الحراك الإخباري - كتاب للباحث الإستراتيجي ريتز إرليخ يرصد: أخطاء السياسة الأميركية تجاه إيران
إعلان
إعلان

كتاب للباحث الإستراتيجي ريتز إرليخ يرصد: أخطاء السياسة الأميركية تجاه إيران

منذ 4 سنوات|قراءة في كتاب


صدر مؤخرا كتاب "أجندة إيران اليوم: الرواية الحقيقية من داخل إيران والخطأ الذي حصل في السياسة الأميركية"، للباحث الأميركي الإستراتيجي المتخصص ريتز إرليخ، عن الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت، وتولّى الترجمة إلى العربية رامي الريس.

 ويخرق إرليخ من خلاله عمله الجديد عقوداً من المعلومات الخاطئة والتقارير المنحازة عن إيران لتقديم معلومات مخفية عن العموم في السنوات الخمسين الماضية.

ويؤكد المؤلف بأن معظم الوكالات الاستخباراتية الأميركية متفقة على أنّ إيران لم تكن تمتلك برنامجاً نووياً قبل العام 2003، ويكشف أيضاً لماذا تستمر واشنطن رغم ذلك بسياسة المبارزة ويقدم انتقاداً مفصلاً للتغطية الاعلامية عن إيران.



وتستند تحليلات الكاتب في كتابه إلى مقابلات سابقة مع مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، بالإضافة إلى مذكراته عن رحلته إلى طهران مع الممثل شون بن.

كما يستكشف الصحافي الأميركي العلاقة المضطربة في الآونة الأخيرة بين أميركا وإيران، ويظهر كيف أدت إلى المواجهة في مجال التكنولوجيا النووية.

وقد قدم للكتاب باحثان أميركيان هما ويليام بيمان وروبرت فيشر، حيث سيدرك القارئ أن التقديمين لا يقلان قيمة عن كتاب إرليخ نفسه، ولكن سنكتفي بالتقديم الأول.

ويعد وليام بيمان من أهم الدبلوماسيين الأميركيين الذين عملوا في وزارة الخارجية الأميركية في الملف الإيراني، حيث عمل لأكثر من أربعين عاماً في دراسة إيران ومنطقة الخليج فضلاً عن أنه من القلة الذين يتقنون اللغة الفارسية. وقد اشتهر برأيه الواقعي في تركيبة العلاقات الأميركية - الإيرانية وكل العوائق التي تقف في وجه تطوير هذه العلاقة.

ويرجع بيمان الأسباب التي أدت إلى تقييم جاهل وغير دقيق للحياة الإجتماعية والسياسية الإيرانية وأوصل الأميركيين إلى اتخاذ قرارات ضعيفة إلى أنه في السابق نمت مجموعة من الخبراء الذين يتحدثون الفارسية بطلاقة ويملكون المهارة في فك الشيفرة بعد الحرب العالمية الأولى، وكان هو من هؤلاء، وقد عمل في إيران كخبير لغوي وأنثروبولوجي منذ سنة 1968. ولكن بعد الثورة الإسلامية، راحت هذه المجموعة من الخبراء تتضاءل، واليوم بلغ خبراء ما قبل الثورة سن التقاعد أو أنهم على وشك بلوغها ويحل محلهم مجموعة صغيرة من الخبراء الشباب، ما قلّص الفهم الدقيق لإيران في الدوائر الحكومية الأميركية.



ويعتبر الباحث بيمان أن إرليخ يقود القراء في رحلة عميقة إلى واحد من أكثر الأوطان سحراً في الكرة الأرضية. ويؤكد أن الكتاب صادق حقاً، على عكس الكثير مما كتب عن إيران في السنوات الأخيرة. ويخرق إرليخ عقوداً من المعلومات الخاطئة والتقارير المنحازة عن إيران لتقديم معلومات مخفية عن العموم في السنوات الخمسين الماضية.

ويعتقد بيمان أن هذا الكتاب يشكل إنجازاً ليس وليد مغامرة إخبارية متسرعة أُسقطت "كالباراشوت" بل هي نتيجة عشر رحلات مكثفة إلى إبران على مدى 16 عاماً أجرى خلالها إرليخ المئات من المقابلات مع إيرانيين وتنقل في مختلف أنحاء البلاد مراقباً المتغيرات في أربع ولايات رئاسية متتالية.

