الحراك الإخباري - الإعلامية سعيدة بن عربية تغوص في "هموم للبيع"
إعلان
إعلان

الإعلامية سعيدة بن عربية تغوص في "هموم للبيع"

منذ 4 سنوات|قراءة في كتاب


صدر للإعلامية القديرة سعيدة بن عربية، أوّل مجموعة قصصية في كتاب من سبعين صفحة، عن دار الماهر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، والموسوم بـ"هموم للبيع"، تؤكّد بأنّه "هموم للبيع بالجملة في سوق البشر، تجّارها دون الناس لثقل ما يحملون، أمّا زبائنها على ندرتهم فهم من الأخيار نظرا لطيبة أخلاقهم، بينما السّعر فهو موجود مفقود بعملة غير متداولة في سوق قد لا يتحمّل عناء الوقوف أمام طاولات بيع الهموم إلاّ أصحاب القلوب الطيّبة، التي لم تمت بعد ولا زالت قلوبها تنبض حبّا وايثارا".

 الكتاب وعلى أهميته يحوي في طبعته الأولى ثلاث قصص استوحتها المؤلّفة من الواقع المعاش، كونها اشتغلت لأكثر من ثلاثين سنة صحفية في عناوين إعلاميّة، شغلت منصب رئيسة قسم المجتمع وتكوّن على يديها عديد الإعلاميين من لهم وزن اليوم في الحقل الإعلامي، حيث سمح لها مسارها الإعلامي بالتقرّب من الفئات الهشّة في مجتمعنا، من تعاني ويلات الفقر وترزخ تحت سيطرة الظّلم و"الحقرة" وغيرها كثير من المواضيع حملت توقيعها بالجرائد الوطنية، قبل أن تقرّر في تقاعدها تحويلها إلى قصص تعتزم تدوينها تباعا.

القصص مستوحاة، حسب سعيدة بن عربية، في مجملها من الواقع، لشريحة من الناس تعيش بيننا، تحاول الخروج من النفق المظلم من دائرة الهموم التي التفّت حول رقابها، تصرخ في صمت في مجتمع لم يعد يعترف بالضّعفاء، ليصبح الرّحيل الأبدي عندهم أرحم من البقاء في دائرة الظلّ ليتقمّص هؤلاء، مجبرين لا مخيّرين، دور المعذّبين في الأرض.

وتختصر سعيدة بن عربية مضمون إصدارها الجديد في كونه "هموم للبيع في غابة استباح فيها القويّ لحم الضّعيف، فلم تعد لصلة الدّم والرّحم أيّ اعتبار"، مضيفة بحسرة "ماتت كلّ معاني الإنسانية، فظلّ الألم والأمل يصارعان جنبا إلى جنب من أجل الظّفر بمكان تحت الشّمس يخلو من الهموم" وهو ما يلخّص فحوى القصص التي حاكت فصولها لتبلور في آخرها عبرة وحكمة يستخلصها القارئ بين سلاسة لغة الكاتبة وسهولة وبساطة معانيها، وما ترمي إليه من خلال صياغتها لحكايات حقيقية مستقاة من عمق المجتمع.


لمن تشرق الشّمس؟


تطرّقت المؤلّفة في أوّل قصّة افتتحت بها مجموعتها القصصية، إلى حكاية عائلة الطفلة "لينا" التي تقطن ببيت قصديري، مات معيلها الذي كان الأب العامل في بيع الخردوات من السّمسرة، فغاب عنها السّند في مجتمع لم يرحمها، غاب عنها "كلّ الحبّ والحنان" وبدى الكوخ "باردا" بعد وفاة رجل الكوخ، لتبدأ الكاتبة فصول القصّة من لحظة غياب السّند الأسري، بدءا من الانسحاب التّدريجي للجارات الواحدة تلوى الأخرى، بل وجهرهن بالتنصّل من تقديم يد العون لـ"لينا" وعائلتها بقولهنّ "ابكي ابكي يالينا فوالدك قد مات ولا عمّ ولا خال سيعوّضه..ابكي يا بنيتي فساس الدّار قد تهدّم فوق رؤوسكم..".

