الحراك الإخباري - سنة كاملة تمر على ثورة شعبية سلمية غيرت مجرى التاريخ الحراك الشعبي أمام رهان البقاء أو حتمية الزوال
إعلان
إعلان

سنة كاملة تمر على ثورة شعبية سلمية غيرت مجرى التاريخ الحراك الشعبي أمام رهان البقاء أو حتمية الزوال

منذ 4 سنوات|الأخبار

ملف خاص من إعداد الصحفي" حيدر شريف

تمر سنة على تاريخ الثورة الشعبية التي خاضها الجزائريون يوم 22 فبراير الفارط، تاريخ انطلاق الحراك الشعبي الذي نادى بأعلى صوت، لا للعهدة الخامسة، هبة شعبية مخملية أدت إلى سقوط أعتا نظام دكتاتوري عرفته الجزائر منذ الاستقلال، وقفة من التحدي تجسدت من خلال مسيرات مليونية سلمية أعطت للعالم بأكمله درسا حول تحضر الجزائريين التواقين للحرية والديمقراطية في كل أبعادها، بعد كل هذا المسار تساؤلات كثيرة باتت تطرح عن قدسية هذا الحراك الشعبي، تقييمه ومصيره في المستقبل بعد الزج بالعصابة في السجن وانتخاب رئيس للجمهورية في 12 ديسمبر 2019؟

استطاع الحراك الشعبي بما لا يدعو إلى الشك أو الريبة أن يعطي نفسا جديدا لصيرورة الوطن، أملا للجزائريين بعد سنوات عجاف وتكريس الحكم الفردي على أعلى مستوى إلى درجة تقديس صورة الرئيس المخلوع وتمادي من يحيطون به في ممارسات سلطوية لم تكن لتعرف حدا لولا خروج الملايين من الجزائريين إلى الشارع، حراك شعبي رافقته المؤسسة العسكرية وساهمت في تأطيره بشكل أو آخر، ليحقق الكثير من المكاسب وفي مقدمته رحيل بوتفليقة والعاصبة التي كانت معه وبروز وجوه جديدة على جميع المستويات.

مسار طويل خاضه الجزائريون من أجل استرجاع أرضهم المسلوبة التي كانت ملكا لأبناء فرنسا كما يقال، في وقت لم يعد فيه إلغاء العهدة الخامسة هو المطلب الوحيد وإنما ارتفع سقف المطالب إلى مزيد من الانجازات وفي مقدمتها نهضة اقتصادية وبناء دولة مدنية وجزائر جديدة ديمقراطية على غرار ما تشهده أرقى الديمقراطيات في العالم بما يسمح للجزائري البسيط بان يحظى بكرامة عيش وينعم بخيراته وطنه المسلوبة.

مرت الأسابيع تلوى الأخرى والحراك لم يتوقف، لكنه عدد المتظاهرين كان يتناقص في كل مرة، فمنهم من تعب أو كلّ ومنهم من اقتنع بعدم جدوى النزول إلى الشارع لأن القضية التي خرج للدفاع عنها لم تعد تجد لها قائمة، كثيرة هي الأسباب، ناهيك عن الاختراقات التي عرفها الحراك من طرف الكثيرين وجعلت منه هدفا لضرب أمن واستقرار الجزائر، حراك شعبي عجز لسبب أو لآخر أن يقدم ممثلين عنه للتفاوض مع السلطة وبقيت مطالبه حبيسة الشراع والمظاهرات، بشعارات قد يختلف علليها البعض أو يتفق، يضاف إلى ذلك دكتاتورية الحراك كما يسميها البعض لأنه بات يرفض من يعارضه ويخون من ينتخب أو يتحدث مع السلطة، بالرغم من أن هناك حراكيون اعتلوا مناصب عليا في الدولة بعد رئاسيات 121 ديسمبر.

بدورها الأحزاب السياسية وعلى مدار سنة كاملة سعت إلى توظيف الحراك الشعبي فبين من عارضه في بدايته وبين من استقل القطار بعد انطلاقه، تقاطعت الأهداف والمصالح حول نقطة التغيير وخوض معركة التموقع السياسي، جيلالي سفيان عن جيل الجديد يلتقي برئيس الجمهورية عبد المجيد تبون رغم معارضته للانتخابات الرئاسية، كذلك هو الحال بالنسبة لعبد الله جاب والله وعبد الرزاق مقري عن حركة حمس، أحزاب أخرى بقيت تعارض في الشارع على غرار حزب التجمع الوطني من أجل الديمقراطية والثقافة، حزب جبهة القوى الاشتراكية، حزب العمال، إلى جانب تنظيمات أخرى، وشخصيات وطنية بمختلف توجههاتها، التي لعبت على وتر الشارع، مما جعل الحراك الشعبي يعيش حالة لا تجانس في بعض الأحيان.

