الحراك الإخباري - جديد الأكاديمي والمفكر الفلسطيني وائل حلاق: الأخلاق والإنسان الجديد في فكر طه عبد الرحمن
إعلان
إعلان

جديد الأكاديمي والمفكر الفلسطيني وائل حلاق: الأخلاق والإنسان الجديد في فكر طه عبد الرحمن

منذ 4 سنوات|قراءة في كتاب

صدر مؤخرا عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر كتاب البروفيسور وائل حلاق بعنوان "إصلاح الحداثة: الأخلاق والإنسان الجديد في فكر طه عبد الرحمن"، وتولى ترجمته إلى العربية الدكتور عمرو عثمان، مترجم كتاب "الدولة المستحيلة" و كتاب "قصور الاستشراف" سابقا.
وقال البروفيسور وائل حلاق في مقدمة الكتاب إنه يركز بصفة خاصة على هذه القضية "الأخلاق"، إذ يخيطها عبد الرحمن في نسيج اشتباكه الخطابي مع المشكلات المركزية التي ترزح تحتها الحداثةُ في "الغرب" و"البلاد الإسلامية" (بحسب إشارة عبد الرحمن) على السواء، وبالنظر إلى الغرب وبلاد الإسلام لا باعتبارها دالّات جغرافية، وإنما تشكلات معرفية من الدرجة الأولى. فالكتابة عن أي شيء مركزي يعني أيضا عدم الكتابة عن أشياء أخرى كثيرة قد يكون بعضها مهما ولكن تلزم إزاحته إلى الهامش.
وبناء عليه، لا يمكنني الادعاء، يضيف وائل حلاق، أن هذا الكتاب يحوط بكل أبعاد مشروع عبد الرحمن الضخم أو حتى بأغلب تلك الأبعاد، إلا أنني آمل أن ما أناقشه فيه يكشف عن "الأعصاب المركزية" التي يعمل نظام فكره من خلالها.
بعبارة أخرى، يتناول هذا الكتاب – في تبرير الكتابة عن مفكر عميق ما زال حيا نشطا – الخلايا الحيوية التي تجعل مشروع عبد الرحمن ما هو، والتي إن غيرنا تكوينها الداخلي يصير ذلك المشروع مختلفا اختلافا جوهريا عما نعرفه عنه الآن، على حد تعبيره.
 يعنى هذا أيضا أنه مع تواصل مشروع عبد الرحمن، فإن لدينا بالفعل نسيج فكري ضخم يمكن التعرف عليه بوصفه إسهاما متميزا في الأخلاق جدير بأن يجذب انتباهنا وبأن يكون مادة لبحثنا، والكلام دومًا للمؤلف.

كما يجدر بي، يتابع حلاق، أن أوضح في بداية هذا الكتاب أن النمط المدهش لطه عبد الرحمن المفكر لم يكن السبب الوحيد الذي استرعى انتباهي له. بل هناك سبب آخر، ألا وهو أن مشروع عبد الرحمن يرتبط بالقضايا نفسها التي استولت على اهتمامي خلال العقديْن الماضييْن. وتُظهر خاتمة هذا الكتاب بوضوح المشترك بين مشروعيْنا، وهي نقطة يجب أن تظل حاضرة أثناء قراءة هذا الكتاب وفهمه.
وأردف المؤلف "آمل أن أي نقد أقدمه في معرض مناقشة كتابات عبد الرحمن وسبر أغوارها هو نقد عادل وصادق لأسس مشروعه المركزية والتي أحسبها – في مجملها – سليمة ومتماسكة. يلزم عن هذا أيضا أنه في معرض نقد كتابات عبد الرحمن، فإنني أستمر في تأملاتي الشخصية التي بدأتها في كتابي الشريعة: النظرية، الممارسة، والتحولات (2009)، ثم استأنفتها في كتاب الدولة المستحيلة (2013)، ومن ثم كتاب قصور الاستشراق (2018)".

