبر " يمّاك إذا كلاتك ماتسرطكش"..


روبورتاج: سمية.م

تاريخ Sep 12, 2020