الحراك الإخباري - تعرّف على رسالة دكتوراه الشيخ البوطي: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية
إعلان
إعلان

تعرّف على رسالة دكتوراه الشيخ البوطي: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية

منذ 3 سنوات|قراءة في كتاب

أصل هذا الكتاب هو أطروحة علمية نال بها المؤلف الشيخ العلامة الشهيد محمد سعيد رمضان ابوطي درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر، وهي أكثر كتبه تداولا وأعظمها انتشارا، حيث يهدف إلى بيان الضوابط التي تعتمد فيها المصلحة عند الاجتهاد دون إخراج ذاك الاجتهاد عن مساره.
قسم المؤلف بحثه إلى ثلاثة أبوابٍ، وصدَّره بمقدمة وتمهيدٍ عرّف من خلاله بالمصلحة لغةً واصطلاحاً، وقارن بإيجازٍ بين المصلحة في الشريعة، والمصلحة كما رآها الفلاسفة، وذلك لمنع التباس المصالح الشرعية بما يُسمى المصالح في المدنية الغربية.
خصص الشيخ البوطي، رحمه الله، الباب الأول للتدليل على أن الشريعة الإسلامية وافيةٌ بمصالح العباد، تتضمن كل ما فيه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم، ثم رد على شبهتين يثيرهما البعض أمام هذه الحقيقة، الأولى: أن أفعال الله لا تعلل، والثانية: أن الأجر على قدر المشقة.
وفي الباب الثاني بيَّن الضوابط الخمسة للمصلحة الشرعية؛ فعرض لبعض تفصيلات هذه الضوابط بالعناية والدرس، وضرب الأمثلة والآراء، وناقشها، وحذر من المجازفة في السير وراء ما يسمى المصلحة اكتفاءً بعنوانها، وفي الباب الثاني بيَّن الضوابط الخمسة للمصلحة الشرعية؛ فعرض لبعض تفصيلات هذه الضوابط بالعناية والدرس، وضرب الأمثلة والآراء، وناقشها، وحذر من المجازفة في السير وراء ما يسمى المصلحة اكتفاءً بعنوانها، ، مشددا على اندراج المصلحة في مقاصد الشارع، وعدم معارضتها للقرآن، ولا للسنة، ولا للقياس، ولا تفويتها مصلحة أقوى منها أو مساوية لها.
وبحث في الباب الثالث موضوع المصالح المرسلة، فبيَّن أهميته، وكثرة ما قيل فيه، وشدة الحاجة إلى ضبطه، وتحرير المقصود به. وردَّ من خلاله على ظنون بعض الباحثين بأن مالك بن أنس يأخذ بالمصالح المرسلة، وإن عارضت عموم النص أو إطلاقه. وبيَّن مواقف العلماء من الاستصلاح، بدءاً بعصر الصحابة إلى عصر الأئمة، ثم انتهى إلى أن المصلحة المرسلة مقبولة باتفاق.
وختم البحث بخاتمةٍ قصيرةٍ، أوجز فيها أهم ما انتهى إليه، وأوضح أخطر ما ينبغي على الباحثين والمجتهدين التنبه إليه لدى الأخذ بالمصالح.
ونقرأ في المقدمة أن المصلحة مصطلح اقتصادي وفقهي في الوقت نفسه، فهي عند علماء الأصول ثلاثة أنواع: مصلحة معتبرة، ومصلحة ملغاة، ومصلحة مرسلة، والأخيرة من المسائل الحساسة التي تفاوتت فيها أنظار علماء الشريعة، واختلفوا فيها اختلافًا كبيرًا، فبعضهم أنكرها ورأى أنها يمكن أن تتخذ وسيلة لتغيير شرع الله، حيث قال الإمام الجويني: "إن الاستصلاح (المصلحة المرسلة) مَركب صعب لا يجترئ عليه متدين"!، ومن شأنه أن: "يصير ذوو الأحلام (العقول) بمثابة الأنبياء"!، فهؤلاء منعوا الاستصلاح كما منعوا الاستحسان، وقالوا: من استحسن فقد شرع! ومن استصلح فقد شرع!، ثم عقب الشيخ البوطي بالقول: الأول مسلّم عندي، والثاني فيه نظر!، ومنهم من أخذ بالمصلحة، وربما غلّب المصلحة على النص!، وذلك كمن غلّبوا الاستحسان على القياس! وشيخنا البوطي ممن يرى "أننا لسنا بحاجة إلى المصلحة المرسلة، فالأشياء التي لم يرد فيها نص ولا إجماع يمكن دراستها للوقوف على منافعها ومفاسدها، فإن غلبت المنافع فهي مصلحة معتبرة، وإن غلبت المفاسد فهي مصلحة ملغاة"، مصداقا لقوله تعالى: (يسألونكَ عن الخمر والميسر قلْ فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافعُ للناس وإثمُهما أكبرُ مِن نفعِهما) سورة البقرة 219، أي أنّ للخمر والميسر منافع وأضرار، والأضرار أكبر من المنافع وأكثر! وسمّى الضرر إثمًا، لأن الشريعة تجلب المنافع، وتدرأ المفاسد والأضرار.