 أمام هذه المعطيات والتطورات التي جعلت بعض المتظاهرين يعتدون على صحفيين وينتقدون كل من يعارض الحراك أو يعلق عليه ويفرضون دكتاتورية الشارع إلى درجة قد لا تحمد عقباها، مظاهر من التكفير السياسي شهدها الجزائريون ربما لأول مرة وغيرها من الممارسات التي طالت شخصيات وطنية وحتى مواطنين بسطاء، ليس إلا لأنهم عبروا عن رأي مخالف، كثيرة هي التساؤلات التي تطرح نفسها بقوة، هل حقيقة بات من يعدل عن الخروج إلى الشارع في الوقت الراهن خائنا، هل حقيقة من أدلى بصوته في الانتخابات الرئاسية الفارطة غير وطني ولا ينتمي إلى الحراك الشعبي، هل تحول الحراك الشعبي إلى محكمة شعبية في أيدي البعض ممن ينصبون أنفسهم أوصياء على الشعب الجزائري؟

الكاتب كمال داود يتحول إلى عدو للشارع لأنه كتب عن فشل الحراك

أثار المقال الذي نشره الكاتب الجزائري كمال داود في أسبوعية "لوبوان الفرنسية"، بعنوان "أين هو الحلم الجزائر؟"، ردود أفعال واسعة ومتفاوتة، بين مستنكرٍ ومتحفّظ على ما جاء فيه، حيث نشر داود موضوعًا مطولا، استعرض فيه تحليلا شخصيًا طرح فيه سؤال: كيف فشلت ثورة 22 فيفري الشعبية؟ حيث عاد إلى أهمّ المحطات التي وقعت في الحراك الشعبي السنة الماضية، وقدّم تحليلاته واستنتاجاته لكثير من الوقائع. تصريحات كمال داود جعلت منه العدو رقم واحد في الحراك وأصبح محل سخط الشارع الجزائري.

الأستاذ والبرلماني السابق عدة فلاحي: أخشى أن يتحول الحراك إلى إله يعبد

كانت عبارة "أخشى أن يتحول الحراك إلى إله يعبد" بمثابة الصاعقة التي أوقعها البعض على الدكتور والناشط السياسي والبرلماني السابق عدة فلاحي خلال تصريحاته في مختلف البلاطوهات، كيف لهذا الرجل أن يتحدث عن الحراك وينتقده أو على الأقل يبدي رأيا،

وفي منبر موقع "الحراك الإخباري"، قال الدكتور فلاحي، بأن الحراك قد انطلق كالقطار السريع و لكن لم نجد الطاقم الذي يقوده ويسيره، فتلاعبت به الأهواء والآراء بعد شهر رمضان من السنة الفارطة أي حوالي منذ أسبوعه 12، بمعنى أنه افتقد لمن ينقل مطالبه لأصحاب القرار، ليفقد تركيزه حول القضايا الجوهرية وليغرق في الهوامش ولكن الرهان الحقيقي الذي فشل فيه الحراك هو إجهاض الانتخابات الرئاسية واليوم و بعد انتخاب الرئيس هو يريد أن يستعيد عافيته من خلال الاستثمار في أخطاء الرئيس والسلطة وبالتالي هنا المعركة وكأنها معركة شطرنج من يتعب ويفقد القدرة على المناورة والذكاء السياسي وأعتقد بان ما لم يستطع أن يحققه الحراك قبل الانتخابات لا يستطيع تحقيقه بعد الانتخابات أي أن التغيير خرج من يد الحراك وأصبح بيد أطراف أخرى .


