حكم تدريس أو تكريم المرأة للرجال في المساجد تفصيل مجمل وتقييد مهمل.
أولا: إتفق الفقهاء أنه يجوز للمرأة أن تتولى أي منصب وظيفي ما عدا منصب الامامة العظمى .
ثانيا: اختلفوا في منصب القضاء ، بين مانع لها منه بالكلية، وبين مانع فقط لقضاء الجنايات.
ثالثا: اتفقوا على عدم جواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة.
رابعا: اختلفوا في إمامتها للنساء والجمهور على منعها من ذلك ، والتحقيق: جواز ذلك لحديث أم ورقة رضي الله عنها، بشروطه وضوابطه.
خامسا: اتفقوا على جواز تدريس المرأة للنساء سواء في المسجد أو غيره.
سادسا: اختلفوا في تدريسها للرجال في المسجد أو خارجه ، و في المسألة تفصيل .
1)_ التدريس خارج المسجد:
لقد أضحى تدريس المرأة للرجال والنساء في المؤسسات التعلمية كالمدارس والجامعات والمعاهد ، مما عمت به البلوى بسبب الاختلاط .
ولكن أجاز العلماء ذلك بضوابط، كلها تصب في مقصد واحد هو أمن الفتنة، و للوصول إلى هذه الغاية وجب إعمال كل القواعد الشرعية الخادمة لهذا المعنى من : قاعدة سد الذرائع ، وقاعدة المصلحة و المفسدة، وقاعدة عموم البلوى ، وقاعدة الاحتياط، وقاعدة المٱلات ...
وكلها قواعد تسيج هذا الفعل خشية أن يفضي الى ما لا تحمد عقباه.
و أمسى هذا السلوك متعارف عليه، بين ملتزم بأحكام الشرع وضوابطه، و بين متنصل عنه تحت دعوى الحرية بكل ما تحمله من معان.
ولقد شهد التاريخ الاسلامي الحافل بأسماء لكثير من العالمات اللواتي تلقى على ايدهن الرجال ، وتجاوز عند بعضهم أكثر من ثمانين عالمة اخذ عنها، وخاصة في علم الحديث ، و المتتبع لكتب التراجم يقف على هذه الحقيقة العلمية التاريخية.
ولكن لم يؤثر نقل عن طريقة التلقي هل كانت من وراء حجاب ساتر ، أم مباشرة ولكن بحجبهن الساتر.
2)_ تدريس النساء للرجال في المساجد:
كما هو معروف أن مراكز العلم كانت المساجد إبتداءً ثم استحدثت التكايا والزوايا، والمدارس، والمحاضر ....
فكان التدريس من خصائص المساجد في العهد الأول ، ولم أقف في حدود إطلاعي على من درست في مسجد وأخذ عنها العلم في المسجد .
وكل ما أثر عن الصحابيات وعلى رأسهن أمنا عائشة رضي الله عنها ، كان من وراء حجاب أي من وراء ستار وليس مباشرة .
ولم يزل الحال على ذلك حتى استحدثت مراكز العلم من غير المساجد ، وعرف فيهن التدريس لكثير من العالمات ، ولكن لم تنقل لنا صورة التعليم ، هل كانت مباشرة أم من وراء حجاب؟
وعليه لا بد من قراءة أي نازلة قراءة تجمع بين فقه الواقع وفقه الواجب.
قال ابن القيم رحمه الله :" ولا يتمكن المفتي ، ولا الحاكم ، من الفتوى ، والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم :
أحدهما : فهْم الواقع والفقه فيه ، واستنباط علم حقيقة ما وقع ، بالقرائن ، والأمارات ، والعلامات ، حتى يحيط به علماً .
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع , وهو فهم حكم الله الذي حكم به ، في كتابه ، أو على لسان رسوله في هذا الواقع ، ثم يطبق أحدهما على الآخر ." إعلام الموقعين " ( 1 / 87 ) .
فقه الواقع :
لقد سيطرت العلمانية العالمية المتوحشة على كل ما هو ديني، و أرادت أن تخضعه إلى مفاهيم وقيم هي من تصنعها، وتدين فردي يغيب فيه التدين الجماعي .
