بقلم زهير شيخي
مهندس مختص في الاقتصاد و النفط
تشترك الجزائر والنيجر بحدود بطول 956 كيلومترًا، وتستعدان لتعميق العلاقات الاقتصادية في ظل التحولات الإقليمية الجارية، مع نمو واردات النيجر بشكل مطرد بسبب مواجهة الشركاء التقليديين تحديات جيوسياسية، تمتلك الجزائر موقعًا فريدًا لتعزيز حضورها التصديري.
و يمكن للجزائر ان تلعب دورا مهما في تلبية احتياجات النيجر و قد تتجاوز حتى فرنسا باعتبارها مُصدِرا أساسيا لدولة النيجر و لكن التوترات الجيوسياسية و الازمة بين نيجر و فرنسا جعلت فرنسا تتراجع في دول الساحل عموما و في النيجر تحديدا.
تستعرض هذه المقالة خريطة واردات النيجر، ومزايا الجزائر الاستراتيجية، والإمكانات التحويلية لمشاريع ثنائية مثل مصفاة سوناطراك النفطية ومحطة سونلغاز الكهربائية.
ملف واردات النيجر: بيانات أساسية وشركاء تجاريون
إحصائيات 2023
بلغت واردات النيجر 3.2 مليار دولار في 2023، مدفوعةً بالاحتياجات الطاقوية وانعدام الأمن الغذائي وتطوير البنية التحتية. تشمل الواردات الرئيسية:
1. النفط المكرر (780 مليون دولار، 24% من إجمالي الواردات)
2. المعدات والمركبات (520 مليون دولار، 16%)
3. الحبوب (450 مليون دولار، 14%)
4. الأدوية (310 مليون دولار، 10%)
5. المعدات الكهربائية (220 مليون دولار، 7%)
أكبر 10 دول مصدرة إلى النيجر (2023)
1. فرنسا: 620 مليون دولار (19.4%)
2. الصين: 580 مليون دولار (18.1%)
3. نيجيريا: 430 مليون دولار (13.4%)
4. الإمارات: 270 مليون دولار (8.4%)
5. الهند: 190 مليون دولار (5.9%)
6. تركيا: 160 مليون دولار (5%)
7. المغرب: 130 مليون دولار (4.1%)
8. بلجيكا: 110 مليون دولار (3.4%)
9. الجزائر: 95 مليون دولار (3%)
10. ألمانيا: 85 مليون دولار (2.7%)
لا تزال فرنسا الشريك الأكبر، لكن نفوذها تراجع بسبب التوترات السياسية بعد انقلاب 2023. بينما سجلت الجزائر زيادة بنسبة 22% في صادراتها إلى النيجر عام 2023، مما يُشير إلى زخم متصاعد.
المزايا الاستراتيجية للجزائر:
القرب الجغرافي واللوجستي
و توفر الحدود الجزائرية-النيجيرية وصولًا فعالا قليل التكلفة عبر الطريق العابر للصحراء (طريق تمنراست-أرليت)، الذي يجري تطويره ضمن أجندة الاتحاد الإفريقي. يخفض هذا الطريق تكاليف النقل بنسبة 30–40% مقارنة بالبدائل البحرية، وهو أمر حاسم للسلع سريعة التلف مثل الوقود.
إمكانات تصدير الطاقة
تستغل الجزائر، ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في إفريقيا، خبرتها الطاقوية لتلبية احتياجات النيجر:
مصفاة سوناطراك: اتفاقية بقيمة 2 مليار دولار وُقِّعت نهاية 2023 لبناء مصفاة نفط بسعة 100 ألف برميل/يوم في أغاديم (النيجر)، ستوفر منتجات مكررة محليًا وإقليميًا، مما يخفض إنفاق النيجر السنوي على الوقود.
محطة سونلغاز الكهربائية: مشروع بقيمة 500 مليون دولار لبناء محطة كهرباء غازية (300 ميجاوات) قرب نيامي، لمعالجة انخفاض معدل الكهرباء في النيجر (19% فقط).
التقارب السياسي والتكامل الإقليمي:
تعززت العلاقات الثنائية منذ 2022، مع مبادرات أمنية مشتركة ضد عدم الاستقرار في الساحل، ودعم متبادل في المحافل الدولية.
كما يشجع اتفاق التجارة الحرة القارية الإفريقية على تخفيض الرسوم الجمركية للسلع المصنعة.
الجزائر مقابل فرنسا:
انخفضت صادرات فرنسا إلى النيجر بنسبة 18% في 2023 (من 755 مليون دولار عام 2022 إلى 620 مليونًا) بسبب:
- العقوبات ما بعد الانقلاب وتقليص التعاون العسكري.
- توجه النيجر نحو شركاء إقليميين عبر تحالف دول الساحل.
في المقابل، استغلت الجزائر:
مشاريع الطاقة: قد تدر مصفاة سوناطراك لوحدها 1.2 مليار دولار سنويًا من الصادرات (وقود وخدمات فنية).
تنويع التجارة: تهدف الجزائر إلى تصدير مواد البناء والأدوية والحبوب. بلغت التجارة الثنائية 95 مليون دولار عام 2023 (مقابل 75 مليونًا عام 2020)، مع توقعات بوصولها إلى 400 مليون دولار بحلول 2025.
توقعات 2024
من المتوقع أن تصل واردات النيجر إلى 3.5 مليار دولار في 2024، بينما تستهدف الجزائر الحصول على 5–7% من السوق (245 مليون دولار) عبر:
الانتهاء من المرحلة الأولى لمصفاة أغاديم (20 ألف برميل).
زيادة صادرات الكهرباء عبر الشبكة الجزائرية-النيجيرية (50 ميجاوات مبدئيًا).
من المتوقع أن تنخفض صادرات فرنسا إلى 500 مليون دولار مع استمرار التوترات الدبلوماسية.
رؤية الجزائر: الاستثمار في البنية التحتية دون شروط سياسية
احتذاء بالنموذج الصيني و لكن بلمسة إفريقية
ينبغي على الجزائر أن تتبنى استراتيجية تشبه الصين في إفريقيا: الاستثمار في البنية التحتية والصناعات المحلية لتمكين النيجر من تحقيق الاكتفاء الذاتي.
تتمتع الجزائر بموارد مالية وخبرات فنية تسمح لها ببناء مصانع لمعالجة الموارد النيجرية، مثل:
اليورانيوم: تمتلك النيجر 5% من الاحتياطي العالمي، لكنها تصدره خامًا.
الذهب: أنتجت 30 طنًا عام 2023 (بقيمة 1.8 مليار دولار)، لكنه يُصدر خامًا أيضًا.
النفط: احتياطيات أغاديم تقدر بمليار برميل، لكن النيجر تستورد 80% من وقودها.
الشراكة دون تدخل:
تتميز الجزائر بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية، على عكس فرنسا التي تربط مساعداتها بشروط سياسية. مشاريع مثل مصفاة سوناطراك ومحطة سونلغاز تُنفذ بشراكات مربحة للجانبين، مع تدريب الكوادر النيجرية.
الخاتمة
تمتلك الجزائر كل المقومات لتصبح الشريك الأكبر للنيجر: قرب جغرافي، واستثمارات في الطاقة، وعلاقات سياسية متينة. مع توجه النيجر نحو الاعتماد على الشركاء الإقليميين، يمكن للجزائر أن تتجاوز صادرات فرنسا بحلول 2026، عبر تعزيز التعاون الصناعي وتنويع التجارة. هذا النهج لا يعزز الاقتصاد النيجري فحسب، بل يؤكد دور الجزائر كقائد للتعاون جنوب-جنوب، قائم على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة.