الحراك الإخباري - اتجاهات حرب الوقود في مالي:"الأفغنة والسرينة" واحتمالات "الأكرنة" ونموذج "ناغورني كارباخ"
إعلان
إعلانات الصفقات العمومية - ANEP
إعلان

اتجاهات حرب الوقود في مالي:"الأفغنة والسرينة" واحتمالات "الأكرنة" ونموذج "ناغورني كارباخ"

منذ 3 ساعات|رأي من الحراك

د.محمد عبد الستار

14 نوفمبر 2025


إن وضعا متفجرا يسود على حدود الجزائر، ينبغي مراقبته ودراسته وإعداد كل السيناريوهات لمواجهته.

وقد أوضحت في مقال سابق، المزيج البلقاني الذي يتحكم في الوضع الميداني بدولة مالي: الإرهاب والعسكر والذهب والصراع الدولي. وسأشرح فيما يلي السيناريوهات المتوقعة لحرب الوقود. وقبل ذلك نعرج على توصيف بسيط للجماعة التي تفرض حصارها على باماكو وهي جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين."

نصرة الإسلام والمسلمين: النشأة والتوسع، التكتيك والتمويل

سلطت التقارير الإعلامية العالمية مؤخرا الضوء على جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، فهي فرع في تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، تأسست في مارس 2017 نتيجة تحالف بين 4 فصائل مسلحة متمركزة في مالي هي: "أنصار الدين" و"كتيبة ماسينا" و"المرابطون" و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي." وتصنفها الولايات المتحدة منذ عام 2018 جماعة إرهابية.

وتعتبر جماعة "أنصار الدين" أكبر التنظيمات المسلحة في إقليم أزواد، تسعى للحصول على حكم ذاتي موسع للإقليم تحت سيادة مالي، تأسست في ديسمبر 2011، بزعامة إياد آغ غالي (الزعيم الحالي لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، بينما برزت "كتائب ماسينا" لأول مرة عام 2015، عندما أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات في وسط وجنوب مالي، وهي حركة مسلحة قومية تدافع عن مظلومية قبيلة "الفلان" في وسط مالي ودول غرب إفريقيا. في حين نشأ تنظيم "المرابطون" شهر أوت 2013 نتيجة تحالف جماعة "الملثمون" لمختار بلمختار، و"حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا" لأحمد التلمسي. أما تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي فنشأ عام 2006 وهو في الأصل امتداد للجماعة السلفية للدعوة والقتال التي نشأت في الجزائر من رحم الجماعة الإسلامية المسلحة، وتزعمها في البداية عبد الملك درودكال.

ويتزعم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" إياد أغ غالي، وهو شخصية طارقية نافذة من شمال مالي، وفي يونيو 2024 أصدرت الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق إياد أغ غالي بتهمة ارتكاب جرائم في تمبكتو بين عامي 2012 و2013.

تحصي "نصرة الإسلام والمسلمين" -حسب تقارير إعلامية عديدة، بين خمسة آلاف وستة آلاف مقاتل. لذلك تُعد أقوى تنظيم مسلح في مالي، ثم بدأت تنشط في بوركينا فاسو، والنيجر، ومنذ عام 2022 توسعت نحو دولة بنين حيث تبنت في أفريل 2025 مقتل 54 جنديا فيها، ووصل نشاطها إلى توغو وكوت ديفوار، قبل أن تنفذ أول هجوم لها بنيجيريا بتاريخ 28 أكتوبر 2025.

وتعتمد جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، بحسب تقارير إعلامية عديدة، تكتيكات متنوعة، وتستخدم الطائرات المسيّرة الصغيرة وحتى الإنترنت الفضائي حيث أشارت تقارير إعلامية (أفريكا روبورت) إلى ضبط طائرات مسيّرة وأجهزة اتصال فضائي بحوزة وحدات تابعة لها، مما يعكس تطورا في قدراتها الميدانية، وأخيرا ابتكرت تاكتيك فرض حصار على الوقود.