إعلاميون في منبر "الحراك الإخباري":


الصحفي حسان جزايري:

الحراك الشعبي حقق الكثير ولكنه وقع في حرب إيديولوجية


أرى أن الحراك الشعبي بعد مرور سنة حقق العديد من المكاسب كما عرف عدة عثرات كحال أي تجربة ثورية في بلد شمولي عرف انغلاقا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا منذ الاستقلال، بخصوص المكاسب فإن إخلاط أوراق السلطة وإحداث انقسام في صفوف صناع القرار وإسقاط العهدة الخامسة يعد إنجاز عظيما وكذلك عدم الانسياق وراء دعاوى التخريب والفوضى مع الالتزام بالسلمية إنجاز عظيم أيضا لكن بعد الأشهر الأولى لثورة 22 من فبراير وقع الحراك في حرب الإيديولوجية والإصطفافات الحزبية وحتى الجهوية فالكل كان متفقا على إسقاط العهدة الخامسة لكن ليس الجميع متفقا على طريقة واحدة لقيادة المرحلة التي تلت استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

 وأظن أن السلطة الفعلية التي تولت تسيير المرحلة آنذاك نجحت في اللعب على وتر هذا الخلاف الذي كان قائما داخل صفوف الحراك واستمالة جبهة منه إلى صفوفها مستمدة منها الشرعية لخوض انتخابات رئاسية في ظروف غير مواتية والنجاح في إنقاذ النظام مرة أخرى بعد أن كان المطلب الرئيسي يوم 22 من فبراير هو القطيعة مع النظام وتأسيس جمهورية جديدة. وبخصوص مستقبل الحراك يصعب تقديم تصور واضح، لكن سيبقى ورقة ضغط تجاه السلطة الجديدة، ورقة ضغط يمكن أن تتحول إلى ثورة أخرى في حال تمسك السلطة الحالية بممارسات الفترة السابقة ما سيشجع على بلورة رؤية موحدة لدى الرأي العام بأن القطيعة هي الحل ما يمهد لحراك جديد بزخم أكبر.

الصحفية دليلة بلخير:

الحراك سيستمر لأن ما خرج من أجله منذ سنة لم يتحقق بشكل


لا يمكن أن نصف ما حققه الحراك الشعبي إلا بالاستثنائي يكفي، حيث أنه أنهى سيطرة أبرز رموز النظام السابق وأسقط الرئيس السابق وعصبته بطريقة حضارية وسلمية ومازال صامدا بنفس الريتم والعزيمة كل جمعة على مدار سنة كاملة

الحراك ثابت على مطالبه في التغيير الشامل للنظام وليس الواجهة فقط؛ حقق الكثير من المطالب التي كانت مرفوعة منذ الجمعة الاولى ٢٢ فيفري ومنها رحيل وجوه النظام السابق ومحاكمة رموزه ورموز الفساد، ربما لم يتحقق الجوهر ولكن الحراك بات وسيلة ضغط تحقق المطالب الواسعة ويبقى الثبات على استمرار الخروج في الجمعات المقبلة ضروريا لمراقبة إفرازات انتخابات 12 ديسمبر ومنع عودة بقايا النظام من جديد لأنه في الأساس مازال موجودا..الحراك سيستمر لأن ما خرج من أجله منذ سنة لم يتحقق بشكل كامل ما يجب العمل عليه هو تنظيمه وتحديد ممثلين له حتى يكون وسيلة ضغط حقيقية على السلطة ويساهم في تحقيق مطالبه وتغيير ممارسات النظام

الصحفي زين شرفاوي:

الحراك الشعبي يحمل الأمل لأنه بصدد رسم معالم جزائر الغد


بالرغم من قصر عمر الحراك الشعبي إلا أنه كان كبيرا وحاملا للأمل، وهذا لأنه بصدد رسم معالم جزائر الغد، حيث أنه سمح للجزائريين باسترجاع الفضاء العمومي وأكثر من ذلك استرجاع حريات أكبر وهذا ليس بالهين عندما نتذكر الوضع الذي كان سائدا قبل تاريخ 22 فبراير ودون أدنى شك سيكون هناك ما قبل وما بعد تاريخ 22 فيفري 2019.


