كشفت وزارة العدل، في تقريرها لسنة 2025 حول
التقييم القطاعي، لهيئة التوثيق الخاص بمخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، عن حصيلة التحقيقات والمتابعات الجزائية المسجلة بخصوص العقود التوثيقية، خلال الفترة الممتدة بين 2020 و 2024، حيث بلغت في مجملها 78 تحقيقاً أسفر عن 65 متابعة قضائية، نتجت عنها 59 إدانة.
وجاءت جرائم التزوير واستعمال المزور ، في صدارة القضايا المعالجة، حيث تم تسجيل 40 تحقيقا و36 متابعة قضائية، انتهت بـ 32 إدانة، وهو ما يمثل النسبة الأكبر من مجمل القضايا، أي أكثر من النصفه.
أما جريمة إساءة استغلال الوظيفة، فقد شكلت المحور الثاني من القضايا، إذ تم فتح 15 تحقيقا، تلتها تسع متابعات قضائية، انتهت بـ تسع إدانات.
في حين تم تسجيل 8 تحقيقات تخص جرائم النصب والمشاركة فيها، منها 6 متابعات قضائية و5 إدانات، اضافة الى خمس قضايا ، تتعلق بـإصدار شيك بدون رصيد، أحيلت كلها على القضاء وأسفرت عن اربع إدانات.
أما جرائم تبديد أموال عمومية، فقد تم تسجيل خمسة تحقيقات، منها اربع متابعات قضائية، صدرت بشأنها اربع إدانات.
وفيما يتعلق بجرائم تبييض الأموال، سجلت خمسة تحقيقات، منها ست متابعات قضائية، شملت ملفات سابقة مدمجة، وانتهت بـ خمس إدانات.
وأكدت وزارة العدل في تقريرها أن هذه الأرقام تعكس جهود السلطات القضائية، في مكافحة مختلف الجرائم المرتبطة بالعقود التوثيقية، لاسيما ما يتعلق بالتزوير واستعمال المزوّر الذي استحوذ وحده على 56 بالمائة، من إجمالي القضايا، متبوعاً بإساءة استغلال الوظيفة بـ 14 بالمائة، ثم النصب والمشاركة فيه، وإصدار شيك بدون رصيد، وتبديد أموال عمومية وتبييض الأموال بنسبة 9بالمائة لكل منها.
قطاع التوثيق بيئة جذابة لتبييض الأموال
وبعد سلسلة من الاجتماعات، لأعضاء فرق العمل دامت ثلاثة أشهر ، واستغلال الاحصائيات والاستبيانات، والعمل بوسائل البنك العالمي، لتقييم مخاطر تبييض الأموال، حسب المنهجية القائمة على تقييم التهديدات ونقاط الضعف، خلص فريق العمل إلى نتائج، تتمثل اولا، في إنخفاض قابلية القطاع، للاستغلال في تبييض الأموال.
كما تم تحديد قطاع التوثيق، بالتقييم الوطني للمخاطر سنة 2024، كقطاع متوسط عال المخاطر، نظرا لطبيعة العقود، التي يبرمها، سيما، بيع عقارات وتأسيس شركات، وتحويل أموال، مما يجعله بيئة جذابة لتبييض الأموال، خاصة من خلال شراء ممتلكات، بأموال مجهولة المصدر، واستخدام هبات أو تنازلات صورية.
وجاء هذا الانخفاض، حسب التقرير، تبعا للتدابير المتخذة، من طرف اللجنة الوطنية لتقييم مخاطر تبييض الأموال، وخريطة الطريق المسطرة لهيئة التوثيق، وتنفيذ ما جاء بها، خاصة عبر صدور قانون المالية لسنة 2025، الذي ألزم الموثقين باستعمال قنوات الدفع البنكية لإبرام المعاملات العقارية، والشروع بالعمل بالنصوص التطبيقية، مثل نظام الغرفة الوطنية، والخطوط التوجيهية ودليل الرقابة، بالإضافة الى تكثيف الأيام الدراسية والدورات التكوينية، وتعزيز الرقابة والإشراف، من خلال برمجة دورات تفتيشية وتطبيق عقوبات رادعة، ومتناسبة مع المخالفات المرتكبة.
