الحراك الإخباري - وائل حلاق ينقد العلم الحداثي: قصور الاستشراق
إعلان
إعلان

وائل حلاق ينقد العلم الحداثي: قصور الاستشراق

منذ 4 سنوات|قراءة في كتاب

صدر في الفترة الأخيرة كتاب " قصور الاستشراق: منهج في نقد العلم الحداثي"، عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، للمفكر الفلسطيني الأصل وائل حلاق، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا، وبترجمة بارعة من الدكتور عمرو عثمان مترجم الدولة المستحيلة لنفس المؤلف. ينطلق وائل حلاق في كتابه هذا من نقد كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد نقدا لاذعا لا يعرف الرأفة . يستحوذ هذا النقد على أغلب أجزاء الكتاب الأولى لكن رغم هذا لم يكن نقد سعيد هو الغرض الأساسي من الكتاب حيث استخدم حلاق كتاب الاستشراق كذريعة لنقد المشروع الحداثي ككل. يبدأ حلاق في سرد المآخذ المنهجية التي وقع فيها إدوارد سعيد ويذكرنا قبل هذا بأن تخصص سعيد كناقد أدبي ربما أفقده الحس التاريخي الذي يتطلبه تناول موضوع من هذا النوع.

وقال إنه من الإشكاليات الكبيرة التي وقع فيها سعيد أنه نظر إلى الاستشراق كخطاب عابر للتاريخ لا يتأسس على أرضية صلبة ومحددة بل كان تأسيسه يرتكز على مجموعة نصوص لمؤلفين/ مستشرقين أفراد كانت لنصوصهم سمات خاصة ومتجانسة شكلت هذا الخطاب الاستشراقي.

لم يدرك سعيد الجذور الحقيقية للاستشراق، فأعتبر أن مجرد تناول كمية كثيفة من النصوص كفيل بأن يكشف بنية الاستشراق وحقيقته.

وبتوظيف مفهوم فوكو للخطاب وعلاقته بالسلطة بنى إدوارد سعيد أطروحته كاملة على هذا الأساس، أول إشكالية نتجت عن هذا الطرح هي أن سعيدا صبغ جميع المستشرقين صبغة واحدة، إن لفظة مستشرق في طرح سعيد تشمل ايسخيلوس اليوناني مرورا بدانتي ووصولا إلى برنارد لويس في ذات المستوى.

يعتقد حلاق أن هذا الخلل كان أثرا لخطأين إجرائيين وقع فيهما سعيد، أولهما غياب نظرية واضحة للمؤلف، فبينما ذكر سعيد أنه يخالف فوكو في نظرته للمؤلف باعتباره مسلوب الإرادة وخاضعا خضوعا تاما للخطاب السائد ، أكد مراعاته للبصمة المحددة لأفراد المؤلفين، لكنه عمليا وفي ثنايا طرحه يختفي هذا التنظير فيصبح المستشرقون شكلا واحدا لا خصوصية لهم، فالمؤلف ميت ومن يتحدث هو خطاب تشكل وفق علاقات القوة .

يذكر حلاق أن سعيدا اضطر إلى هذا التعميم المخل بسبب افتقاده إلى نظرية فوقية ناظمة ‏يمكنها أن تستوعب تلك التمايزات والاختلافات بين أفراد المستشرقين.

 الخطأ الثاني الذي نتج عنه هذا التعميم كان بسبب عدم وضع الاستشراق في مكانه الصحيح، حيث لم يلتفت سعيد للأسباب الأساسية التي جعلت الاستشراق ممكنا من الأصل، بمعنى آخر لم يلتفت سعيد إلى التربة الحداثية التي نبت فيها الاستشراق. لذلك عمل سعيد على ديمومة الاستشراق ولا نهائيته باعتباره خطابا يشتبك مع السلطة وتُنتج من خلاله تصويرات مسيئة ومشوِّهة للشرق من أجل الهيمنة عليه .

يعتبر حلاق هذا التفسير السياسي سطحي وقاصر عن تفسير السبب الحقيقي لبزوغ الاستشراق كظاهرة استثنائية حديثة لم يعرفها التاريخ الإنساني من قبل.

يقرر حلاق أن المشروع الحداثي الغربي هو الأساس الذي تفرع منه حقل الاستشراق مثلما تفرعت منه الحقول العلمية الأخرى، ومن الخلل اتهام الفرع دون النظر إلى الأصل الذي انبثق منه.

يأخذ حلاق على سعيد إيمانه بالقيم العلمانية والليبرالية الإنسانوية رغم نقده للاستشراق وللظاهرة الكولونيالية، حيث ‏يعتبر سعيد أن كل تصوير للشرق لا يوافق القيم التي يؤمن بها يعتبر تصويرا خاطئا ومسيئا للشرق.

نظر سعيد إلى الاستشراق كحقل أكاديمي شذ عن الحقول الأكاديمية الأخرى وبالتالي عن القيم الليبرالية والعلمانية، على عكسه يعتبر حلاق كل الحقول الأكاديمية الأخرى متورطة بذات المفاهيم الاستعمارية التي يعمل من خلالها الاستشراق.

 من هنا ينتقل حلاق إلى نقد النموذج المعرفي الذي يقوم عليه العلم الحداثي ككل ذلك العلم الذي يتأسس بنيويا مع مفهوم السيطرة السيادية . هذه السيطرة التي عملت ابتداء على فصل القيمة عن الطبيعة، فبما أن الطبيعة مادة غاشمة وهامدة يمكن أن يُتعامل معها دون قيد أخلاقي، يُتعامل معها كشيء يخضع دائما للفعل، لذلك يمكن دراستها وإخضاعها دائما للمنظومة التحليلية الحداثية .

ينتهي حلاق في فصله الأخير إلى فكرة إعادة صياغة ‏ الاستشراق ولكن بعد تأهيله وبنائه على أسس جديدة غير التي قام عليها قديما.

  رغم أن حلاقا يستعير كثيرا من أفكار ونظريات نقاد مابعد الحداثة، إلا أن منطلقاته الفكرية تختلف جذريا عن المنطلق العدمي الذي يسير عليه هؤلاء النقاد. فحلاق مفكر أخلاقي في الأساس وهو لا يرفض الدين بالكلية، بل إنه يرى أن الدين بما فيه من روحانيات وأخلاقيات قد يكون الحل المناسب للخروج من المنطق الحداثي المادي الذي يهيمن علينا اليوم، وهذا بالتحديد سبب إعجابه بالشريعة الإسلامية، وهو مسيحي الديانة، فهو يعتقد أن الشريعة الإسلامية تنطوي في بنيتها على معايير أخلاقية وروحية تضبط حركة الأفراد والجماعات والمؤسسات الإسلامية، بعكس الحضارة الغربية المنفلتة والتي تسيّرها مفاهيم الهيمنة والمصلحة والربح دون قيود أخلاقية .

تاريخ Nov 13, 2019