الصحفي عبد الهادي خربوش:

 كلما أدارت السلطة ظهرها لمطالب الحراكيين كلما امتد عمر الحراك وزاد زخمه

أولا يتفق الجميع على أن الحراك المبارك على الأقل أطاح بواجهة نظام عرف على أنه نظام عصابات ارتبطت أبرز وجوهه بملفات فساد كبيرة أدخلت البلاد في مرحلة خطيرة، لكن من جهة أخرى يجب أن نؤكد على أن مطالب الحراك قد تم الالتفاف حولها ة منه محاولة إخراج الحراك عن محتواه وأهدافه ومطالبه الواضحة والمتمثلة أساسا في إحداث تغيير شامل وعميق لمختلف أجهزة النظام السياسي الذي كان قائما..وبالنسبة لمستقبل الحراك أظن بأنه سيكون مرتبطا بشكل أساسي بمدى استجابة النظام الحالي للمطالب التي ترفع في التجمعات والمظاهرات فكلما أدارت السلطة ظهرها لمطالب الحراكيين كلما امتد عمر الحراك وزاد زخمه.


حراكيون يتكلمون لموقع "الحراك الشعبي"

الحراكي فيصل:

لا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أقيم الحراك، خاصة وأنه كان وراء الانجازات المحققة، وساهم في تعرية وكشف وفضح سياسات مسؤولين، كانوا بالأمس القريب يتحكمون ويسيرون الوطن كما يحلو لهم. كما ساهم الحراك في فتح آفاق جديدة على كل فئات المجتمع، إلا من أبى، وقضى على ما اصطلح بتسمية العصابة وأزلامها التي نهبت خيرات الوطن، لذا فالحراك هو الوطن وهو الجزائر الجديدة. الحراك متواصل وسيدخل جمعته الـ 53 هذا الأسبوع، والشعب يرفض أن يبقى في موقف المتفرج، اليوم الشارع يرد على الحكومة وعلى النظام من خلال شعارات ترفع في مسيرات الجمعة والثلاثاء، بعدما كان في الماضي مستقيلا من السياسة، لكنه اليوم يصر على لعب دوره. أتمنى أن تستمع السلطة لنداءات الشعب وتسيير في فلكه، لنبني وطنا وجمهورية جديدة أساسها العدل والمساواة بين مختلف أطياف المجتمع، جزائر جاهد من أجلها أجدادنا وأمن بها الشعب.

عيسى شنيخار: مواطن جزائري يبلغ من العمر 35 سنة، حراكي بامتياز يقول: الحراك بالنسبة إلي انتهى يوم تنصيب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية.

سيد أحمد حجام:

شاب وطالب يبلغ من العمر 23 سنة، يقول، صحيح أن الحراك انتهى في الشارع، بمعنى لا فرق بين السكوت أو الكلام، فالأمور لا تتغير ولكنه لم ينته في المؤسسات العمومية، أنا كطالب متمسك بالحراك الشعبي، لكن أتأسف لان الطلبة يخرجون إلى الشارع لانتقاد الحكومة وهم يرضون بكل الممارسات السيئة المرتبطة بالتسيير داخل الجامعة لا سيما فيما يتعلق بالشق البيداغوجي ولا يسعون إلى تغييرها.

ياسين بورا:

حراكي مقيم بباريس يقول إنه رغم كل العراقيل، فإن الأمل يبقى قائما.

رؤوف مسعودي:

مواطن جزائري يبلغ من العمر 35 سنة، يرى بأن الحراك انتهى منذ زمن طويل وبقيت بعض الكتل التي تضغط من أجل تحقيق مكاسب سياسية بعيدة عن الأهداف الحقيقية التي خرج من اجلها الشعب الجزائري في 22 فيفري...ولا شك أن هذه الأطراف تتبنى خيارا واحدا وهو تجاوز خيار الانتخابات حتى وإن كان خيارا شعبيا من أجل تطبيق ما يسمونه مرحلة انتقالية، مع عجزهم عن وضع مسار أو خطة واضحة لهذا المسار الانتقالي.

رفيق بن ايدير:

الحراك عرف انحرافا تسبب في تصدعه

بداية أنا أحلم بالتغيير وفي اعتقادي أن بعض الأحزاب السياسية لاحظت النوايا الخفية لشقيق الرئيس المخلوع بعد العهدة الثانية وبدأت تحضر لحراك 22 فيفري بالمراهنة على الشعب الجزائري لان مسعاهم ما كان لينجح لولا الهبة الشعبية وبالتالي فإن الحراك هو حركة شعبية لاسترجاع كرامة الشعب وحريته المسلوبة من طرف العصابة، حركة قائمة على التغيير وقطيعة مع الماضي في الشأن السياسي والاجتماعي بهدف طوباوي يسعى إلى تغيير شامل وأكثر وللأسف مع نوايا الجناح الذي عجل برحيل الرئيس السابق عرفت التغيير انحرافا تسبب في تصدع الحراك وجعل جهات كثيرة تموج في بعضها متناسية الأهم وهو التغيير المنشود.