ومن حيث التمويل تعتمد "نصرة الإسلام والمسلمين" مصادر تمويل متعددة منها اقتطاع حصص من أنشطة استخراج الذهب حيث تسيطر النصرة، حسب تقارير إعلامية، على ما يقارب 80 بالمئة من إنتاج الذهب في منطقة كايس بمالي، وكذلك عن طريق الفدية مقابل الرهائن، فبين ماي ونوفمبر 2025 قامت الجماعة بسلسة من عمليات الاختطاف في مالي، منهم 3 مصريين وطلبت فدية 5 ملايين دولار، وخمسة هنود وأربعة صينيين وإيراني واحد، وإماراتيين إثنين، تم افتدائهما حسب تقارير إعلامية بـ 50 مليون دولار.

وبدون أدنى شك، هناك جماعات إرهابية أخرى تنشط في مالي، على غرار داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) فضلا عن الحركات المسلحة الأخرى في الشمال على غرار الأزواد. ما يعني أن العناصر المسلحة في مالي لا تقل عن 50 ألف مسلح، وقد تنضم لحصار باماكو أيضا تحسبا لاقتسام المغانم في حال سقوط النظام العسكري الحاكم، الأمر الذي يصعب المأمورية على الجيش المالي وتحالف دول الساحل وحتى الفيلق الإفريقي الروسي.

سيناريوهات الأزمة: إمكانية "الأفغنة والسرينة" واحتمالات "الأكرنة"

بناء على التوصيف السابق، والمقال السابق بعنوان: "صراع الإرهاب والعسكر والذهب والنفوذ الأجنبي في مالي"، يمكن رسم سيناريوهات عديدة للأزمة، لكن أكثرها احتمالا هي سقوط نظام العسكر في مالي بعد 6 سنوات من الحكم في مالي.

1 -التفاوض من أجل استمرار النظام العسكري:

يمكن القول أن النظام العسكري الحاكم حاليا لازال أممه خيار منقذ، إنه "التفاوض" مع جماعة النصرة، للحصول على هدنة على الأقل. غير أن التفاوض سيضفي الشرعية على جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، بيد أن الجنرال أسيمي غويتا بنى شرعيته على محاربة الإرهاب، ثم إن التفاوض سيجعله في مواجهة مع الغرب الذي يصنف "نصرة الإسلام والمسلمين" جماعة إرهابية. وعلى ذلك يمكن القول أن احتمال التفاوض شبه مستبعد لكنه وارد. شبه مستبعد لأن التفاوض قد يعني استمرار النظام العسكري الحاكم، في حين ترغب العديد من الدول في سقوطه، سواء في إفريقيا أو أوروبا.

2–استهداف النصرة من طرف روسيا وتركيا:

ولأن روسيا قد وضعت قدما في مالي والنيجر وبوركينافاسو عسكريا واقتصاديا، على حساب فرنسا تحديدا والولايات المتحدة، فإنه من الصعب أن تسمح بزعزعة هذه المكانة بسهولة، كما حدث في سوريا بسقوط نظام الأسد.

لذلك ليس مستبعدا أيضا أن تقوم الدول التي لديها مصالح مع النظام العسكري القائم في باماكو بالتدخل بقوة عسكرية لتحييد جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على غرار روسيا وتركيا والصين. وهذا احتمال ضعيف لكنه وارد. وقد حدث مثل هذا التدخل في سوريا من طرف روسيا، وفي الحرب ين أذربيجان وأرمينيا في ناغورنو كاراباخ من طرف تركيا عام 2020 وكذلك في تدخل تركيا في ليبيا دعما لجماعة طرابلس.

ولأن الدول الغربية لا تسعى لمواجهة مباشرة مع روسيا في إفريقيا لانشغالها بأوكرانيا، لم يعد مستبعدا أن تعمل الدول الغربية على "أكرنة مالي" أي تحويلها إلى "أوكرانيا" ثانية في منطقة الساحل الإفريقي، حتى تشتت الجهد العسكري الروسي وإضعافه في حربه ضد أوكرانيا.

ولذلك يعتبر خيار التدخل الروسي والتركي ضد جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" شبه مستحيل، لأن روسيا مركزة على أوكرانيا، وأحيانا قامت باستدعاء جنودا من فاغنر للقتال في أوكرانيا، ما يعني أن مالي جبهة ثانوية وليست أولوية لموسكو.

3 – تدخل عسكري من قبل تحالف دول الساحل:

تحالف دول الساحل هو تكتل إقليمي أنشأته المجالس العسكرية الحاكمة لدولة مالي ودولة بوركينا فاسو ودولة النيجر بتاريخ 6 يوليو 2024، كامتداد لاتفاق الدفاع المشترك الموقع يوم 16 سبتمبر 2023.