ويتابع بيمان، بالنسبة لغير الإيرانيين – ولا سيما لأصحاب الاختصاص في المعلومات الدولية – يتطلب فهم هذه البنية الإجتماعية والسياسية الإيرانية الكثير من المعرفة المعمقة. فهذه المعرفة غائبة تماماً في الولايات المتحدة في يومنا هذا، وسبب ذلك يكمن في تاريخ العلاقات الأميركية – الإيرانية خلال نصف قرن.

ويعتبر أن صورة إيران في العقود الأخيرة تضررت في نظر الدول الأوروبية وأميركا، فالثورة الإسلامية حولت علاقة إيران مع الولايات المتحدة وأوروبا. فبعد أن كان قادة إيران متوافقين ومتعاونين مع القوى الغربية بعد الثورة الصناعية في الغرب، فجأة مع الثورة الإسلامية صاروا يعتبرون أنهم معادون بشكل راديكالي للغرب. ونظر الأميركيون في طهران إلى التظاهرات المعادية لأميركا التي أدت إلى احتجاز موظفي السفارة الأميركية في طهران لمدة 444 يوماً سنة 1979 كإهانة بالغة يصعب تجاوزها. ولقد قطعت الولايات المتحدة علاقاتها الديبلوماسية مع إيران جراء هذه الحادثة، ولا تزال الأمور على حالها منذ أربعين عاماً.

ولذلك تتم تحركات الإدارات الأميركية، حسب المؤلف، على قاعدة الإنحياز وليس وفق المعلومات الدقيقة. لقد كانوا شديدي السلبية تجاه إيران في حقبة ما بعد الثورة إلى درجة أن المسؤولين الأميركيين، ولسنوات عديدة، مُنعوا من إلقاء التحية على المسؤولين الإيرانيين عموماً.

ويشير إرليخ في كتابه إلى أن الإعلام الأميركي المكتوب والمرئي والمسموع اتبع خطى المسؤولين الأميركيين في تقاريره. وقد خصص فصلاً من كتابه (الفصل الحادي عشر: "ما لم يقله الإعلام الأميركي لكم") للحديث عن التقارير والتعليقات الإعلامية المشوهة وغير الدقيقة عن إيران منذ سنة 1978.

الأميركيون العاديون مُنعوا بدورهم من التواصل وجهاً لوجه مع المواطنين الإيرانيين. فهم لا يتواجهون معهم أو يملكون خبرة عن الحياة العصرية الإيرانية، لا بل هم مثقلون بالرؤى القديمة والغريبة أحياناً عن الشعب الإيراني وطريقة حياته. ومع أن بإمكان الأميركيين السفر إلى إيران بسهولة نسبية، ولكن معظمهم يظنون أنهم لا يستطيعون القيام بذلك. أما الذين يقومون بذلك فلا يستوعبون التجربة بسهولة، ويعودون إلى وطنهم الأم حاملين معهم المفاجأة والغبطة من وسائل الراحة في السفر والدفء وحسن الضيافة عند الإيرانيين، بالإضافة إلى عجائب المواقع التي زاروها. كما يكتشفون أن إيران مليئة بالزائرين من مختلف الدول حول الأرض وأنهم يعودون إليها بفرح.

يقول بيمان: "لأن تجربتنا الأميركية مع إيران وصلت إلى هذه الدرجة من البُعد، فكتاب "أجندة إيران اليوم" يشبع رغبة الأميركيين الذين يتعطشون للمعرفة الدقيقة".

ومع أن كتاب إرليخ يركز على إيران والمواطنين الإيرانيين، إلا أنه يشمل مقابلات مع عدد كبير من المعلقين بمن فيهم من ينتقدون ويشككون لا سيما فيما يتعلق ببرنامج تطوير الطاقة النووية الإيرانية. وطالما أن برنامج إيران النووي شكّل حيزاً خلافياً كبيراً في علاقات إيران مع الولايات المتحدة وسائر دول العالم، فإن هذه الرؤية ضرورية جداً للقراء الذين يرغبون بالحصول على مقاربة متوازنة حول اتفاق إيران النووي لعام 2015 الذي لا يزال عاملاً أساسياً في السياسة الدولية.

ويتمنى بيمان أن يدفع الكتاب القراء لتفحص المواقف الحكومية والإعلامية حول إيران – في الإعلام الغربي والإعلام الإيراني على حد سواء – بدقة وتمعن. ويرى أن وطناً وحضارة بهذا القدر من الثراء والتعقيد يستحقان اهتماماً خاصاً.

تاريخ Mar 24, 2020