الحراك الإخباري - تفسير الإمام عبد الحميد ابن باديس: مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير
إعلان
إعلان

تفسير الإمام عبد الحميد ابن باديس: مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير

منذ 3 سنوات|قراءة في كتاب

بدأ الإمام عبد الحميد بن باديس، تفسيره للقرآن الكريم إلقاءً على طلبته ومريديه، في شهر ربيع الأول سنة 1332 هـ الموافق 1914، وختمه في شهر ربيع الأول من عام 1357 هـ الموافق 1938، لكنه لم يكتب منه إلا قليلاً، فلم يكن الشيخ يكتب من التفسير ما يُلقى، ولم تكن آلات التسجيل شائعة الاستعمال، ومتيسرة الوجود، ولم يتح له تلميذ نجيب يسجـل ما يقول، ولكنه كان يكتب في مجالس معدودة من تلك الدروس وكان ينشرها في فواتح أعداد مجلة الشهاب، ويسميها مجالس التذكير، وقد جمعت هذه الافتتاحيات بعد وفاته في كتاب تحت عنوان "مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير"، وهو عبارة عن مجالس متفرقة من تفسير بعض آيات القرآن، ولم يصِل إلينا تفسيرُه كاملاً.
 كان المرجع في تفسير ابن باديس للقرآن هو مرجع أهل السنة والجماعة، فهو يرجع في تفسير القرآن إلى ما يأتي: كلام الله تعالى، فيفسر القرآن بالقرآن، وكلام رسول الله فيفسر القرآن بالسنة، وكلام الصحابة ولا سيما ذوو العلم منهم، وكلام التابعين الذين اعتنوا بأخذ التفسير عن الصحابة، وما تقتضيه الكلمات من المعاني الشرعية أو اللغوية حسب السياق، فإن اختلف المعنى الشرعي واللغوي، أخذ بما يقتضيه الشرعي، لأن القرآن نزل لبيان الشرع، لا لبيان اللغة إلا أن يكون هناك دليل يترجح به المعنى اللغوي فيؤخذ به، وقد اعتمد ابن باديس فى تفسيره على أربعة كتب هي، تفسير ابن جرير الطبري، تفسير الكشاف، تفسير أبى حيان الأندلسى، تفسير الرازى.
لقد أراد الإمام ابن باديس، رحمه الله، في هذا التفسير أن يُبيِّن مختلفَ نواحي القيم الإسلامية الواجب اتّباعها؛ فركز على مقاصد القرآن الكريم التي يمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً: الناحية العقدية التي تتناول جانب الإيمان بالله تعالى والرسل والملائكة واليوم الآخر وغير ذلك.
ثانيًا: الناحية الأخلاقية التي يدعو القرآن إلى التلبُّس بها، لتهذيب النفوس وتزكيتها.
ثالثًا: الناحية الحياتية العملية، وهي التي تتناول الأحكام التي تُنظِّم علاقة الفرد بربِّه وبنفسه وبغيره من الأفراد وبمُجتمعه ككلٍّ.
وفي المقدمة، قال الإمام محمد البشير الإبراهيمي إنّ "محمد عبده" في عصره كان إمام المفسرين بلا منازع، فهو أبلغ من تكلم في التفسير، بيانا لهديه، وفهما لأسراره، وتوفيقا بين آيات الله في القرآن، وبين آياته في الأكوان، فبوجود هذا الإمام وجد علم التفسير وتم، ولم ينقصه إلاّ أنه لم يكتبه بقلمه كما بينه بلسانه، ولو فعل لأبقى للمسلمين تفسيرا لا للقرآن بل لمعجزات القرآن، ولكنه مات دون ذلك، فخلفه ترجمان أفكاره ومستودع أسراره "محمد رشيد رضا" فكتب في التفسير ما كتب، ودوّن آراء الإمام فيه، وشرع للعلماء منهاجه، ومات قبل أن يتمه، فانتهت إمامة التفسير بعده في العالم الإسلامي كله، إلى أخينا وصديقنا، ومنشئ النهضة الإسلامية العلمية بالجزائر، بل بالشمال الإفريقي "عبد الحميد بن باديس".
