في عصر التحول الكبير لصناعة السيارات، يمكن للجزائر ان تلعب دورا محورياً في ثورة مجال السيارات الكهربائية. و في ظل تراجع مبيعات الماركات الأوروبية التقليدية في الأسواق العالمية بسبب تفوق الماركات الصينية و اليابانية و الجنوب كورية كما و نوعا، تشكل هذه الخارطة الجديدة في صناعة السيارات فرصة فريدة لتصبح الجزائر المركز الإقليمي والأفريقي لتصنيع وتجميع السيارات الكهربائية. هذه الخطوة الاستراتيجية قد لا تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي الجزائري فحسب، بل ستؤثر بشكل كبير على البيئة والصحة العامة.
يواجه عمالقة صناعة السيارات الأوروبية تحديات غير مسبوقة في سوق السيارات الكهربائية. فقد سجلت فولكس فاجن، التي كانت الرائدة في أوروبا، انخفاضاً بنسبة 5٪ في مبيعات السيارات الكهربائية في الربع الأول من عام 2024. وبالمثل، شهدت شركة ستيلانتيس، الشركة الأم للعلامات التجارية مثل فيات وبيجو، انخفاضاً في قيمتها السوقية بنسبة 19٪ خلال نفس الفترة. هذا التراجع، الذي يُعزى إلى حد كبير إلى ارتفاع التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين في أوروبا، يخلق فرصة للأسواق الناشئة مثل الجزائر لسد هذه الفجوة، خاصة في القارة الأفريقية.
يمكن أن يوفر التزام الجزائر بالطاقة المتجددة أساساً قوياً لصناعة مزدهرة للسيارات الكهربائية. فالبلاد تستثمر بكثافة في توسيع حدائقها الشمسية لتوليد الكهرباء النظيفة، وهو عنصر حاسم في حجة الاستدامة للسيارات الكهربائية. وقد بدأت شركة سونلغاز، الشركة المملوكة للدولة، بالفعل في تصنيع محطات شحن كهربائية محلياً، حيث صدرت مؤخراً 433 محطة إلى إيطاليا. هذا يمثل بداية لما يمكن أن تكون صناعة تصدير مهمة للجزائر، إلى جانب تلبية الطلب المحلي المتزايد.
يضع الموقع الجغرافي الفريد للجزائر، الذي يربط بين أوروبا وأفريقيا، البلاد في موقع مثالي كمركز محتمل لتصنيع السيارات الكهربائية. هذه الميزة الاستراتيجية يمكن أن تسمح للجزائر بخدمة كلا السوقين بكفاءة، مستفيدة من قربها من التكنولوجيا الأوروبية وأسواق النمو الأفريقية.
ان أحد أهم التأثيرات المحتملة لصناعة مزدهرة للسيارات الكهربائية والهجينة في الجزائر هو الانخفاض الكبير في استهلاك المحروقات محلياً. فمع زيادة تبني الجزائريين للسيارات الكهربائية والهجينة، سينخفض اعتماد البلاد على البنزين والديزل للنقل بشكل كبير. هذا التحول سيحرر فائضاً كبيراً من النفط والمنتجات المكررة للتصدير، مما قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في تدفق العملة الأجنبية إلى خزائن الدولة الجزائرية.
تقدر الدكتورة فاطمة بن علي، خبيرة الاقتصاد في مجال الطاقة بجامعة الجزائر: "إذا تمكنت الجزائر من تحقيق معدل تبني للسيارات الكهربائية والهجينة بنسبة 30٪ بحلول عام 2030، فقد نشهد زيادة في صادرات المحروقات تصل إلى 15٪، مما قد يولد إيرادات إضافية تتراوح بين 5 و7 مليارات دولار سنوياً."
سيكون للتحول إلى السيارات الكهربائية والهجينة فوائد بيئية بعيدة المدى للجزائر. فانخفاض الانبعاثات من وسائل النقل سيحسن جودة الهواء بشكل كبير، خاصة في المناطق الحضرية. هذا التحسن في جودة الهواء يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في أمراض الجهاز التنفسي وغيرها من المشاكل الصحية المرتبطة بتلوث الهواء.
