الحراك الإخباري - من روائع الشيخ البوطي: الحب في القرآن وأثره في الحياة
إعلان
إعلان

من روائع الشيخ البوطي: الحب في القرآن وأثره في الحياة

منذ 3 سنوات|قراءة في كتاب

يتناول كتاب "الحب في القرآن" محبة الله للإنسان ومحبة الإنسان لله ومحبة الإنسان للإنسان، ودور الحب في حياة الإنسان الثنائي التركيب، ودور الحب في أعمال الدعوة والتعريف بالإسلام، مع عرض آثار يحققها الحب في مسلك الدعوة إلى الله.
وعن أسباب الخوض في الموضوع، كشف العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، مؤلف الكتاب، أنه بحث، فلم يعلم أن في الكتّاب أو الباحثين والمؤلفين من ألّف شيئاً في الحب، كما نقرؤه في كتاب الله.
ونظر، الشهيد البوطي، رحمه الله، فوجد أن الجميع إنما كتبوا في العقائد التي يتضمنها القرآن أو في شرائعه وأحكامه، أو في بلاغته وإعجازه وبيانه، أو في قصصه وأخباره.
ثم استعرض المؤلف في ذهنه الندوات والمؤتمرات التي حضرها أو التي سمع أو قرأ عنها، فلم يعثر على ندوة أو مؤتمر عقد في صقع ما، للبحث في الحب، كما هو في القرآن.
هذا، وحديث الحب ملء الأفواه، وديدن الكتّاب والأدباء، ومصدر الإلهام للشعراء، وأنيس المجالس والأسمار، ورابطة ما بين الفلاسفة والعلماء.
والحب له دوره في الحياة والمجتمعات، وله سلطانه على الأُسَرِ والبيوتات. وله تاريخه الذي لا يبلى، وأيامه التي لا تنسى، ولا تزال العقول تعي وتذكر ضحاياه الكثيرة على مرّ العصور، كم أحيا من موات النفوس، وكم أمات من أرباب القلوب.
الحب الذي هذا شأنه، له وجود كبير في كتاب الله عز وجل، يقول البوطي، وإنك لتستبين فيه الحالات التي يكون فيها الحب دواء لا بديل له ولا غنى عنه، والحالات التي يكون فيها داء ينبغي الفرار منه.
والقرآن بمقدار ما يستنهض العقول للفكر، يستحث القلوب للحب، وينبه إلى أن إدراك العقول للحق، لا يغني عن توجه القلوب بالحب إليه. ويحذر من أن تتوجه الأفئدة بالحب إلى ما، أَوْ مَنْ ليس أهلاً له.
فكيف يسوغ الإعراض عن هذا الذي يقرره القرآن وينبه إليه؟
ولقد تأمل المؤلف في سبب إعراض الكاتبين والباحثين عما يقوله القرآن في الحب، فلم يعثر إلا على سبب واحد، هو أن القرآن يوجه القلوب إلى حب ما لا يستهوي النفوس حبه، ويحذرها من حب ما يصعب على النفوس الإعراض عنه والتحرر منه. فكان في التلاقي على هذا الذي يقرره القرآن ويدعو إليه، أو في العكوف على بيانه والتأليف فيه، ما يصعب استنهاض النفوس إلى العمل بمقتضاه. فيقع أكثر الكتاب والباحثين من جراء ذلك في ازدواج وتناقض بين الحديث عما يقرره القرآن ويدعو إليه، وفعل ما تدعو إليه النفوس وتقضي به.
أما دراسة ما يقرره القرآن من أهمية استعمال العقل في التفريق بين الحق والباطل، وفي وضع المناهج والموازين التي تعصم عن الوقوع في الخطأ، وتيسر السبيل إلى معرفة الصواب، فليس في ذلك ما يعوق النفس عن نيل مبتغياتها والتمتع بشهواتها، لأن العقل كان ولا يزال دالاً ولم يكن مجبراً ولا ملجئاً. فليقرر العقل ما يشاء، وليدْعُ القرآن إلى تحكيمه والاهتداء به، فإن العقل لا يتجاوز، في كل الأحوال، حدّ الإشارة أو البيان، أما النفوس والأهواء، فقد كانت ولا تزال هي المتحكمة بأزمّة السلوك وهي التي تقود أصحابها في المراتع التي تشاء.
لذا، فإنك كثيراً ما تجد لقاءات يجتمع المتداعون فيها على دراسة كثير من القضايا الفكرية والقوانين والأبحاث العلمية، ثم إنهم يتفرقون كما كانوا قبل أن يجتمعوا، لا يغير أي منهم من سلوكه شيئاً. أما البحوث التي ألقيت والقرارات التي تم الاتفاق عليها، فهي مجرد غذاء يقدَّم إلى العقل الذي شأنه البحث عن الحقائق. وللسلوك سلطانه الآخر، ودوافعه التي تتسامى في قدراتها على العقل.

