الحراك الإخباري - الإنسان العاري.. الديكتاتورية الخفية للرقمية
إعلان
إعلان

الإنسان العاري.. الديكتاتورية الخفية للرقمية

منذ 4 سنوات|قراءة في كتاب


صدر حديثا عن المركز الثقافي للكتاب للنشر والتوزيع بالمغرب كتاب " الإنسان العاري.. الديكتاتورية الخفية الرقمية"، لصاحبيه مارك دوغان، وكريستوف لابي، وقام بالترجمة سعيد بنكراد.

يرى الكتاب أن الإنسان أمام هيمنة مخرجات الثورة الرقمية سيصير عبدا أمام حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات، بل كان أخطر تداعي لهذه الثورة على الإنسان، هو فقدانه لهويته التي كانت تميزه، لجهة سيطرة منطق الاستهلاك وإدخاله في ماكينته الضخمة. كما احتلت مساحات استقلال المواطن في حقل السياسة، فلم يعد المواطن يملك مساحة للاختيار بين المشاريع السياسية المعروضة، بل أصبح جزءا من آلة ضخمة تقوم بوظائف الضبط والتحكم السياسي، فلم يعد بذلك سوى مستهلكا لمخرجات الدعاية وصناعة الرأي العام الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا الكتاب هو في الأصل كتاب ظهر في أواخر أيار (مايو) 2016 باللغة الفرنسية بباريس، وتم ترجمته هذه السنة، حتى يصير متاحا للقارئ العربي، وهو يشرح مخاطر الثورة الرقمية على الإنسان، وكيف حولته إلى إنسان عار أو إنسان عبد للدكتاتورية الحديثة التي أصبحت تجسدها كبريات الشركات التي تتحكم في الصناعة الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية.
يشير الكتاب إلى أن سلطات العالم الافتراضي امتدت واحتلت كل المساحات التي كان يملها الإنسان، وغطت على مجموع علاقاته وفضائه ومحيطه، حتى أصبحت هي الأمر الثابت في حياة الإنسان، حيث ضاقت فيها مساحة التواصل بين الأسرة، وحرمت الطفل الصغير من فرصة الاستمتاع بعطف الأم وكلماتها الموجهة، وأصبح الناس أمام الهاتف النقال، أشبه ما يكونون بعبيد إفلاطون الذين دخلوا في كهف مظلم تحت رحمة حراس يمنعونهم من الخروج ومن تصور عالم آخر غير عالم الكهف، فحرموا بذلك من الشمس والحقيقة ودفء الحياة. لقد تخلى الناس عن كل شيء في حياتهم، عن حميميتهم وحريتهم، وتخلوا عن حقائق واقع فعلي لكي يحتفوا بعوالم افتراضية أنستهم دفئ الإنسانية فيهم، فلا شيء أصبح يقيم عندهم خارج الافتراضية والمواقف المبرمحة في الصور والألعاب والمعلومات التي تسربها الأجهزة الصريحة والخفية.
يرى مؤلفا الكتاب أن عملية جميع المعطيات المتنوعة التي يوفرها المبحرون في الهاتف النقال عن أنفسهم، ومعالجتها ستتحكم في مصير هذا القرن، فلا تكتفي هذه الثورة الرقمية بالتحكم في نمط حياة الناس وتوجيهها إلى ضخ المزيد من المعلومات والمزيد من السرعة في الاتصال، بل إنها بالإضافة إلى ذلك، تقود إلى حالة من الامتثالية والعبودية الإرادية، ستكون نتيجتها هي القضاء على الحياة الخاصة، إذ سيتنازل الناس طوعا عن حريتهم، وسيصبح الإنسان عاريا أمام سطوة الشركات التي تتحكم في الصناعة الإلكترونية العالمية.