يشير البروفيسور أحمد طالب، خبير الصحة البيئية في جامعة وهران: "تشير دراساتنا إلى أن انخفاضاً بنسبة 50٪ في انبعاثات السيارات يمكن أن يؤدي إلى انخفاض بنسبة 30٪ في حالات دخول المستشفى المتعلقة بأمراض الجهاز التنفسي، ويمكن أن يزيد متوسط العمر المتوقع بمقدار 1-2 سنة في المناطق الحضرية الكبر
في حين تركز الشراكات الحالية للجزائر في مجال السيارات بشكل أساسي على محركات الاحتراق، مع استعداد عمالقة صينيين مثل جيلي وشيري لبدء الإنتاج في عام 2025، إلا أن البلاد لم تؤمن بعد شراكات للسيارات الكهربائية أو الهجينة. هذا يمثل فرصة ملحة للحكومة للتحول بنشاط نحو جذب مصنعي السيارات الكهربائية الصينيين لإنشاء مرافق إنتاج في الجزائر.
و قد وضعت الحكومة الجزائرية بالفعل بعض الأسس لدعم صناعة السيارات، مع تشريعات تقدم حوافز ضريبية لشركات تصنيع السيارات الدولية التي تستثمر في البلاد. ومع ذلك، فإن نهجاً أكثر استهدافاً نحو تصنيع السيارات الكهربائية يمكن أن يسرع انتقال الجزائر إلى هذا القطاع المتطور.
إن صناعة مزدهرة للسيارات الكهربائية في الجزائر لن تعزز قطاع السيارات فحسب، بل ستحفز أيضاً النمو في الصناعات المجاورة. يمكن للمصنعين المحليين لقطع الغيار والإلكترونيات التحول لدعم إنتاج السيارات الكهربائية، مما يخلق نظاماً بيئياً قوياً لسلسلة التوريد. هذا التنويع يمكن أن يؤدي إلى زيادة فرص العمل وتعزيز الابتكار عبر قطاعات متعددة.
و لكي تحقق الجزائر اهدافها كمركز لتصنيع السيارات الكهربائية، هناك عدة خطوات رئيسية ضرورية:
المبادرات الحكومية: يجب على إدارة الرئيس عبد المجيد تبون إعطاء الأولوية لتصنيع السيارات الكهربائية كحجر زاوية للتنمية الاقتصادية في السنوات الخمس القادمة.
الشراكات الدولية: السعي بقوة لإقامة شراكات مع كبار مصنعي السيارات الكهربائية الصينيين، وتقديم حزم استثمارية جذابة لإنشاء مرافق إنتاج في الجزائر.
تطوير البنية التحتية: تسريع نشر محطات الشحن عبر المدن الجزائرية الكبرى لدعم تبني السيارات الكهربائية محلياً.
تنمية القوى العاملة: الاستثمار في برامج التعليم والتدريب لبناء قوى عاملة ماهرة قادرة على دعم صناعة السيارات الكهربائية عالية التقنية.
دعم الصناعة المحلية: تشجيع ومساعدة الشركات المحلية على تطوير قدراتها في التقنيات المتعلقة بالسيارات الكهربائية، ربما من خلال مشاريع مشتركة مع شركاء دوليين.
السياسات البيئية: تنفيذ معايير أكثر صرامة للانبعاثات وتقديم حوافز لتبني السيارات الكهربائية لتسريع الانتقال وتعظيم الفوائد البيئية.
التعاون مع القطاع الصحي: الشراكة مع السلطات الصحية لمراقبة وقياس الفوائد الصحية لانخفاض تلوث الهواء، واستخدام هذه البيانات لدعم مبادرات السيارات الكهربائية بشكل أكبر.
مع تحول صناعة السيارات العالمية، تقف الجزائر على عتبة فرصة رائعة. من خلال تبني تصنيع السيارات الكهربائية والهجينة، يمكن للبلاد أن تنعش قطاع السيارات الخاص بها وتحقق نموًا اقتصاديًا كبيرًا من خلال زيادة صادرات الهيدروكربونات. علاوة على ذلك، فإن هذا التحول يعد بتحقيق مكاسب بيئية كبيرة، مما يحسن جودة الهواء ونتائج الصحة العامة في جميع أنحاء البلاد.
تمتد فوائد هذا الانتقال إلى ما هو أبعد من المكاسب الاقتصادية المباشرة. بيئة أنظف، سكان أكثر صحة، وتبوء مكانة رائدة في التكنولوجيا المستدامة يمكن أن يعيد تشكيل مستقبل الجزائر على الساحة العالمية. مع السياسات والشراكات والاستثمارات الصحيحة، يمكن للجزائر أن تقود مستقبل التنقل الإفريقي، وتعزز اقتصادها نحو حقبة جديدة من النمو المستدام، وتضع معيارًا جديدًا لحماية البيئة في المنطقة.
زهير شيخي
مهندس مختص في الاقتصاد و النفط