و إلى إرهاب فكري يجرم كل من يريد أن يتحاكم لقواطع الاسلام، تحت مصطلحات أضحت مكشوفة عند ذوي العقول المتحررة لا المحنطة: رجعي ، متزمت ، معقد، متخلف، متعصب.... وغيرها من المصطلحات الجاهزة والمدججة بالدعم الدولي والمحلي ...
و من بين قضايا العصر تولي المرأة مناصب سامية في الدولة كرئيسة، او وزيرة أو والية، أو مديرة ...
و أصبح لكل مؤسسة برتوكلات وتقاليد رسمية يجب الالتزام بها طوعا أو كرها.
فكانت قضية العين الماثلة أمامنا حول دخول رئيسة دائرة إحدى الولايات الى أحد المساجد في مناسبة رسمية.
فنقول :
أولا : أن هذا السلوك يجب أن يثمن عندما يعتني المسؤولون بالقطاع الديني ويولون له عناية خاصة .
ثانيا: أنه كان بإمكان السيدة الرئيسة أن تضع على جسمها عباءة ساترة لبدنها خروجا من الخلاف ، حتى ولو لم تكن محجبة في الأصل . ولكن حرمة للمسجد والمصلين واعراف البلد .
ثالثا: كان بإمكان السيدة الرئيسة أن تمكث في مقصورة الإمام تجلس معززة مكرمة مصانة إلى غاية ابتداءالحفل وتكريم المعنيين.
رابعا: إنه في حالة خروجها أمام المصلين من الرجال أن تبقى بجانب المحراب بلباسها المحتشم دون ان تختلط بالرجال، على عكس ما هو الحال في الصورة الملتقطة.
#فقه الأحكام :
لا شك أن هذا الأمر أثار حافظة كثير من المتدينين ، بين متشدد في الموقف ومنكر له بالجملة، وبين مستغرب له ، وبين مرحب به ، واعتباره سلوكا عاديا ويتماشى مع الواقع المعاش .
والذي لا خلاف فيه بين العلماء أن اللباس الشرعي للمرأة يجب أن يحتوي على خمسة ضوابط ضرورية:
1_ نية الامتثال لأوامر الشرع بفرضية هذا اللباس، لا على أنه عادة أو لباس أهل البلد.
2_ أن يكون ساترا لجميع البدن ، من منبت الشعر إلى أخمص الرجل .
3_ أن يكون فضفاضا غير واصف لتفاصيل الجسم وأعضائه.
4_ أن لا يكون شفافا بحيث يظهر ما تحته من جسم أو لباس داخلي.
5_ ألا يكون لباس شهرة، بحيث تتميز به عن لباس أهل بلدها من النسوة، حتى تلفت الانتباه به ، أو تعرف به لتميزها به.
في الختام :
أقول أن تولي المرأة هذه الوظائف ليس حراما، ولا عيبا ، ما إن إلتزمت بضوابط الشرع في أداء مهامها.
و أن تدريس المرأة للرجال في المساجد لأي فن من فنون العلم ليس حراما، إذا كانت ملتزمة بالضوابط الخمس الٱتي ذكرها:
1_ الحجاب الشرعي المذكور في الضوابط الخمس السابقة
2_ عدم الخضوع بالقول، بحيث تتصنع فيه أو تترخم مما يؤثر في نفس النساء فضلا عن الرجال.
3_ لا حرج في الاختلاط، ولكن من غير إحتكاك او الإلتصاق بالرجال. وقد كان مسجد رسول الله من غير ساتر بين الجنسين.
4_ عدم المبالغة في الزينة الظاهرة من مساحق، أو عطر جاذب برائحته لكل قريب .
5_ الحاجة إليها فيما هي أهله له، وليس في الرجال من يقوم مقامها، أو في مستواها.
هذا وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل:
إن الغيرة على ديننا وشرفنا تحركنا
والشعور بالمسؤولية وإبراء الذمة يدفعنا.
والخوف من السكوت على الحق ينطقنا
وضرورة البيان و اقامة الحجة تلزمنا
و الخوف على تمييع الأحكام يؤرقنا
#فاللهم يا رب هذا جهد المقل، فإن أخطأت فغفرناك ، و إن أصبت فأجرك، فليس من أراد الحق فأخطأه ، كمن أراد الباطل فأدركه.
قال تعالى:{ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }(88) سورة هود.
=============كتبه:
الدكتور بلخير طاهري الادريسي الحسني المالكي الجزائري
أستاذ الشريعة والقانون جامعة وهران _الجزائر _