رشيد صاف:

مواطن جزائري يبلغ من العمر 45 سنة، يقول، أتمنى أن لا يتوقف الحراك حتى لا يتم إطلاق سراح السعيد بوتفليقة.

عزيز الحراشي:

شاب في مقتبل العمر يرى بأن الحراك هو مستقبل كل جزائري الغيور على بلده الصبر ثم الصبر، يحيا الحراك.

في علاقة الحراك الشعبي بالإعلام...رئيس المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين يتكلم

أن يجد الصحفيون أنفسهم بين مطرقة السلطة وسندان الشارع أمر غير مقبول

قال رئيس المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين رياض بوخدشة، في تصريح خص به موقع "الحراك الإخباري"، نستقبل الذكرى الأولى للحراك الشعبي السلمي الباهر الذي تفجر في 22 فبراير من العام الماضي 2020، والجزائر تحاول طي مرحلة والانتقال إلى مرحلة جديدة ميزتها الأساسية هي أن زمن الخوف واحتكار السلطة والتعسف المفرط في استغلالها قد ولى.

ونحن في بلد هو من الدول التي تعيش مجتمعاتها بعيدا عن سياسات واستراتيجيات ومشاريع مجتمع بعيدة الأمد، يمكن القول أننا على الطريق الصحيح مادام هناك مؤسسات منتخبة حتى لو بديمقراطية منقوصة، ومادام هناك مطالب ترفع وحراك مستمر حتى لو أن هذا الحراك لازال تائه وسط كومة من المطالب السياسية والاجتماعية الناتجة عن سنوات طويلة من الاحتقان وفقدان الثقة بين السلطة والشعب، وتوقف وتيرة التمنية وتحقيق الرخاء الاجتماعي الذي يفترض بسطه بين المواطنين وهم يسمعون ويقرؤون عن ثروات بلدهم كيف تسلب وتنهب في السر والعلن.

فما حققه "الحراك الشعبي" جلي، فالجزائر اليوم تخطت عتبة الخوف من الانزلاقات الأمنية بفضل المسؤولية العالية لقيادة الجيش وللمؤسسة الأمنية، وهذا واجبها، يضاف إليه واجب الطبقة السياسية والنخب التي يجب عليها تعزيز سلمية التظاهر وترقية الخطاب السياسي ورفع مستوى النقاش، لكي نلامس المشكلات الحقيقية التي دون تحقيق الطفرة الوطنية في شتى المجالات.

والحديث اليوم بعد سنة من تفجر الحراك السلمي عن جزائر جديدة، يجب أن يتعاطى مع كل الإشكاليات التي لا تزال مطروحة وعلى كل المستويات، ومشروع الجزائر الجديد من خلال مسماه واسع ومفتوح وغير محدد بزمن أو سقف مطالب معينة، ولذلك نتوقع أن يتعمق هذا المفهوم ويتطور إلى مشروع مجتمع حقيقي يأخذ فيه السياسيون بكل مقومات تماسك المجتمع والأمة كمبدأ لا يقبل التنازل، والذهاب بعد ذلك إلى فضاءات تغيير أرحب وأوسع في مجالات التنمية المختلفة.

ومن القضايا الحساسة التي يجب النظر فيها بعمق، النظرة الخاطئة التي تعاطت بها السلطة وجزء من الحراك الشعبي مع "الصحافيين"، فإذا كان من حق الشعب أن يحكم على احترافية ما يكتب وينشر ويبث وصوتا وصورة، فإن هذا ليس مقياس حكم موضوعي على الصحفيين ومستواهم واحترافيتهم ودرجة وطنيتهم، ومن الضروري أن يقوم الصحفيون أنفسهم اليوم بوضع الجميع أمام مسؤولياته، وأن لا يبقوا كبش فداء تتقاذفهم التهم بالمجان وظلما وبهتان.