وعن خصائص التفسير الباديسي، أوضح الإبراهيمي كان "للأخ الصديق عبد الحميد بن باديس، رحمه الله، ذوقا خاص في فهم القرآن كأنه حاسة زائدة خُص بها، يرفده- بعد الذكاء المشرق، والقريحة الوقادة، والبصيرة النافذة- بيان ناصع، واطلاع واسع، وذرع فسيح في العلوم النفسية والكونية، وباع مديد في علم الاجتماع، ورأي سديد في عوارضه وأمراضه، يمد ذلك كله شجاعة في الرأي، وشجاعة في القول، لم يرزقهما إلاّ الأفذاذ المعدودون في البشر".
وأكد الإبراهيمي إن للإمام إبن باديس في القرآن رأي بنى عليه كل أعماله في العلم، والإصلاح، والتربية والتعليم: وهو أنه لا فلاح للمسلمين إلاّ بالرجوع إلى هدايته والاستقامة على طريقته، وهو رأي الهداة المصلحين من قبله، وكان يرى- حين تصدى لتفسير القرآن- أن تدوين التفسير بالكتابة مشغلة عن العمل المقدم؛ لذلك آثر البدء بتفسيره درسا تسمعه الجماهير فتتعجل من الاهتداء به ما يتعجله المريض المنهك من الدواء، وما يتعجله المسافر العجلان من الزاد، وكان- رحمه الله- يستطيع أن يجمع بين الحسنيين، لولا أنه كان مشغولا مع ذلك بتعليم جيل، وتربية أمة، ومكافحة أمية، ومعالجة أمراض اجتماعية، ومصارعة استعمار يؤيدها، فاقتصر على تفسير القرآن درسا ينهل منه الصادي، ويتزود منه الرائح والغادي، وعكف عليه إلى أن ختمه في خمس وعشرين سنة.
وكشف الإبراهيمي أنه لم يختم التفسير درسا ودراية بهذا الوطن غير ابن باديس منذ أن ختمه "أبو عبد الله الشريف التلمساني" في المائة الثامنة.
وتابع خليفته على رأس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين " كان ذلك الأخ الصديق رحمه الله يعلل النفس باتساع الوقت وانفساح الأجل حتى يكتب تفسيرا على طريقته في الدرس، وكان كلما جرتنا شجون الحديث إلى التفسير، يتمنى أن نتعاون على كتابة التفسير، ويغريني بأن الكتابة علي أسهل منها عليه، ولا أنسى مجلسا كنا فيه على ربوة من جبل تلمسان في زيارة من زياراته لي، وكنا في حالة حزن لموت الشيخ رشيد رضا قبل أسبوع من ذلك اليوم، فذكرنا تفسير المنار، وأسفنا لانقطاعه بموت صاحبه فقلت له: ليس لإكماله إلاّ أنت، فقال لي: ليس لإكماله إلاّ أنت. فقلت له: حتى يكون لي علم رشيد، وسعة رشيد، ومكتبة رشيد، ومكاتب القاهرة المفتوحة في وجه رشيد. فقال لي واثقا مؤكدا: إننا لو تعاونا وتفرغنا للعمل لأخرجنا للأمة تفسيرا يغطي على التفاسير من غير احتياج إلى ما ذكرت.
وبذلك يعتبر كتاب تفسير ابن باديس أو مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة.
ونشير إلى أن هذا التفسير الرائع متوفر حصريا بالجزائر لدى دار الوعي، لكل من يرغب في الاستفادة منه، حيث يمكنه التواصل معها عبر موقعها الإلكتروني أو على حسابها الرسمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال وكلائها الموزعين المعتمدين.

تاريخ Sep 10, 2020