بقلم: د.مهماه بوزيان
وفقًا لما أفادت به قناة الجزائر الدولية "AL24" فإن وزارة الطاقة الجزائرية تدرس إمكانية إطلاق مشروع لتوليد 1000 ميغاواط من طاقة الرياح عبر 10 مواقع واعدة، بالتعاون مع البنك الدولي، حسبما أفاد به، أمس الأربعاء 25 ديسمبر 2024، كاتب الدولة لدى وزير الطاقة، المكلف بالطاقات المتجددة، السيد نور الدين ياسع.
في البداية، من موجبات اللحظة هو التنويه بهذا التوجه، وتثمينه، لأنه في تقديري حين يباشر قطاع وزاري أعماله بالتوجه نحو "الإنجاز" مع استهداف "أهداف كمية"، فهذا مؤشر نجاح في البدء، ويستحق منا التعضيد .. ونأمل أن يُستكمل التوجه بنجاح وتجسيد الهدف المأمول.
لأنني مدرك حقيقة، بأنه :
1- كان هذا أملنا منذ سنوات، كون الجزائر تزخر بكمون معتبر لـ"طاقة الرياح"، وكما يُطلق عليها البعض "الطاقة الريحية" على وزن "الطاقة الشمسية" وليس "طاقة الشمس"، لكن المهم في المفهوم هو وجود أروقة هامة لمسارات هبوب الرياح، بما يجعل منها مناطق لـ"طاقة رياح" كامنة وقابلة للإستغلال وذات جدوى طاقوية واقتصادية واجتماعية معتبرة.
2- ولأن الجزائر تمتلك من الخبرات البحثية في مجال "طاقة الرياح" كمونًا من الكفاءات بمستوى عالي، وهذه شهادة أقدمها لمعرفتي لهذه الكفاءات عن قرب، ومن حق البلد الإستفادة منها، كما أنه من حقها الإضطلاع بشرف خدمة البلد من خلال هذا البرنامج الوطني الطموح.
3- لدينا معرفة جيدة بأن الجزائر تزخر بأعلى كمون شمسي في العالم، وكوننا نعرف كذلك بأن الرياح هي أيضًا شكل من أشكال الطاقة الشمسية، حيث يؤدي الفرق في الضغط الجوي الناجم عن الإشعاع الشمسي إلى نشوء الرياح، لذلك من الطبيعي جدا ومن المنطقي أن يكون لدينا كمون معتبر من طاقة الرياح، بالإضافة إلى تلاقي تيارات الجبهة الأطلسية (المحيط الأطلسي) وتموّجات الجبهة الصحراوية، بما يعطينا كمونًا ومنبعًا لشكل من أشكال الطاقة القائمة على الحركة، فعندما تدير الرياح عنفات (شفرات) التوربين، يحوّل مولدها طاقة الشفرة الدوارة إلى طاقة ميكانيكية، ثم يتم تحويلها إلى طاقة كهربائية يمكن استغلالها مباشرة أو ضخها في شبكة الكهرباء أو تخزينها لإستخدامها لاحقا عند الحاجة.
4- المزاوجة بين عناصر الأفضلية لطاقة الرياح مع الطاقة الشمسية
لطاقة الشمس مزايا أفضلية على طاقة الرياح، فقابلية التنبؤ بمقدار الوفرة في الطاقة الشمسية هو أعلى مقارنة مع طاقة الرياح. وهنا نستحضر مثالا على ذلك، من خلال دراسة جديدة رصدت حالتين نموذجيتين لغياب الرياح، وبصورة شبه كاملة، خلال شهري جانفي ونوفمبر من هذه السنة 2024، في ألمانيا وفي عدد من الدول الأوروبية خصوصا الدول الاسكندينافية. حتى أن مصطلح "Dunkelflaute"، وهو مصطلح ألماني يعني "الهدوء المظلم"، أضحى مصدر قلق كبير في مجال الطاقة المتجددة في أوروبا، حيث تتولد ظاهرة مناخية تتميز بفترة طويلة من الظروف غير المواتية لإنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مع سماء شديدة الغيوم ورياح ضعيفة أو معدومة، لكن في حالة طاقة الرياح أصبحت متزايدة بدرجة أكبر وأشد. يمكن أن تستمر الظاهرة من بضع ساعات إلى عدة أيام، وتحدث أحيانًا في شمال أوروبا، في بعض الفترات السنوية، بمتوسط 10 مرات سنويًا.
أمّا طاقة الرياح فتُعد مصدر طاقة ذو كفاءة أعلى من الطاقة الشمسية، فكفاءة التحويل في توربينات الرياح هي ثلاث (3) أضعاف مما هو في اللوح الكهروضوئي، لكن كفاءة الإستفادة من النظام معقدة، والجانب الأفضل والواضح في أفضلية الكفاءة يبرز من خلال قدرة تربينات الرياح على توليد الطاقة الكهربائية حتى في فترات الظلام حين يغيب الإشعاع الشمسي، بما يقلل من اللجوء إلى التخزين معها، حيث في أشد الفترات غيمًا تُنتج توربينات الرياح مزيدا من الطاقة مقارنة مع الألواح الشمسية الكهروضوئية. لكن حظائر طاقة الرياح تتطلب مراقبة أكبر وصيانة أعلى من محطات الطاقة الشمسية، وهذا الأمر من جانب آخر يعدّ ايجابيا لأنه مولّد لمناصب شغل أكبر من مناصب الشغل في محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية خلال مرحلة التشغيل.
5- أهمية التهجين بين أنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والغاز الطبيعي والهيدروجين، بما ينحى بنظام مزيج الطاقة نحو أفضل الحالات وأكثرها موثوقية وجودة وجدوى.
في دراسة هامة حديثة لـ (nature communications)، نشرتها في نهاية سنة 2021 تناولت "القيود الجيوفيزيائية التي تؤثر على موثوقية الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في جميع أنحاء العالم"، وشملت (18 بلدا) من بينها الجزائر، وفي الشكل المرفقة المأخوذ من هذه الدراسة، نلاحظ توازنًا في "الحالة الجزائرية" المتميّزة بموثوقية إمدادات الكهرباء ضمن مزيج لموارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في توليد الطاقة، خاصة في غياب التخزين لها.
وفي الأخير، أريد التنبيه، بأن أهمية المسعى والمشروع الذي يستهدف توليد 1000 ميغاواط (1GW) من طاقة الرياح عبر 10 مواقع، بحاجة إلى:
1- التنبه لمشاكل "الإزاحة"، فالعناية بـ"هندسة التموضع" هو عنصر أساسي ضمن عناصر التحكم البالغ على مستوى الإنجاز، وهذا هو التحدي الأكبر، لأن مزارع الرياح تتطلب دقة وعناية خاصة في تموقع "عنفات الرياح" ضمن نطاق الهبوب والسريان للتيارات الهوائية، فأي إزاحة عن التموضع الصحيح، قد يفقدها كفاءتها التشغيلية أو يُعرّضها لأعطاب، قد تكون شديدة تصل إلى كسرها. ولعل تجربة حظيرة الرياح الكبرى (دالي ابراهيم - العاصمة) هي حالة مُصغرة، وأيضا ينبغي تقييم المشروع القائم لحظيرة طاقة الرياح بمنطقة كابرتن بإقليم بلدية تسابيت (أدرار)، للإستفادة من ذلك في تخطيط المشاريع المستقبلية لطاقة الرياح.
2- أهمية العناية بظاهرة "الخفوت" أي تراجع منسوب الرياح، موسيميا، أو بالشكل غير المتوقع، لإعداد الحلول المرافقة.