الصحفي مسؤول ولا يخضع في الحالة الطبيعية إلا لوازع الضمير والأخلاق المهنية المتعارف عليها عالميا ولا ينتصر إلا لما يقدر فيه مصلحة البلد، ولذلك أن يجد الصحفيون أنفسهم بين مطرقة السلطة وسندان الشارع، أمر أصبح لا يقبل الصمت ويجب الوقوف عنه باجراءات قانونية وتشريعات واضحة تحدد مسؤولية كل أطراف المعادلة الإعلامية.

الدكتور.إبراهيم تيقامونين، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

الحراك السلمي المبارك لا يزال في ديناميكيته المطلبية

الحراك الشعبي بحاجة إلى تخطي مرحلة التعبير إلى الانخراط في آليات التفعيل المطلبي

من الخطأ تقييم الحراك بعد سنة من اندلاعه من زاوية استمرار الزخم الشعبي

يرى الدكتور المختص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إبراهيم تيقامونين، أن الحديث عن تواصل الحراك الشعبي أمر غير مطروح بتاتا لأن الحراك، يعتبر اتجاها تفاعليا سياسيا واجتماعيا وحتى سلطويا لا يمكن التفريط فيه أو فتح الجدل عن استمرار حياته أو موته، كما أكد أن الحراك واجه عدة تحديات لاستمراره : أبرزها المحافظة على تجانس مخرجاته المطلبية السلمية وتفادي الانزلاق في الشرخ الإيديولوجي والسياسي وحتى الثقافي الجهوي.

ما هو تقييمكم للحراك الشعبي بعد مرور سنة عن تاريخ انطلاقه؟

الحراك لا يزال في ديناميكيته المطلبية والضابطة من حيث رصيد "روحه" بغض النظر عن حديته الخطابية وتفاعلات التجاذب الإيديولوجي والسياسي والعصبي السلطوي. فرصيد "طفرة" الحراك ذات البعدين: الشعبي (الرصيد التراكمي من الغضب والتعبير المطلبي الأصيل) والسلطوي (مخرج التوازنات السلطوية الجديدة بعد إزاحة رموز الرئيس المخلوع )، يعتبر اتجاها تفاعليا سياسيا واجتماعيا وحتى سلطويا لا يمكن التفريط فيه أو فتح الجدل عن استمرار حياته أو "موته". إنها مسألة وجودية لمستقبل الديناميكية السياسية والاجتماعية للبلاد، بعد أن خرجت من أجلها جموع الجزائريين في حراك امتزجت فيه دموع غضب وأمل كل الجزائريين، وفي كل أرجاء الوطن، وبكل اتجاهاتهم السياسية والإيديولوجية والثقافية.

لا ننكر، من منطلق التقييم، أن الحراك واجه عدة تحديات لاستمراره : فبعد تخطي تحدي السلمية، برز تحدي المحافظة على تجانس مخرجاته المطلبية وتفادي الانزلاق في الشرخ الإيديولوجي والسياسي وحتى الثقافي الجهوي، إلى جانب تحدي مقاومة حالة الإنهاك من خلال إقناع المواطن بالمزيد من التضحية في الانخراط في الحركة المطلبية للحراك والالتزام بخرجات الجمعة/الثلاثاء، وهو تحدي ليس بالسهل، بالإضافة إلى تخطي عقبة "الانتظار" التي ميزت مرحلة ما قبل وما بعد 12/12، والتي بررها أصحابها بتفادي الانزلاق في الحالات غير الدستورية بما فيها سيناريوهات الفوضى وانهيار الدولة. إنها جملة من التحديات التي واجهت مسيرة الحراك بعد مرور سنة من انطلاقه.

ولعل أكبر تحدي يقارع ديناميكية الحراك، هو تخطي مرحلة التعبير الجماهيري، والدخول والانخراط في آليات التفعيل المطلبي، لأن الاستمرار في الخرجات الميدانية، دون إعادة رسم أجندة الأهداف، ببعدها التكتيكي والاستراتيجي، لتحقيق رصيد المطالب الأصيلة في تغيير نسقية النظام، قد يدخله في حالة الإنهاك وانجراف الرصيد المطلبي، بعيدا عن التوجهات المطلبية الملموسة لبناء الدولة والمجتمع.