يرى الكتاب أن الإنسان أمام هيمنة مخرجات الثورة الرقمية سيصير عبدا أمام حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات، الأمريكية في أغلبها، ممن يتخصص في تجميع مدونة المعطيات الكبرى، وذلك بقصد التحكم في المجتمعات، وإحداث تحول جذري في أفكارها وأنماط حياتها، وتحويلها بالجملة إلى مجرد كائنات مطواعة تفعل ما تؤمر به أو ما تقاد لفعله.
ويرى الكاتبان أن هذه المدونة المسماة باللغة الأنجليزية big Data تقوم بتجميع كل المعطيات التي يقدمها المبحرون في الهاتف النقال عن أنفسهم لفائدة هذه الشركات، سواء تعلق الأمر بالمعلومات الصحية أو التي تتعلق بالأذواق والاختيارات بل حتى الرغبات والميولات الأكثر حميمية، فتقوم هذه الشركات بتجميعها ومعالجتها، ويتم إيداعها في حواسيب لها قدرة فائقة على التخزين والإحصاء، وأن الغاية من ذلك، هي جعل العالم شفافا ومرئيا، والتخلص من سلطة المصادفة، حيث سيصير بالإمكان في ظرف وجيز أن تقوم هذه الحواسيب بمسح كامل وشامل حول الكائن البشري، فيصير الأفراد موضوعين تحت المراقبة بطريقة ذكية ولكنها غير محسوسة.
يشير الكتاب إلى أنه في كل لحظة ترسل حوالي 300000 تغريدة، و15 مليون رسالة قصيرة، و204 مليون رسالة إلكترونية في كل أنحاء العالم، وترقن مليونان من الكلمات المفاتيح في المحرك غوغل، وتحصل البيغ داتا على المعطيات الشخصية من خلال الهواتف النقالة والهواتف الذكية، بحيث لا يمكن لأي قطاع أن يخرج عن هذه الشرنقة الرقمية. والأهم من ذلك كله، يضيف المؤلفان، أن المبحرين هم أنفسهم من يقدمون هذه المعطيات عن أنفسهم بطواعية. فما يشتريه الإنسان، أو ما يود شراءه، وما يستهلكه أو ما سيستهلكه أو ما ينتوي استهلاكه، وصحته وطريقته في قيادة السيارة وسلوكه العشقي والجنسي فضلا عن الآراء والاختيارات والأذواق، كل ذلك تتم دراسته، من أجل إعادة صياغة الإنسانية.
ويخلص الكتاب إلى أنه لم يحدث في تاريخ البشرية أن وضع عدد قليل من الأشخاص بين يديه الكم الكبير من السلطة والثروة، إذ آذن ذلك بميلاد أولغارشية فائقة في العالم الافتراضي. وبخلاف ثورة النفط، فإن أنابيب الرقمية لا تنفذ، فـ 90 في المائة من المعطيات تم تجميعها في السنوات الأخيرة حسب الكتاب، ففي 15 سنة أصبحت غوغل (Alphabet) أكبر مقاولة في العالم، إذ وصلت قيمتها في البورصة سنة 2016 حوالي 544.7 مليار دولار أمريكي، أي أكبر مرتين من العملاق النفطي "إيسكون موبيل"، ووراء هذه المقاولة، هناك ثلاث "بيغ داتا" أخريات، هي: آبل، وميكرو سوفت وفايسبوك، بحيث تراجع قيمة العملاق النفطي "إيسكون موبيل" الذي كان يحتل المرتبة الأولى في بورصة الرأسمالية سنة 2012 إلى المرتبة السادسة، في حين آبل وألفابيت وحدهما يجلسان على فائض جبل من السيولة بـ 289 مليار دولار.
ويخلص الكتاب إلى أن الثورة الرقمية ستفضي إلى تغيير شامل للإنسان، إذ ستتغير حياته بالكامل، إذ سيفقد الناس الفضاء الذي كانوا يعشيون فيه كينونتهم المستقلة والتي تتغذى من عالم قيمهم وتنتشي بكل مظاهر العزة والكرامة والاستقلالية في القرار وفي العواطف، لجهة صياغة إنسان جديد مستهلك موجه عن بعد يتم التحكم في أذواقه واختياراته ونمط حياته، وفوق هذا وذاك، يوضع دائما تحت دائرة المراقبة الصارمة.

تاريخ Dec 6, 2019