فهذا ما حمل البوطي على كتابة فصول عن حديث القرآن عن الحب: حديث القرآن عن حب الله للإنسان، وحديثه عن حب الإنسان لله، وحديثه عن حب الإنسان لأخيه الإنسان، ثم عن دور الحب في حياة الإنسان، عندما يكون منضبطاً بنهج القرآن، وعندما يكون شارداً عن ضوابطه.
.
ومما سجله الشيخ البوطي في عمله الرقيق أنّ الحب هو التعلق بالشيء على وجه الاستئناس بقربه والاستيحاش من بعده، فمهمة الإنسان في حياته الدنيا هذه تتلخص في ضرورة العمل على استبقاء الحب الرباني الذي كان من آثاره مظاهر التكريم الكثيرة التي ميزه الله بها.
.
ويضيف أنّ ربط النعم بالإله المنعم هو الوسيلة الأولى لتوهج القلب بوقود محبة الله، أما السبيل الثاني فهو أن يحرص الإنسان جهد استطاعته على الابتعاد عن أكل الحرام، أما السبيل الثالث فهو مجالسة الصالحين والابتعاد عن مجالس الفاسقين والمجالس التي تظهر فيها المنكرات.
.
ويؤكد البوطي أنّ حديث القرآن عن حب الإنسان للإنسان إنما يأتي في سياق الإخبار عنه والتقويم له، ولا يأتي في سباق الأمر به أو الدعوة إليه، إذ هي طبيعة مغروسة ، فما الحاجة إلى الدعوة إليها أو الأمر بها.
كما أنّ قانون التحابب في الله يستوجب أن يكون مصدر الحب الساري بين المتحابين رحمًا دينيًا ، وأن يكون الحامل لتلاقيهما شيئًا يرضي الله تعالى.
ويشدد المؤلف على أن دور العقل في ذلك محصور في الكشف والدلالة، فهو أشبه ما يكون بالدور الذي تؤديه المصابيح المثبتة في مقدمة السيارة، أما العاطفة فدورها يتمثل في الدفع إلى السلوك، فهي أشبه ما تكون بالوقود الذي في داخل السيارة.
إذن فمحبة العبد لله عز وجل تجعله صغيرًا في حق نفسه، وتريه ضآلته بل سوءه أمام ما يلاحقه من حقوق حبه لله تعالى، فمحال أن تجتمع محبة الله تعالى مع استثمار أعمال الدعوة إلى الله للمصالح الشخصية والمغانم المادية، إنهما من دون ريب نقيضان، إن وجد أحدهما غاب الآخر، بحسب الشيخ البوطي، رحمه الله.
ونشير إلى أن هذا الكتاب القيّم الصادر عن دار الفكر السورية، متوفر حصريا بالجزائر لدى دار الوعي، باعتبارها وكيلها التجاري، لكل من يرغب في الاستفادة منه، حيث يمكنه التواصل معها عبر موقعها الإلكتروني أو على حسابها الرسمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال وكلائها الموزعين المعتمدين.. 

تاريخ Sep 1, 2020