من جهة أخرى، يُعَدُّ طه عبد الرحمن من أبرز الفلاسفة الذين أفرزهم عالم الإسلام حيث تغطي مؤلفاته مجالاتٍ واسعة تتناول موضوعات ترتبط باللغويات والمنطق والوجود والعقل والتواضع والعنف والمادية والعقيدة والجدل والحوار، بل وفلسفة اللباس. بيد أنه على الرغم من اتساع اهتماماته، فإن الخيط الذي يربط كلَّ أطراف فلسفته هو الخيط الأخلاقي. ويظلُّ مشروع عبد الرحمن – في كل أبعاده ووجهاته المتنوِّعة – منتميًا إلى ما يطلق عليه بصفةٍ عامَّة: "فلسفة الأخلاق".
في كتابه الجديد، يؤكد الأكاديمي والمفكر الفلسطيني وائل حلاق أن المفكر المغربي طه عبد الرحمن يمثل صياغة لتقاليد فلسفية جديدة غير غربية ولا تتمحور حول الغرب، ويستكشف أن مشروعه الفلسفي يلقي الضوء على التيارات الفكرية الحديثة في العالم الإسلامي، ويطرح نقدا هائلا للحداثتين الغربية والإسلامية.

ويجادل حلاق في "إصلاح الحداثة.. الأخلاق والإنسان الجديد في فكر طه عبد الرحمن" (مطبعة جامعة كولومبيا) بأن مشروع المفكر المغربي ينطلق من الأسس المعرفية التي عبر بها معظم المثقفين المسلمين المعاصرين عن مشاريعهم الفكرية، لكنه يرفض بشكل منهجي أنماط التفكير التي هيمنت على المشهد الفكري الإسلامي منذ بداية القرن العشرين، بما فيها "القومية والماركسية والعلمانية والإسلام السياسي والليبرالية".

وبدلا عن ذلك، يقدم طه عبد الرحمن طرقا بديلة للتفكير -بحسب حلاق- ويطور نظاما أخلاقيا قويا بهدف إصلاح الحداثة الحالية.

ويحلل حلاق النظام الأخلاقي الذي يبنيه طه في جدل مع "الأسئلة المركزية التي ابتليت بها الحداثة في كل من الغرب والعالم الإسلامي"، كما يشتمل كتاب حلاق على آراء نقدية ومحاولة تبسيط لفكر طه وتقديمه إلى القراء الغربيين بالأساس، في محاولة للإجابة عن المشكلات الهائلة للحداثة الغربية.

ووصف حلاق الفيلسوف المغربي بأنه عالم جمع علوم اللغة مع التقاليد الفكرية الإسلامية والتراثية إلى جانب المتابعة الذكية للمخرجات الفكرية الأوروبية والأميركية، معتبرا أن الخط الذي يمتد عبر كامل نسيجه الفلسفي هو الخيط الأخلاقي في جميع أبعاده واتجاهاته المتنوعة.

 ويرى حلاق أن مشروع طه عبد الرحمن الفكري هو أقوى شهادة على أن الأخلاق هي المجال المركزي للإسلام، ويعتبر أن مفهومه الجديد عن الإنسان العقلاني والروحي يعد نوعا من الترياق لمرض الحداثة في الزمن المعاصر، وينتج إنسانا مختلفا أخلاقيا في جوهره.

ويغوص كتاب حلاق الجديد في المفاهيم التي تشكل نظام طه عبد الرحمن المعرفي، ومنها القيم المعنوية والروحية، مثل حب الله والخوف من فقدان حبه، ويعول على مفهومه الجديد عن الإنسان المستمد من المفهوم الإسلامي للحياة لتغيير وعي الإنسان وسلوكه تجاه الموجودات.

في المقابل، يحذر طه عبد الرحمن -وفق كتاب حلاق- من "الغطرسة الوجودية الحديثة" مركزا على قيم التواضع والامتنان المترابطة، ويتناول مسألة السيادة وحب السيطرة، مؤكدا على أن الإنسان يجب أن يؤمن بالمبادئ العليا الأبدية التي أنشأها خالق الكون بأسره والتي -مثلها مثل القوانين الفيزيائية كالجاذبية- لا يمكن تغييرها أو تجنبها دون عواقب مدمرة.

ويشدد طه عبد الرحمن على الجمع بين الأخلاق والدين كأصل الأصول في مشروعه الفلسفي الأخلاقي، منتقدا "الحداثيين العرب" الذين يجيزون لأنفسهم انتقاد الديني بواسطة ما هو لا ديني، متسائلا "لم لا يجوز عند سواهم أن ينتقدوا اللاديني بواسطة ما هو ديني؟" ومستنكرا "لم لا يقبلون انتقاد الحداثة العلمانية بواسطة الأخلاق الإسلامية؟!".

تاريخ Apr 1, 2020