هي ثلاثين صفحة من المجموعة القصصية »هموم للبيع«، سردت فيها الكاتبة فصول حكاية لينا وعائلتها المتكوّنة من والدتها فتيحة وشقيقيها رشيد ومحمّد، مع العوز والفاقة، بدءا من فضّ الجميع من حولهم وغياب مساعداتهم وكلامهم الجميل، مرورا برحلة بحث الأمّ عن مصدر للرزق الحلال لضمان على الأقلّ عدم الموت وصغارها جوعا، ولتدريسهم تحقيقا لحلم والدهم في تحصيلهم شهادات جامعيّة، وأمل واحد يحدوها كان ملاذها في منح جرعة صبر لأبنائها، يقينها بأنّ" اللي اخلق ما يضيّع".

مقصلة أبي

القصّة الثانية التي ساقتها الكاتبة سعيدة بن عربية، عنوانها "مقصلة أبي"، روت فيها فصول أخرى لمعاناة يندى لها الجبين، تتعلّق بالتلميذة النجيبة »آية« ابنة التاسعة، التي حبكت قصتها بطريقة جدّ مشوّقة جعلت القارئ يتدرّج في أفكارها متلهّفا لمعرفة ما حدث لآية التي خيّم عليها الحزن ولم تفلح في البداية أمّها ثمّ معلّمتها في معرفة سرّه رغم إلحاحهما وملاحظته جليا يظهر على وجهها وتصرّفاتها التي بدت، على غير عادتها، غير عاديّة ويشوبها الكثير من الغموض غير المبرّر.

آية ورغم صغر سنّها لم تتردّد في طرح عديد الأسئلة من حولها، على غرار لماذا لم أولد ذكرا لأنعم بالخروج للّعب في الشارع على غرار شقيقي يونس الذي" يسمح له بكلّ شيء، بينما نحرم نحن الثلاثة من أيّ شيء"؟، ولم تجد له جوابا عند شقيقتها ذات الـ12 سنة التي زادت من همّها وغمّها بالتأكيد لها بأنّها لا زالت صغيرة بينما تعتبر نفسها وشقيقتها الأخرى»في عداد الموتى الأحياء«، كما لم تجد له ردّا من والدتهم التي تتحاشى تفسير وضعهنّ خوفا من أن يطال سمع والدهنّ فيتذمّر.



هموم للبيع

بطلة القصّة الثالثة التي ساقتها المؤلّفة سعيدة بن عربية في مجموعتها القصصية، اسمها سميرة، صاحبة الحياة البائسة، معاناتها مع العدالة ومع النّاس لم تتوقّف، فقرار القاضي بيع بيت والدها، بعد وفاته، في المزاد العلني، لم يبال بوضعها الاجتماعي، هي التي لم تشبع من حنان الأمّ حيث تزوّج والدها من "أفعى" وهي لم تتجاوز الرابعة من العمر، وحصّتها لن تكفيها حتى لكراء بيت في منطقة نائية لسنة واحدة، لتقاسم ابن أخيها منير الذي ربّته، همومها في محاولة لإيجاد حلّ يقيها افتراش الكارطون بمعيّته في زاوية بالشّارع.


قصّة سميرة مرّت بثلاث مراحل، قبل وفاة والدتها، بعد زواج والدها، وبعد وفاته، أقرب المقرّبين لسميرة قرّروا إعدامها شنقا، هي التي لطالما سمعت والدها الذي كان يحنّ عليها، يوصي قبيل وفاته الأقارب بها خيرا، وكانوا يعدونه بذلك، لكن سرعان ما تبخّرت وصيّة الميّت، فلم تجد حنانا في زوجة الأب المتعجرفة التي استولت على البيت بأكمله، ودفعتها إلى التغيّب التدرجي عن المدرسة، ثمّ مقاطعتها لتساعدها في أعمال البيت ورعاية أولادها، بينما اختار قسرا أخويها التواجد في الشارع هروبا من بطش "الصعلوكة".

سمية.م

تاريخ Oct 7, 2019