ومن أهم ما تمتاز به الشريعة الغراء، وفق الكتاب، أنها واضحة السبيل، دقيقة الأصول والموازين، فليس في قواعدها وأحكامها أي متسع للتلاعب أو التزييف، اللهم إلا إذا تقاعس العلماء عن حمل الأمانة، أو فقدوا من تقوى الله والإخلاص لدينه ما يحملهم على بيان الحق دون تكلف ولا مصانعة. وتركوا السبيل مفتوحا للمتلاعبين والحاقدين والمتربصين، فمرد المشكلة حينئذ إلى موقف المسلمين من دينهم ونبذهم المسئولية وراء ظهورهم، وأما شريعة الإسلام نفسها فليس فيها (على أي حال) أي باب أو ثغرة تدع مجالا لخوض الخائضين أو عبث العابثين.
ما المقصود بالمصلحة في الشريعة الإسلامية ؟ بعد أن تضاربت حول مفهومها الأقوال بين القدماء والمحدثين ؛ يأتي العلامة الراحل محمد سعيد رمضان البوطي ليقول : هي معنى كلي مستخلص من مجموع جزئيات الأحكام المأخوذ من أدلتها ومصادرها الشرعية.
وهل المصالح هي تلك المذاهب و الآراء المضطربة المتناقضة، الشيخ البوطي يرد فيقول: إن المصالح في الشريعة الإسلامية منضبطة و محدودة من جميع أطرافها ، بما لا يدع مجالا للاضطراب أو الغموض في فهمها.
ويضيف إنّ الحقيقة هي أن تقدير ما يكون به الصلاح والفساد عائد إلى الشريعة نفسها، وقد وضعت الشريعة الأسس العامة لهذه المصالح في بيان لا يلحقه أي نسخ أو تبديل، وأجملته في خمسة مقاصد ، وهي : حفظ النفس والدين والعقل والنسل والمال ، طبق هذا الترتيب فيما بينها، كما أرشدت إلى الأدلة والحدود التفصيلية لها، بما لا يقبل أي تأويل أو تغيير، وهي أن لا تخالف جزئياتُها نصوصَ الكتاب والسنة أو القياس الصحيح .
 وبناء على ذلك، فإن كل ما توهمه الناس مصلحة مما يخالف تلك الأسس العامة في جوهرها أو الترتيب فيما بينها أو يخالف أدلة من الأدلة المذكورة فهو ليس من المصلحة في شيء وإن توهم متوهم ذلك .
وبذلك فإنّ أهم خصائص المصلحة لدى أرباب النظم الوضعية هي أن المعايير الزمنية التي يقيسون بها المصالح والمفاسد معايير ضيقة ومحدودة بعمر الدنيا وحدها.
كما أنها مقوّمة بقيمة اللذة المادية فقط، سواء روعي في ذلك ما تعود ثمرته على شخصية الفرد وحده أو على الشخصية العامة للمجتمع، والدين عندهم معتبر فرع للمصلحة، أي يستعان به من حيث كونه مؤثرا في وجوه المصلحة المعتبرة لديهم.
أمّا أهم خصائص المصلحة في الشريعة الإسلامية، من منظور المؤلف، فهي أن الزمن الذي يظهر فيه أثر كلٍ من المصلحة والمفسدة ليس محصورا في الدنيا وحدها بل مكوّن من الدنيا والآخرة معا، وأن قيمة المصلحة الشرعية لا تنحصر فيما تنطوي عليه من لذة مادية كما آلت إلى ذلك المصلحة لدى علماء الغرب، بل هي نابعة من حاجتي كلٍ من الجسم والروح في الإنسان.
كما أن مصلحة الدين أساس للمصالح الأخرى ومقدمة عليها، فيجب التضحية بما سواها مما قد يعارضها من المصالح الأخرى إبقاء لها وحفاظا عليها.




والخلاصة أن القارئ يستطيع من خلال هذا الكتاب التعرفّ على عظمة هذا الشيخ الجليل وقوة معرفته بعلم أصول الفقه، فهو يناقش قضية لطالما وقع فيها كثير من المتقدمين أو المتأخرين، وهي احتمالية وجود تعارض للمصلحة مع الشريعة والأحكام، حيث يرد على شبهة الكثير ممن يدّعون تعارض العقل والنقل وضرورة تقديم العقل على النقل.
ونشير إلى أن هذا الكتاب القيّم الصادر عن دار الفكر السوريّة، متوفر حصريا بالجزائر لدى دار الوعي، باعتبارها الوكيل التجاري للناشر، لكل من يرغب في الاستفادة منه، حيث يمكنه التواصل معها عبر موقعها الإلكتروني أو على حسابها الرسمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال وكلائها الموزعين المعتمدين.

تاريخ Aug 18, 2020