ارتفاع عدد الإخطارات بالشبهة الموجهة لخلية معالجة الاستعلام المالي
وخلص التقرير، ايضا، الى تحسن ثقافة المطابقة والامتثال، لدى الموثقين، حيث عرفت المهنة ، مؤخرا زيادة الوعي، بدورهم الجوهري في منظومة الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، تماشيا مع تكثيف الأيام الدراسية التكونية التي شملت كل أنحاء البلاد.
وخير دليل على انخراط الموثقين في هذا المسعى، هو ارتفاع عدد الإخطارات بالشبهة الموجهة لخلية معالجة الاستعلام المالي، بالإضافة إلى تفعيل إجراءات تسيير مكاتب التوثيق بناء على النهج القائم على المخاطر واتخاد تدابير العناية الواجبة عند ابرام العقود وحفظها جدياً.
تصنيف جديد للعقود عالية المخاطر
سمح تقييم العقود التوثيقية، بالكشف عن نقاط الضعف لهذه العقود، وأسفرت النتائج على تصنيف عقدي الوكالة والاعتراف بالدين، بخطورة جد عالية. ويرجع ذلك، لانعدام قواعد البيانات للزبائن، وانعدام وسائل الربط، بين مكاتب التوثيق وهيئات أخرى، ذات الصلة، وكذلك حجم السيولة المستعملة، التي لا تمر عبر القنوات البنكية، ولا يعينها الموثق بهذا الصنفين من العقود ، بالإضافة إلى كثرة لجوء الزبائن لهذا النوعين من العقود.
غياب منظومة وطنية موحدة للتحقق من الهوية ومصدر الأموال
وفي ذات السياق، سجل التقرير، عدم وجود أرضية رقمية، تربط بين مكاتب التوثيق، وقواعد البيانات الرسمية مثل وزارة الداخلية، ووزارة المالية، وخلية معالجة الاستعلام المالي، مما يحد من قدرة الموثق على كشف المعاملات المشبوهة، وتفعيل دوره الاستباقي لمحاولات استغلال خدماته لتبييض الأموال.
هذه توصيات تقرير التقييم القطاعي
حذر التقرير، من الثغرات التنظيمية والعملية الحالية المسجلة في قطاع التوثيق، حيث تجعله عرضة للاستغلال، من قبل شبكات إجرامية أو أطراف، تبحث عن إضفاء المشروعية على أموال غير قانونية، ويمثل تعزيز الامتثال والرقمنة والتنسيق المؤسساتي ثلاثية أساسية للحد من المخاطر.
ويتم ذلك، عبر ربط مكاتب التوثيق، بمنصة رقمية وطنية موحدة، وتفعيل وظيفة المطابقة بمكاتب التوثيق، اضافة الى تعزيز التفتيش والرقابة المهنية، خاصة على أصناف العقود عالية المخاطر، لاسيما الوكالات والاعترافات بالدين، وتشديد العقوبات الإدارية بشأنها درنا لمواصلة المتعاقدون استغلالها في تبييض الأموال والتهرب الضريبي.
وتتطلب الوضعية الراهنة، أيضا اتخاذ تدابير أخرى لوقاية أكثر فعالية لمحاولات تبييض الأموال ، حيث يلجأ جل الزبائن، للتخفيض من القيمة الحقيقية للعقار، عند بيعه لدفع أقل حقوق، لمصلحة التسجيل والمحافظة العقارية قصد الاشهار، رغم وجود منصة عقارية رسمية مفتوحة لجميع المواطنين، إلا أن الزبائن لا يلتزمون بها الغياب مادة قانونية أمرة تفرض عليهم ذلك، مما يشكل تهربا ضريبيا من جهة، وتبييضا للمبالغ غير المصرح بها أمام الموثق من جهة أخرى.
سيد علي مدني