يرى البعض أن الحراك اخترق وفقد أسباب وجوده، ما رأيكم؟

إن في اصطلاح "الاختراق" مقاربة أخلاقية، لأن الاختراق هي عملية تفاعل طبيعية داخل إطار حراكي مفتوح. ومن ثم هذا المجال من التجاذب لن يكون جديدا في إطار الممارسة السياسية والتدافع السياسي والسلطوي وحتى الإيديولوجي، ما دام الحراك قد انتزع الشرعية السياسية للتعبير المطلبي في ساحة مفتوحة على كل الفواعل المجتمعية والسلطوية. ولذلك يجب أن نفرق بين من يتحدث عن الاختراق، تحذيرا، للمحافظة على روحه المطلبية الأصيلة وتفادي سيناريوهات الانجراف تحت هزات التجاذب والاستقطاب، ومن يطرق طبول "الاختراق" لتشتيت رصيده ومن ثم تبرير "قتل" الروح المطلبية للحراك. فالتحذير من اختراقات الروح الأصيلة للحراك التي استوعبت كل شرائح المجتمع الجزائري العميق دون استقطاب ولا تجاذب داخل "بيضة" المشترك الوطني، هو حدس إيجابي لإعادة ترتيب أوراقه وضبط أجندته المطلبية المحافظة على هذا "المشترك" الأصيل داخل ديناميكية الحراك، وعدم الانسياق وراء انحرافات التجاذب الإيديولوجي والسياسي أو الجهوي وحتى السلطوي (صراع الزمر والعصب السلطوية).

أما من يسوق –بتشديد الواو المكسورة- لفرضية التجاذب والاختراق بهدف "قتل" الحراك وتفريغه من ديناميكيته المطلبية الأصيلة، فهي جريمة في حق الانفجار التاريخي لـ"لحظة وعي" ستستمر على مدار الأجيال، ومن هنا لا يجب التعامل مع ظاهرة الحراك الشعبي بلغة الأرقام، زيادة ونقصانا، بل بالرهان على استمرار "روح" ديناميكيته المطلبية الضابطة لسلوك السلطة والنظام، الذي تعود-بتشديد الواو المفتوحة- طيلة عقود على العزف المنفرد "في غياب الجمهور/ A huit-clos ".

فإذا انطلقنا من رصيد صرخة الحراك الأصيل، وقيمه النبيلة لبناء جزائر جديدة ووضع قطيعة مع مسارات الانحراف السلطوي وانغماسه في مظاهر الاستبداد المقنع، والفساد والرداءة وتمييع دولة القانون، فإنه من المغامرة التضحية بهذه الديناميكية الشعبية في اتجاه التغيير، باعتبارها "هبة" شعبية تاريخية وفرصة أجيال متلاحمة طال انتظارها إلى حد اليأس. وتتأكد هذه "المغامرة" أكثر، إذا ما تعطلت وعود الإصلاح والتغيير التي رفعها عهد ما بعد الانتخابات الرئاسية السابقة، وانساقت بوعي أو بعجز في دوامة إعادة إنتاج النظام أو تبرير استمراره. فرصيد الحراك هو صمام أمان الدفع نحو التغيير والانتقال إلى العهد الجديد، أو ما يصطلح عليه بـ"الجمهورية الجديدة".

إن الرصيد المطلبي للحراك سيظل قائما في المطالبة بقيام نظام جديد يتجاوز مظاهر الاستبداد والفساد والرداءة السلطوية والسياسية وما ينجر عنها من مظاهر اجتماعية /اقتصادية/ثقافية بالية مساهمة في إعادة إنتاج النظام والرداءة المجتمعية. وأعتقد، بإلحاح، أنه من الخطأ تقييم الحراك–بعد سنة من اندلاعه- من زاوية التساؤل عن استمرار الزخم الشعبي في تعبيراته أو بالعكس تراجعه وتآكله. فمثل هذه المقاربة أعتبرها "خيانة" لـ"الروح المطلبية الأصيلة" للحراك التي حققت الإجماع باعتبارها(روح الحراك) تعبيرا جمعيا صادقا للشعب والمواطن عن حالة رصيد الغضب واليأس المتراكم عبر عقود من حياة النظام/ Système الذي استمر في الانحراف كلما ابتعدنا من محطة الاستقلال، وذلك سواك استمر الحراك بمخرجاته الراهنة أو توقف عن ذاك...فالشعب قال كلمته، وهو ينتظر "الرافعة" السلطوية لإحداث التغيير الجذري والحقيقي. ويبقى فقط أن يحسن الحراك تفعيل رصيده بآليات جديدة، من خلال تنويع مخرجاته، التي يجب أن تمس كل مستويات التفاعل السلطوي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي وحتى السيكولوجي الجمعي، بحيث يدفع إلى ديناميكية مجتمعية وسياسية جديدة/ Pour une Nouvelle Dynamique Politique et Societale .

