الحراك الإخباري - قراءة في مستقبل العلاقات الجزائرية الأمريكية
إعلان
إعلان

قراءة في مستقبل العلاقات الجزائرية الأمريكية

منذ أسبوع|رأي من الحراك

بقلم الدبلوماسي جاب الله جمال الدين 


يشهد العالم تحديات عالمية غير مسبوقة في السياسة الدولية، ولم تطل فترة احتفال العالم بنهاية الحرب الباردة حتى برزت ظواهر سياسة على مستوى العلاقات والتحالفات لم يجد الفكر السياسي توصيفا دقيقا لها، ربما لكونها تحالفات متحركة وغير ثابتة، وربما لأنها وقتية وغير دائمة. وهذا ناتج بدرجة كبيرة إلى انتقال العالم إلى نمط الصراع المصلحي الذي يمكن حصر اسبابه وفهمها والسيطرة عليها وإيجاد المخارج المعقولة لها عبر تحقيق الحد الأدنى من توازن المصالح، وتتميز الصراعات المصلحية في عالم اليوم بتدخلاتها الهائلة وتشابكاتها المعقدة، بما يفتح المجال لبناء تحالفات غير معلنة احيانا، وتحالفات يمكن وصفها "القطاعية "أي تحالفات بين أطراف محددة في قطاع أو مجال معين، ورغم التناقضات العلنية في سياساتها العامة وتوجهاتها الكبرى.

كما أن العالم اصبح في سيولة غير مسبوقة، حيث مخاطر الصراع تتصاعد والمنافسة تشتد وتشتعل والتيارات الشعبوية تعيد تشكيل السياسة في الكثير من البلدان المؤثرة، وفي وسط هذا كله ادرك السيد الرئيس عبد المجيد تبون هذا الواقع الجديد في السياسة الدولية، وقام بوضع رؤية جديدة للسياسة الخارجية للجزائر وفق مقاربة متكاملة ومنهج سليم ومتجدد يرتكز على ثوابت السياسة الخارجية الجزائرية المعروفة بمناصرة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال وكذلك عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحل النازعات بالحوار السياسي الهادف ومحاربة الارهاب واحترام القانون الدولي هذا من جهة ومن جهة اخرى تحقيق توازن في المصالح وبناء شراكات جديدة يكون أساسها تحقيق المنافع المتبادلة.

ومن هذا المنطلق وبعد تقييم موضوعي ومنطقي للعلاقات الجزائرية الخارجية، رسم السيد الرئيس التوجهات الاساسية الواجب اتباعها والعمل على تنفيذها بحيث يكون للجزائر دور فعال ومؤثر في محيطها العربي والافريقي والمتوسطي والعالمي. دور فعال وايجابي تكون منطلقاته تحقيق مصالح الجزائر وشعبها وخلق توازن في المصالح مع دول العالم وبناء شراكات حقيقية تسهام في التنمية والتطور الذي يريد السيد الرئيس تحقيقه بما يدفع بالنمو الاقتصادي للجزائر وتحقيق الرفاهية المنشودة لافراد الشعب وبالتالي جعل من الدبلوماسية الاقتصادية المرجعية الحقيقية للتعاون الدولي

وفي هذا الإطار تاتي النظرة المستقبلية للعلاقات الجزائرية الأمريكية، هذه العلاقات التي ترتكز على موروث تاريخي صلب جمع بين الجزائر وامريكا عبر التاريخ، علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والمنافع المشتركة، وهنا يأتي التذكير بما قامت به الدبلوماسية الجزائرية من جهد كبير كان محل تقدير وعرفان من امريكا اتجاه تحرير الرهائن الامريكيين، كما أن التوقيع على مذكرة التفاهم العسكري بين البلدين منذ يوم دليل آخر على عمق العلاقات الجزائرية الأمريكية ونفس الامر فيما يخص التعاون الطاقوي حيث تم التوقيع مع الجانب الامريكي لاستكشاف قدرات الجزائر الطاقوية في مياهنا الإقليمية، وهنا يأتي التفيكر العقلاني في استنباط الفرص المتاحة للتعاون الجزائري الأمريكي مستقبلا، وهذا انطلاقا من توجهات البلدين في سيايتهما الخارجية والتعاون الدولي، حيث أصبح واضحا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعطي اولوية خاصة للتعاون الاقتصادي وهي نفس الرؤية التي وضعها السيد الرئيس عبد المجيد تبون بإعطاء الاولوية للتعاون الاقتصادي الذي يحقق مصالح الجزائر ومنها تشجيع الصادرات خارج قطاع المحروقات ويدفع بعجلة التنمية المستدامة الشاملة، و هنا يتضح مدى أهمية الحوار الاستراتيجي القائم بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية وضرورة الارتقاء به الى فتح مجالات حقيقة للتعاون بين البلدين وايجاد الفرص المتاحة للتوسع في العلاقات الجزائرية الأمريكية وهي كثيرة ومتنوعة ويمكن ايجازها في الآتي: التعاون في المجال العسكري والدفاع وخاصة في التكوين وتبادل الخبرات ومكافحة الإرهاب وصولا الى التعاون العسكري في العتاد والمعدات و التعاون في المجال الطاقوي، حيث تولي كل من الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية اهمية بالغة للطاقة وبإمكان البلدين التوسع في هذا المجال بما يحقق المصالح المشتركة

هناك ايضا التعاون في مجال الفلاحة والزراعة، وحيث نجد الجزائر تعطي اهمية قصوى لأمنها الغذائي، وهنا يمكن فتح هذا المجال للتعاون المستقبلي بين البلدين والاستفادة من الخبرة والتجربة الأمريكية وتصدير المنتجات الجزائرية لامريكا وجلب استثمارات امريكية لقطاع الفلاحة والاستفادة من التكنولوجيا الأمريكية المتطورة، التعاون كذلك في مجال الموارد المائية وخاصة في طرق الادارة التكاملية للموارد المائية وأمريكا لها باع كبير في هذا المجال، كما يمكن 

التعاون في مجال الصناعة الصيدلانية والصناعة بصفة عامة خاصة مايتعلق بالصناعات الدقيقة وحيث أن الجزائر اتجهت وبقوة على أن تصبح دولة رائدة في هذا المجال وتطمح وبقوة في رفع نسبة مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي. يمكن ايضا التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي وذلك بخلق آلية جديدة للتعاون بين الجامعات الأمريكية والجزائرية وكذلك تبادل البعثات العلمية بين الجانبين ورفع قدرات التكوين والتدريب والتأهيل و خلق آلية للتشاور والتنسيق والتعاون بين الوكالة الجزائرية للتنمية والتعاون الدولي مع نظيرتها الأمريكية والاستفادة من التجربة الأمريكية و التفكير في احداث تعاون حقيقي بين الوكالة الفضائيه الجزائرية ومثيلتها الأمريكية.

ومما سبق ذكره فإن مستقبل العلاقات الجزائرية الأمريكية سيكون واعدا يصب في مصلحة البلدين ويكون نموذج لبناء شراكات تعاون تتسم بتحقيق منافع ملموسة لكل من الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية وكلما تقوت العلاقات الاقتصادية بين البلدين حتما سيعزز ذلك العلاقات السياسية.

تاريخ Jan 23, 2025