لذلك يعتبر حصار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لباماكو، اختبارا حقيقية لتحالف دول الساحل. فإما أن تتدخل لدعم النظام العسكري الحاكم وتقضي على الجماعة أو توقع على نهاية التحالف.

ونظرا لضعف هذه الدول عسكريا، وتحسبا من حصار عواصمها من طرف جماعات مسلحة ناشطة على ترابها، فإن هذا الخيار يبقى وارد نسبيا، ومستبعد بنسبة كبيرة للغاية.

4 -سقوط النظام العسكري:

تقول التقارير الميدانية الواردة من مالي، أن "الدولة المالية لم تعد تسيطر على أي شيء على أراضيها وتركز قواتها حول باماكو لتأمين النظام، وبدأ تأييد السكان يتآكل في مواجهة عجز النظام العسكري عن الوفاء بوعده بتوفير الأمن". لذلك يجري ترجيح سقوط "النظام العسكري الحاكم" ولهذا السيناريو ثلاثة احتمالات هي:

أ-انقلاب عسكري من طرف جماعة عسكرية أخرى، أو بفبركة انقلاب عسكري، ينهي حكم غويتا، ويفتح صفحة جديدة بالحوار السياسي مع الأحزاب وحتى الجماعات المسلحة، والعودة لاتفاق المصالحة الموقع في الجزائر عام 2025.

ب – حكومة في المهجر على غرار ما حدث في بداية الثورة السورية، بإنشاء المجلس الإنتقالي السوري الذي ترأسه برهان غليون، لتكون ناطقا باسم الشعب المالي وتسعى لكسب الإعتراف الدولي لحصار النظام العسكري القائم، وإحكام الحصار عليه إلى غاية السقوط.

ج – سقوط مدو لحكم العسكر على غرار ما حدث في سوريا 2024 وليبيا 2011. وفي هذه الحال ستتسلم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الحكم، وإن كان هذا الإحتمال يبدو ضعيفا، لكن لا يمكن استبعاده.

ذلك أن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"-حسب الكثير من المراقبين-لا تسعى إلى دخول باماكو، والوصول إلى الحكم، بل تسعى لعقاب النظام العسكري الحاكم الذي أراد أن يعاقبها بقرار يمنعها من الحصول على الوقود، وجره لحرب استنزاف طويلة قد تؤدي لانهياره.

لكن كثيرا من المحللين، لا يستبعدون أن تعيد مالي استنساخ النموذجي الأفغاني أو السوري، بمعنى "أفغنة الأزمة" و"سرينتها"، حيث تمكنت حركة طالبان التي طالما صنفت جماعة إرهابية من طرف الغرب من الوصول إلى الحكم بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 31 أغسطس 2021، كما تمكن أحمد الشرع الذي طالما صنف إرهابي من الوصول إلى حكم سوريا بعد سقوط نظام الأسد شهر ديسمبر 2024 وتم استقباله يوم 10 نوفمبر 2025 كبطل في البيت الأبيض من طرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

فما الذي يمنع من تكرار هذين النموذجين مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين؟ فيصبح إياد آغ غالي رئيسا للدولة وهو الذي كانت له تجربة دبلوماسية حيث شغل منصب القنصل العام لمالي في السعودية؟ قبل تأسيس تنظيم "أنصار الدين".

4 – انتشار الفوضى لدول غرب إفريقيا بأكملها، إذا استمر حصار الوقود على باماكو، وقد تمس الحكم العسكري في النيجر وبوركينافاسو كما حدث تماما بين 2020 و2023 طبقا لنظرية أحجار الدومينو، لذلك إذا نجحت حرب الوقود في مالي، قد يتم استنساخها في النيجر وبوركينافاسو.

5 – العودة لاتفاق الجزائر للسلم والمصالحة الموقع بالجزائر عام 2015 من خلال تدخل الاتحاد الإفريقي أو بعض الدول على غرار روسيا أو دول الإيكواس. ويبدو أن هذا هو الخيار الأفضل لكل الأطراف.

وفي المحصلة، يمكن القول أن وضعا متفجرا على حدود الجزائر، ينبغي مراقبته ودراسته وإعداد كل السيناريوهات لمواجهته.

تاريخ Nov 14, 2025