هل سيكون بمقدور الحراك أن يقدم ممثلين عنه للتفاوض مع النظام القائم، بعبارة أخرى ما هو مستقبل الحراك بعد التطورات الأخيرة، على غرار انتخاب رئيس للجمهورية؟

إن استراتيجية الحراك بالاكتفاء بحركيته الجماعية غير التمثيلية، تعكس حالة التخوف من سيناريوهات "سرقة الثورات" و"الانفراد" الإيديولوجي والسياسي، وكذا الحرص على عدم رهن حركية الحراك الشعبي بالأشخاص والهياكل القيادية المعرضة لحالات الضغط والمساومة، وهي مقاربة مشروعة وقد تكون ذكية إلى حد ما، ولكن على المديين المتوسط والبعيد، تبقى هذه الديناميكية الحراكية بحاجة إلى نقلة هيكلية وتنظيمية جديدة لتفعيل المخرجات المطلبية في الميدان وعلى أرض الواقع السلطوي والسياسي والمجتمعي.

وأعتقد أن الحراك سيكسب مجالا إضافيا ومصداقية أكبر، إذا أفرز آليات إجرائية جديدة للتأثير على ديناميكية السلطة والمجتمع معا، لأن مخرجات الحراك كانت وستظل سياسية-سلطوية/اجتماعية، ويبقى من العبقرية والإبداع إدخال الحراك في ديناميكية اجتماعية جديدة، بدل التخندق في حالة انسداد حراكي-سلطوي، في حين أن مظاهر التردي المجتمعي في حالة تفاقم. ولا شك أن مظاهر التردي المجتمعي والسلطوي أو حتى حالة إعادة إنتاج الرداءة المجتمعية والسلطوية، لن تشعر بالضغط في ظل استمرار الحراك بالآليات الراهنة، المهددة بدخول حالة الروتين بل وحتى الانفجار والتخلي عن مبدأ السلمية.

إن انطلاق ديناميكية سياسية-سلطوية –اجتماعية حول "مشترك" محاربة الاستبداد والفساد والرداءة وإقامة دولة القانون، من شأنه أن يقلص مسافات التجاذب الإيديولوجي والسياسي، ويحضر المجتمع والدولة لبيئة "العيش المشترك/ Vivre Ensemble " في إطار مبادئ المواطنة...فالحراك يجب أن يخاطب السلطة والمجتمع معا، من خلال مقاربة تغييرية متكاملة ومتعددة الأبعاد، لا تكتفي بكلاسيكيات التجاذب السلطوي والسياسي العدمي، فالمسؤولية يجب أن تتحملها السلطة والمجتمع معا، كل حسب موقعه والآليات المتوفرة لديه. فكما للحقل السلطوي/السياسي ورشاته الكلاسيكية، فإن للتغيير المجتمعي ورشاته أيضا، لا مجال للتنصل منها، إن أردنا تحولا حقيقيا في الاتجاه العميق والصحيح.

ولكن يجب التأكيد على حقيقة مفادها، أن السلطة السياسية هي التي يقع على عاتقها أهمية وأولوية القرار السياسي الاستراتيجي لإحداث "ديناميكية الانطلاق" - socio-politique Starter- ،فالسلطة مطالبة بالانطلاق من إرادة سياسية حقيقية للتغيير السلطوي والمجتمعي، من خلال الدخول بجد في ديناميكية إرساء دولة القانون، بمخرجاتها السلطوية والمجتمعية، عموديا وأفقيا، فنحن بحاجة إلى تغيير حقيقي يستهدف تجاوز مظاهر الانفراد السلطوي، الفساد والرداءة . فإذا صدق المشروع السياسي/السلطوي، بكل مخرجاته الاستراتيجية والتكتيكية، سيقتنع المجتمع، بل سيضطر، للانخراط في هذه الديناميكية الوطنية الجديدة، التي يتوقف عليها نجاح كل المشاريع الانتقالية للذهاب نحو "الجمهورية الجديدة" المنع

تاريخ Feb 20, 2020