الحراك الإخباري - أحمد بن قاسم البوني .. فقيه ومحدث عنابة بـ100 مؤلفٍ
إعلان
إعلان

أحمد بن قاسم البوني .. فقيه ومحدث عنابة بـ100 مؤلفٍ

منذ سنتين|روبرتاج

لا تزال رحلتنا التاريخية المعرفية مع أعلام الجزائر عبر العصور، متواصلة بفصولها الشيقة، حيث يستوقفنا في هذه الحلقة العالم الجليل سيدي أحمد بن قاسم بن محمد بن ساسي التميمي البوني، أبو العباس، وهو فقيه مالكي وعالم بالحديث، من كبار رجالات العلم ببونة، اشتهر بالفقه والأدب والتصوف.

ولد أحمد بن قاسم البوني سنة 1063هـ/ 1652م بمدينة بونة (عنابة حالياً) التي ينسب إليها وقد كانت مدينة كبيرة يقصدها طلاب العلم وتخرج منها الكثير، ولو أنها على عهده كانت مكانتها قد تراجعت على غرار الكثير من المدن الجزائرية التي أصابها الضعف والانحطاط تزامنا مع انحصار الحياة الثقافية في الجزائر، وهو من أسرة ميسورة الحال، تنتمي إلى «مجموعة بشرية واسعة ممتدة غربًا إلى نواحي قسنطينة، وشرقًا إلى نواحي الكاف وباجة».

نشأ البوني في هذه المدينة وتعلم بها، وأخذ العلم بداية عن والده «قاسم بن ساسي البوني» الذي كان علمًا من أعلامها، وعن الإمام الشيخ «إبراهيم بن تومي المرداسي البوني» (ت. 1087هـ)، كما أخذ أيضا عن العلامة «محمد بن عبد الله الخرشي» (ت. 1101هـ).

خروجه في طلب العلم

كان من الطبيعي ألا يكتفي البوني بهذا القدر من التعليم وقد كان الطالب المجتهد ذو المقدرة الكبيرة على التحصيل والاكتساب، فانطلق خارج مدينته متنقلًا بين حواضر تونس والمغرب، ومن ثم سافر إلى المشرق على عادة أهل المغرب للدراسة والحج، فنزل بمصر وأخذ عن شيوخها منهم: «عبد الباقي بن يوسف الزرقاني» (ت. 1099هـ)، الإمام الفقيه «إبراهيم بن مرعي الشبرخيتي» (ت. 1106هـ). ومن هناك قصد البقاع المقدسة للحج.

وبعد عودته؛ نزل أحمد بن قاسم البوني مرة أخرى بمصر لكن هذه المرة مدرّسًا لا طالبًا، فقد تصدّر للإقراء في الأزهر الشريف لمدة، ثم قفل راجعًا إلى بونة، وهناك استمر ينهل عن المشايخ الذين أدركهم من أمثال: «أبي زكريا يحيى بن محمد الشاوي» (ت. 1096هـ)، والفقيه المتكلم «محمد امزيان الملياني» (ت. القرن 11هـ) وغيرهم.

وبعد هذه الرحلة العلمية أصبح البوني من أهل العلم في بونة فكان فقيهًا مالكيًا وعالماً بالحديث يضاهي كبار العلماء مكانة، تفرّغ للتدريس والتأليف هناك.

تلاميذه

تخرج على يد أحمد بن قاسم البوني جماعة من العلماء في مقدمتهم ولديه: محمد وأحمد، والإمام الفقيه «عبد القادر الراشدي القسنطيني» صاحب «المعقول والمنقول» (ت. بعد 1116هـ)، و«عبد الرحمن الجامعي» (ت. 1139هـ) وغيرهم.

وكان من بين من أخذوا عنه أيضا «محمد بكداش» وهو أحد الأتراك الذين استقروا ببونة، فتزوج منها وأخذ عن علمائها ومن بينهم أحمد بن قاسم ووالده، وبعد مدة أصبح باشا على الجزائر وهو الذي تمكن من فتح وهران وطرد الإسبان نهائياً منها في حملته عليها سنة 1120هـ، فاتحفه البوني بقصيدة يمدحه فيها بهذا الفتح المبين وفي الوقت نفسه يشكوه حال مدينة بونة قائلا:

وفتحت على يديه وهران .. فكمل المجد له والبرهان

    يا حاكم الجزائر .. يا أنس نفس الزائر

    أريد أن أخبركم .. أدام ربي نصركم

    بحال هذي القرية .. بالصدق لا بالفرية

    فقد صال فيها الظالم .. وهان فيها العالم

فهو وفضلاً عن تبحُّره في الفقه والحديث كان أديباً يقرض الشعر وينظُم القصائد الطوال. وبالفعل بلغت هذه القصيدة مسمع الباشا محمد بكداش وكافأه وأعطاه فوق ما طلب.

وفاته وآثاره

خلّف أحمد بن قاسم البوني الكثير من المؤلفات التي بلغت المائة على حد قوله في كتابه "التعريف ما للفقير من التآليف" ونذكر منها:

"الدرة المصونة في علماء وصلحاء بونة"، "فتح الباري في شرح غريب البخاري"، "فتح الإغلاق على وجوه مسائل خليل بن إسحاق"، "التعريف ببونة إفريقية بلد سيدي أبي مروان الشريف"، "الإلهام والانتباه في رفع الإيهام والاشتباه"، "تلقيح الأفكار بتنقيح الأذكار"، "الرحلة الحجازية"، "اتحاف الأقران ببعض مسائل القرآن"، "الترياق الفاروق لقراء وظيفة الشيخ زروق"، "إعلام القوم بفضائل الصوم".

توفي أحمد بن قاسم البوني بمسقط رأسه بونة سنة 1139هـ/ 1726م، ودفن بها. ق/و

تاريخ Apr 30, 2021